“ميون” تكشف الحوثيين.. صناعة إيرانية بنكهة داعش الأكثر إثارة من القاعدة

1 min read

أبوبكر أبوالمجد

 

البعض يراهم مقاومين، والآخرون يرونهم خونة وعملاء للمشروع الفارسي في المنطقة؛ لكن ماذا تقول الحقائق التي كشفتها جزيرة ميون الإستراتيجية على مضيق باب المندب؟

 

أين تقع الجزيرة؟

 

جزيرة ميون أو جزيرة بريم هي جزيرة بركانية في مدخل مضيق باب المندب، تتبع الجمهورية اليمنية، وتبلغ مساحتها 13 كم² وترتفع إلى منسوب 65م، وإدارياً تعتبر إحدى العزل التابعة لمديرية ذباب (باب المندب) بمحافظة تعز ويبلغ تعداد سكانها 221 نسمة حسب التعداد السكاني في اليمن لعام 2004. ولها ميناء على الشاطئ الجنوبي الغربي، ومطار في الشمال.

عُرفت هذه الجزيرة في البداية باسم جزيرة ديودورس بحسب ما ذُكر في كتاب “الطواف” لبحار يوناني لم يُعرف اسمه حتى الآن، وسمّاها الأجانب بجزيرة البريم، بينما سمّاها البرتغاليون باسم جزيرة فيراكروز، أمّا بالنسب للعرب بحسب اللفظ وبحسب الكثير من الخرائط العربية فهي معروفة باسم جزيرة ميون، وهي قليلة الخضرة وتفتقد المياه العذبة، الأمر الذي أعاق استيطانها، وأمامها شبه جزيرة جبل الشيخ سعيد.

 

جزيرة ميون
جزيرة ميون

 

نبذة عن الجزيرة

 

ثار بركان في نقطة ما في تاريخ بريم الجيولوجي، أدى إلى سد باب المندب وتبخر البحر الأحمر إلى درجة جفاف قاعه. وغزاها البرتغاليون عام 1513، إلا أنهم لم يبقوا فيها بسبب المناهضة العثمانية.

احتلت فرنسا الجزيرة عام 1738، وفي سنة 1799 احتلتها شركة الهند الشرقية البريطانية لفترة قصيرة تمهيداً لغزو مصر، ولمنع نابليون من التوسع ناحية الهند، لكن شح المياه أجبرهم على النزوح إلى عدن، ثم عادوا في عام 1857 وأنشأوا محطة فحم، حسبما ورد في موسوعة “britannica”، واحتلتها لتربطها بمستعمرة عدن التي كانت قد احتلتها يوم 19 يناير 1839م.

أفل نجم الجزيرة مع حلول الجازولين محل الفحم في عام 1916، أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث حاولت القوات العثمانية الاستيلاء على بريم، إلا أنها فشلت.

وتوسّع عدد سكان بريم بشكل كبير بعد ذلك، ولكنه انخفض بعد التخلي عن محطة الفحم في عام 1936. وتم دمج الجزيرة في مستعمرة عدن البريطانية في عام 1937.

 

 

التحالف يسيطر عليها

 

وفي الأول من أكتوبر 2015، أعلنت الحكومة اليمنية سيطرتها على مضيق باب المندب وجزيرة ميون الاستراتيجيان، وهو أهم منفذ بحري يربط بحر العرب والمحيط الهندي جنوبًا والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط شمالًا.

وبحسب جيولوجيين، فالممر نشأ نتيجة لتباعد إفريقيا عن آسيا إثر الحركة البنائية الصدعية للانهدام السوري – الإفريقي الذي كون البحر الأحمر في أواخر حقبة

 الجيولوجي الثالث في عصر الميوسين والبليوسين.

أما جزيرة ميون، فتعود أهميتها إلى كونها تشرف على الممر المائي في مضيق باب المندب الذي تمر فيه نحو 21 ألف سفينة عملاقة سنويًا، وبواقع 57 سفينة حاملة نفط يوميًا، حسب ما ذكرته وزارة التجارة في صنعاء، وتقدر كمية النفط العابرة في المضيق بـ3.3 مليون برميل يوميًا، بحسب إحصائيات 2015.

واعتبر تحرير الجزيرة «ميون» من قبل الجيش الوطني والمقاومة المساندين من قوات التحالف هزيمة كبيرة للانقلابيين، حيث جزيرة ميون ومضيق باب المندب يعتبران الشريان المتدفق الرابط بين البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن جنوبا، ومسافته الكلية تقدر بـ30 كلم «20 ميلا تقريبا»، وهي المسافة الفاصلة بين قارتي آسيا وأفريقيا، رأس منهالي في الساحل الآسيوي إلى رأس سيان على الساحل الأفريقي، فالمسافة الفاصلة بين الساحل اليمني والجزيرة قدرها 2600 متر، في حين المسافة بين الجزيرة والساحل الإفريقي في جيبوتي 24 كلم.

وسيطرة اليمن على بوابة البحر الأحمر الجنوبية، نتيجة لسيادتها البرية على جزيرة ميون أو «بريم» وتفصل مضيق باب المندب إلى قناتين، شرقية تعرف باسم «باب إسكندر» وعرضها 3 كلم وعمقها 30 مترًا، وتقع بين الجزيرة والبر الآسيوي، وغربية تفصلها عن البر الإفريقي بمسافة 16 كم وعمقها يقدر بـ100 – 310 أمتار في العمق المحاذي للساحل الإفريقي، وهو ما يسمح لشتى السفن وناقلات النفط بعبور الممر بيسر على محورين متعاكسين متباعدين.

وتبعد جزيرة ميون عن ميناء عدن ما يقارب مئة ميل بحريّ، وعن جزيرة كمران ما يقارب الأحد عشر ميلاً بحرياً.

 

جزيرة ميون
جزيرة ميون

زيادة الأهمية

 

ازدادت أهمية الجزيرة الصغيرة بحكم موقعها المتحكم بباب المندب بوصفه واحدًا من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي.

وكانت تلك الأهمية محدودة إلى ما قبل افتتاح قناة السويس وربط البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط وعالمه، حين صار واحدًا من أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوروبية والبحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرق إفريقيا.

ويمكن التحكم والمراقبة المباشرة لخطوط ومواصلات ممر الملاحة البحرية الدولية الرابط لعبور المياه البحرية لخليج عدن والبحر العربي شرقًا، والبحر الأحمر وحتى قناة السويس غربًا من خلال الجزيرة.

 

القاعدة الجوية الإماراتية السرية

 

في 25 مايو 2021، كشفت وكالة Associated Press الأمريكية، أن الإمارات بدأت في تشييد “قاعدة جوية سرية في جزيرة ميون. ونقلت الوكالة عن مسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أن إماراتيين يقفون وراء مشروع القاعدة الجوية، رغم أنها أعلنت عام 2019 سحب قواتها من التحالف العسكري بقيادة السعودية من اليمن.

وأفادت تقارير بأنه جرى نقل المعدات من القاعدة الإماراتية في إريتريا إلى جزيرة ميون، في استنساخ لسيناريو الهيمنة الإماراتية على جزيرة سقطرى اليمنية التي سيطرت عليها الإمارات، علماً بأن موقع جزيرة ميون أكثر أهمية.

وتوقفت محاولات سابقة في 2017، حسب نيويورك بوست الأمريكية، على الأرجح عندما أدرك المهندسون أنهم لا يستطيعون الحفر في جزء من المناطق الصخرية للجزيرة البركانية لدمج موقع المدرج القديم للجزيرة.

لكن العمل عاد بشكل جدي على المدرج الجديد في 22 فبراير تقريبًا عام 2019، بعد أسابيع من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه سينهي دعم الولايات المتحدة للحملة التي تقودها السعودية ضد الحوثيين.

جيريمي بيني، محرر الشرق الأوسط في شركة جينيس للاستخبارات مفتوحة المصدر، الذي تابع أعمال البناء في ميون لسنوات، يقول إن قاعدة جزيرة ميون تبدو كهدف استراتيجي طويل المدى لتأسيس وجود طويل الأمد.

وأفاد موقع استخباراتي إسرائيلي إن القاعدة الغامضة التي كشفت وسائل إعلام في الأيام الأخيرة أنه يتم بناؤها في جزيرة ميون اليمنية في البحر الأحمر، هي مشروع عسكري إماراتي.

وكشف موقع “ديبكا” (DEBKA) الإسرائيلي أن هذا المشروع هو عبارة عن قاعدة للطائرات المروحية ستمكن الإمارات من التحكم بالممر البحري في المنطقة، ومراقبة ناقلات النفط والسفن التجارية من مضيق باب المندب إلى قناة السويس.

وأضاف الموقع أن هذه القاعدة ستشكل أيضا منطلقا للانتشار السريع من جديد للقوات الإماراتية في اليمن، رغم إعلان انسحابها من البلاد في 2019 و2020.

وقال “ديبكا” إن هذه ليست المرة الأولى التي يسجل فيها نشاط عسكري للإمارات في جزيرة ميون، فقبل 5 سنوات بنت مدرجًا للطائرات في الجزيرة، قبل أن تتركها، سعيًا للسيطرة على ميناء عدن.

 

وأضاف الموقع أنه بحثًا عن منفذ على البحر الأحمر، طلبت الإمارات من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تأجير الجزيرة لمدة 20 عامًا، وبعد رفضه هذا المقترح في أبريل 2020، قررت الإمارات العودة للجزيرة، وشوهدت سفن تنقل آليات هندسية ثقيلة ومعدات بناء وقوات عسكرية إلى هناك، مما عزز الشكوك حول بناء قاعدة عسكرية.

 

وأكد الموقع الإسرائيلي أنه يتم الآن بناء مدرج للمروحيات يحتل معظم مساحة جزيرة ميون، ويمكن الانتهاء منه في غضون شهر، مشيرًا إلى أن هذه القاعدة من شأنها تغيير موازين القوى العسكرية في هذه المنطقة البحرية.

وربط الموقع بناء هذه القاعدة الإماراتية بالهجوم الإسرائيلي على سفينة إيرانية في بداية أبريل 2020 في مياه الخليج، وقال إن الهجوم تم بطلب إماراتي سعودي، وإن الهدف من إقامة مثل هذه القاعدة ربما هو مراقبة هذه المنطقة البحرية، واعتبر أن إسرائيل مستفيدة من ذلك.

 

هدف الإمارات من تأسيس هذه القاعدة

 

ويعتقد أن هدف الإمارات من احتلال هذه الجزيرة لا يرتبط فقط بالوضع اليمني، بل أيضاً بطموحات الإمارات الاستراتيجية، حيث ترى أبوظبي في نفسها إمبراطورية بحرية، (وصفها عسكريون أمريكيون بإسبرطة الصغيرة)، يجب أن تسيطر على الموانئ الرئيسية وطرق التجارة البحرية في المنطقة.

وكشفت وكالة أسوشيتد برس أنها حصلت على صور بالأقمار الصناعية يظهر فيها مدرج بطول 1.85 كيلومتر في الجزيرة إلى جانب ثلاث حظائر للطائرات.

وأشارت تقارير أن هذه الجزيرة شهدت نشاطًا عسكريًا مشتركًا، بين الإمارات والكيان الاسرائيلي، ويبدو أن ذلك جرى دون علم وموافقة الحكومة اليمنية -المعترف بها دوليًا- والتي يتحكم بقراراتها “التحالف العربي” بقيادة السعودية والإمارات.

آخر هذه التقارير جاءت مزامنة لتحولات عدة، كانت الإمارات طرفًا فيها، ومن ذلك قيامها بسحب معظم قواتها المشاركة بالتحالف العربي، من مناطق تمركزها، غربي وجنوبي اليمن، بين نهاية عام 2019م  وبداية عام 2020م، وتفكيك قاعدتها العسكرية بميناء عصب الأريتيري، في الفترة بين ديسمبر 2020م  ومارس 2021م، ثم  توقيعها على اتفاقية ومعاهدة سلام وعلاقات دبلوماسية، وتطبيعا كاملًا مع الكيان الاسرائيلي، وفقًا  لنصوص الاتفاق الذي جرى في واشنطن، برعاية الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، في 11 سبتمبر 2020م، ولاقت هذه التقارير صدى واسعًا، في نواح ومستويات مختلفة، وتوقع البعض أن تحدث تأثيرًا في مواقف الاطراف المختلفة المعنية، من قريب أو بعيد، بالوجود العسكري الإماراتي في الجزر اليمنية .

جزيرة ميون
جزيرة ميون

 

الدور الإماراتي السيء

 

كما يأتي هذا التطور في وقت يشهد المشروع الإماراتي في المنطقة كبوات، بدءاً من السمعة السيئة للتطبيع الإماراتي بسبب حرب غزة، والتقارب بين حركة حماس ومصر، التي توسطت في التهدئة مع إسرائيل، في وقت تبدو القاهرة غاضبة من الدور الإماراتي المؤيد لإثيوبيأ في ملف سد النهضة، والتعاون الإماراتي الإسرائيلي في مجال النقل، الذي يهدف إلى إيجاد منافسين أو بدائل لقناة السويس.

كما يشهد المشروع الإماراتي في ليبيا تراجعًا، بسبب هزيمة اللواء خليفة حفتر، في معركة طرابلس ومضي العملية السياسية قدماً، والأهم التهدئة المصرية التركية، خاصة في الملف الليبي، وانفتاح القاهرة على كل المكونات الليبية بما فيها المكونات في الغرب الليبي.

 ومؤخرًا الدور السيء لها في السودان ضد مصر.

ومن الصعب معرفة إلى أي مدى وصلت الخلافات المصرية، ولكن المؤكد أنه هناك غضباً مصرياً ظهر في تصريحات المسؤولين بالقاهرة، بشأن التعاون الإسرائيلي الإماراتي في مسألة إيجاد منافسين أو بدائل لقناة السويس.

وفي 29 يناير 2020، أعرب رئيس هيئة قناة السويس المصرية، أسامة ربيع، عن “قلق بلاده بشأن مشروع خط أنابيب إيلات-عسقلان بين الإمارات وإسرائيل”، كاشفاً أن “هيئة الأوراق المالية والسلع تجري حالياً دراسات لبحث سبل مواجهة المشروع الإسرائيلي الإماراتي الذي يمكن أن يقلل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%”.

كما تقلق القاهرة من الدعم الإماراتي المعلن لإثيوبيا، والذي وصل إلى مساعدة أديس أبابا في القضاء على ثورة إقليم تيغراي، عبر مشاركة طائرات إماراتية مسيرة في قصف الإقليم، انطلاقاً من إريتريا، حسبما نقل موقع “مدى مصر” عن ثلاثة مسؤولين مصريين ودبلوماسي أوروبي مطلع على شؤون القرن الإفريقي، إضافة إلى تقديم مساعدات برية عبر الحدود للجيش الإثيوبي.

 

واللافت أن جزيرة ميون تمسّ الأزمتين، فمن يسيطر على هذه الجزيرة يستطيع أن يعرقل الملاحة في قناة السويس (لا يتوقع أن تفعل الإمارات ذلك ولكنها ورقة بيدها)، كما أن الجزيرة قريبة من إثيوبيا، ويمكن أن تؤدي إقامة قاعدة جوية فيها إلى تعزيز التعاون العسكري الإماراتي الإثيوبي، في وقت وصل فيه التوتر في أزمة سد النهضة، إلى تنظيم مصر والسودان لمناورة ضخمة تحمل اسم “حماة النيل” بالتزامن مع بدء إثيوبيا الملء الثاني للسد.

كما تستطيع الإمارات من هذه الجزيرة تشكيل تهديد للنفوذ التركي المتصاعد في الصومال.

أما بالنسبة للغرب فإن سيطرة الإمارات على هذه الجزيرة الاستراتيجية تزيد أهميتها لعواصم القرار الغربي في ظل أن أبوظبي تقدم نفسها كوكيل للغرب في المنطقة، كما أن السيطرة الإماراتية ترفع الحرج والأثقال عن الغرب، بدلاً من أن تضطر إحدى الدول الغربية لإرسال قوات لاحتلال الجزيرة مباشرة لتأمنيها.

 

وعام 2016 أطلق الحوثيون قذائف صاروخية على البحرية الأمريكية بالقرب من “باب المندب” وزرعوا ألغامًا بحرية بشكل عشوائي في المياه الإقليمية. وعام 2018، أعلن وزير النفط السعودي خالد الفالح تعليقًا مؤقتًا لجميع صادرات النفط عبر مضيق باب المندب استمر لأسبوعين، وذلك عقب هجوم شنّه الحوثيون على سفينتين محملتين بالنفط الخام.

وعلى إثر تعرض الحوثيين لـ 3 سفن إحداها سعودية جنوب البحر الأحمر في نوفمبر 2019، أعلن التحالف أن سلوك الحوثيين يمثل اعتداء على أمن “باب المندب” وتهديدًا حقيقيًا لحرية الملاحة الدولية والتجارة العالمية فيه.

وفي محاولة لتأمين خط التجارة الدولي بالبحر الأحمر، شكلت أمريكا وبريطانيا مع مجموعة من الدول الحليفة في أبريل 2022 فريقًا أمنيًا تابعًا للقوات البحرية الدولية المشتركة، يحمل اسم “قوة المهام المشتركة 153 الدولية” ويضم دولًا عربية وأجنبية، ويقوم بمهام أمنية يتركز نطاقها بالبحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

جزيرة ميون
جزيرة ميون

محاولات إسرائيلية لاحتلالها

 

اختارت جزيرة ميون أن تكون تحت سيادة جمهورية اليمن الديمقراطية (اليمن الجنوبي) بعد أن نالت استقلالها العام 1967. وبعد استقلال اليمن الجنوبي، خضع مضيق باب المندب لمحاولات التدويل في عدة مناسبات، حيث فشلت بريطانيا قبيل انسحابها من محمية عدن أن تضع جزيرة ميون تحت الحماية الدولية في عام 1967، كما فشلت محاولة مماثلة لتدويل الجزيرة جرت العام 1971 بعد هجوم فدائيين فلسطينيين على ناقلة نفط متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي.

وطرحت فكرة تدويل باب المندب مجدداً بعد نجاح مصر وجمهورية اليمن الديمقراطية في فرض حصار على المضايق خلال حرب نوفمبر عام 1973 ضد السفن المتجهة إلى مرفأ إيلات والعائدة منه.

ففي حرب 6 أكتوبر 1973، كان البحر الأحمر أحد عناصر خطة فرض الحصار على إسرائيل، فقد بدأ حصار غير معلن على مضيق باب المندب منذ الأسبوع الثاني للحرب، حين أغلقت مصر بالتنسيق مع اليمنيين هذا الممر الحيوي، كما قامت قوة من اليمن الشمالي باحتلال بعض جزر البحر الأحمر، لمنع إسرائيل من استخدامها لفك الحصار.

وفي عام 1974، بعد أن تم فك الحصار البحري عن إسرائيل، جرى وضع جزيرة ميون تحت القيادة المصرية، باتفاق تدفع بموجبه السعودية 10 ملايين دولار سنوياً إلى جمهورية اليمن الديمقراطية، حسبما ورد في دراسة نشرتها مجلة الدفاع الوطني اللبناني التابع للجيش اللبناني.

وحاولت إسرائيل في فترة لاحقة في السبعينات، احتلال جزيرة ميون اليمنية الاستراتيجية للسيطرة على باب المندب، لمنع تكرار الحصار الذي تعرضه له خلال حرب أكتوبر 1973، لكنها واجهت ردة فعل مصرية فورية تمثلت في “إرسال مدمّرات إلى منطقة بريم لمواجهة أيّ حالة طارئة”.

 

لما لم تقصفها “الحوثي”؟

 

جزيرة بهذه الأهمية الإستراتيجية على باب المندب، وتعد هدفًا إستراتيجيًا تاريخيًا للقوى الكبرى، والإمارات ممثلة عنها وفق أطروحات وتقارير ووثائق عدة، وفي أكثر الافتراضات خفة، فإن وضعها الحالي على هوى التحالف السعودي الإماراتي، والذي يدعمه بحسب كل تصريحات مليشيا الحوثي، الغرب وإسرائيل، فكيف فرطت فيها بهذه السهولة منذ العام 2015؟ ولما لما تحاول تقريبًا منذ العام 2016 القيام بأي محاولات لاستعادة السيطرة عليها، أو قصفها الآن لاعتباراتها الإستراتيجية بالنسبة لـ”قوة المهام المشتركة 153 الدولية” وهي على بعد 2600م فقط بدلًا من إيلات (أم الرشراش) التي تبعد أكثر من 2000 كم؟

الحقيقة أن الحوثي الذي ساهم منذ العام 2004، بجانب تنظيم القاعدة في إنهاك قوى اليمن الأمنية والعسكرية، وتضييع آلاف الفرص لتطويرها والاستفادة من مقدراتها، ما كان له أن يكون إلا عميلًا وأداة في يد القوى التي تريد باليمن والخليج وكل البلاد العربية الشر، وبالتالي سيكون محالًا أن يقصف إلا بإذن، ويقتل بإيعاز، ويفجر بتوجيه، ويحدد الهدف بعين سيده في طهران.

فما الحوثي والملالي والصهاينة إلا أدوات تنفذ دورًا بعناية لصالح القوى الامبريالية. ومخطيء من يظن أننا عندما نشير لتحالف هؤلاء معًا ضد أراضينا ومقدراتنا وشعوبنا العربية والإسلامية، أن هذا التحالف مكتوب بنوده، ومعروف أين خبيء؟!

لكن نحن نقصد أن صراع الامبراطوريات قائم وفق المصالح العظمى لكل فصيل منهم بقدر وزنه وثقله، والكل حريص في النهاية على البعض، وهذا ما يفسر تصريحات أمريكية وحوثية تشير إلى إخبار مسبق للمليشيا في صنعاء بالأهداف التي ستقصفها القوى الغربية في البحر الأحمر داخل صنعاء، وتؤكده المليشيا بتصريحات رسيمية، أن الأهداف التي تم قصفها غير ذات قيمة، وهي قواعد خالية منذ فترة!

وما التأخر في وضع مليشيا الحوثي على قوائم الإرهاب إلا دليل على هذا التحالف، أو التفاهمات المشتركة. وما الصبر الطويل على أذرع إيران في العراق ولبنان واليمن وسوريا إلا دليل آخر على تحالف غير مكتوب، والهدف بطبيعة الحال هو تمكين هذه المليشيات من القرار السيادي للدول التي تستوطنها، وتمزيقها مجتمعيًا، وإهدار مقدراتها اقتصاديًا على نحو ما نرى، وبالتالي يظل العرب مشغولون بأنفسهم، وتبقى أراضيهم ساحة المعارك العالمية، فيكون القتيل منهم، والمحروق ثمارهم، والمصاب مصابهم.

مليشيا الحوثي بكل ما تفعله في البحر الأحمر، هو صورة جديدة لمخرج غربي صهيوني جديد، ساهم أقرانه في إخراج أفلام القاعدة في أفغانستان وبلاد الرافدين، ثم بعد اعتياد العالم على اسمها تم ظهور مخرج جديد أكثر ألقًا، ليخرج أفلام داعش، لتتفاقم آلام العرب والمسلمين السنة، حيث اليوتيوب والفيسبوك شهود على جماعة سنية تسيء للإسلام والمسلمين بإرهابها، وهو ما يثلج صدر الرافضة (مدعو التشيع)!

والآن مخرج جديد يستغل هوان السنة، ليظهر عليهم قوى شيعية جديدة تضرب بقوة من حديد تلك الدول الكبرى، فيتجدد وله وولع الشاب العربي بأفراد وجماعة يظن بسطحيته أنها منه، وتضرب بسيفه لأجل حمايته، والحقيقة أنها تفعل ذلك كي يظهروها على قوى المقاومة الباسلة العبقرية السنية في غزة، فتجعلها شريكة على أقل تقدير في الانتصار القادم للصامدين في القطاع، فيقلل من حجم خيبات أحبابه في تل أبيب.

وفي النهاية مصر الكبيرة تحاصر أكثر، وتخسر أكثر وأكثر أهم مصدر للعملة الأجنبية في توقيت هي أحوج ما تكون لها، ويهيمن الغرب البلطجي أكثر وأكثر على البحر الأحمر لكن بذريعة قانونية، يحفظ لهم الشرعية الدولية في القصف والعدوان عند اللزوم، ولا بأس في سبيل ذلك من بعض الخسائر التي استعدوا لها دوننا نحن العرب في الخليج ومصر.

أما المليشيا، فهي ليس عندها ما تخسره، فكل هجمة بطائرة مسيرة على سفينة في البحر الأحمر، تكلفها 1200 دولار؛ بينما تكلف تحالف “حارس الازدهار”، ما يقرب من 1.2 مليون دولار، كما أنها تمكنت من زيادة شعبيتها بين اليمنيين وكسب تأييد أكبر لها بسبب تعاطف اليمنيين الشديد مع الفلسطينيين وما يتعرضون له.

كذلك تراهن المليشيا بتصرفاتها على إجبار العالم الاعتراف بها، بجانب إيران التي تحركها، وقطعًا كلما اشتد ساعدها وارتفعت حدة ضرباتها فهو بدون شك يمنحها حضورًا أكبر على الساحة الدولية، وفي مفاوضاتها التي لا تنقطع مع الغرب وتكثير مكاسبها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours