كتب- أبوبكر أبوالمجد
فلتتحدث الولايات المتحدة الأمريكية ونخبتها السياسية وحوارييها كما شاءوا.. فلتسمي ما جرى في أفغانستان وأسفر عن انسحابها خيارًا إستراتيجيًا، نهاية للعمليات العسكرية.. أو حتى نجاحًا في ضرب تنظيم القاعدة وحماية المصالح الأمريكية، وأن احتلالها للأراضي الأفغانية حمى الغرب كله وليس أمريكا فقط من مئات الهجمات الإرهابية التي كان يعد لها تنظيم القاعدة.. فلتقل ما شاءت، وليقل منظروها ما شاءوا؛ لكن في النهاية ألحقت حركة طالبان الهزيمة بقوات التحالف الغربية بقيادة سيدة العالم.
ففي كل الحالات فشلت القوى الغربية في تحقيق أهدافها بأفغانستان، وانسحبت تترا، وها هي اليوم حكومة أفغانية بنكهة طالبانية تقود البلاد، بمسمى تسويقي تضليلي عنوانه (حكومة تسيير أعمال).
وها هي الولايات المتحدة تحيي الذكرى الـ20 لأعنف هجمات تعرضت لها في تاريخها في ظل أفغانستان حرة طليقة إلا من قبضة عدوها اللدود (طالبان)، وبعد تبخر حلفائها الذين أنفقت عليهم ثلاث تريليونات من الدولارات، فلا جيش ولا شرطة ولا قيادة سياسية موالية لها من الآن فصاعدًا.
لا تخلو البلاد من عملاء؛ لكن لن يكونوا كما راهن عليهم المحتل الغربي بأي حال، وقد رأى العالم كيف تحللت قوى العملاء مما أسموهم المحتل بقوات الجيش الأفغاني والشرطة، حتى أن المدة التي توقعتها الاستخبارات الأمريكية على تمكن قوات طالبان من دخول العاصمة الأفغانية كابل، وهي ثلاثة أشهر، لم تكن سوى ثلاثة أيام، لفزع القوات التي صنعها المحتل من طالبان ومواجهتها، وهذا لأسباب كثيرة لا مجال لحصرها الآن.
إحياء الذكرى الـ20
ولأول مرة تحيي واشنطن الذكرى السنوية لهجمات11 سبتمبر/ أيلول وقد وضعت الحروب الأمريكية المفتعلة أوزارها!
تأتي وقد علت على سطح الذاكرة اليوم تلك المشاهد المأساوية أثناء عمليات الإجلاء في مطار كابل كمحاولة بعض الأفغان التشبث بجناح الطائرة أثناء إقلاعها وسقوط بعضهم كثمن لمن يحتمي بالمحتل.
للرحيل الأمريكي المذل، وإصرار طالبان على ألا يأتي يوم الأول من سبتمبر إلا وقد خلت البلاد من أي وجود غربي على أراضيها.
تأتي الذكرى في ظل فزع غربي مما يمكن أن يكون في جعبة طالبان التي بدت أكثر حصافة ودهاء من حقبة التسعينات.
في 31 أغسطس/ آب 2021 أنهت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن سحب آخر جندي أمريكي من أفغانستان، منهية بذلك الحرب التي بدأها الرئيس الأسبق جورج بوش الابن عام 2011 عقب أحداث 11 سبتمبر بحجة محاربة الإرهاب وجلب الديمقراطية لأفغانستان.
وعقب رفض طالبان تسليم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة لواشنطن أطاح بوش الابن بإدارة طالبان في 7 أكتوبر/ تشرين ثاني 2001 وتولى السلطة في أفغانستان حامد كرزاي المقرب من الغرب.
أظهرت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما موقفاً معارضاً للحرب وقام أوباما بسحب جزء من جنود بلاده من أفغانستان والعراق.
وخلال فترة رئاسته الأولى تم قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة.
أما الرئيس دونالد ترامب فقال إن اجتياح أفغانستان كان خطأ كبيراً، ووعد بعودة الجنود الأمريكيين لوطنهم، وبدأت المفاوضات مع حركة طالبان عام 2020.
أما من أنهى الحرب فعلياً فكان الرئيس بايدن الذي واصل سياسة سحب الجنود التي بدأها سلفه ترامب.
وكما هزت هجمات الحادي عشر من سبتمبر العالم قبل 20 عاماً، هزت العالم أيضاً الفوضى التي خلفها ترك إدارة بايدن أفغانستان بهذا الشكل.
تكلفة الحرب
وفقاً لتقرير “Costs of War” (تكلفة الحرب) الذي نشرته جامعتا هارفارد و براون، فقد تسبب احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان في خسائر كبيرة للبلدين ووصل عدد القتلى في الحرب حتى الآن 172 ألف شخص. وأوضح التقرير أن ألفين و461 جنديا أمريكيا قتلوا في الحرب التي استمرت عشرين عاماً.
كان المدنيون الأفغان هم أكثر المتضررين من الحرب، ووصل عدد الذين قتلوا 50 ألفا. كما قُتل حوالي 66 ألف جندي من الجيش الأفغاني الذي كان يحارب حركة طالبان، في حين قُتل 51 ألفا و191 من طالبان ومقاتلين من معارضين آخرين.
كما قتل 1144 جندياً من الناتو.من ناحية أخرى قُتل بسبب الحرب 444 مدنياً من العاملين في المساعدات الإنسانية و 72 صحفياً.
الأمريكيون يواصلون دفع تكلفة الحرببالرغم من أن الحرب الأطول في تاريخ الولايات المتحدة انتهت فعلياً، إلاّ أن الأمريكيين يواصلون دفع تكلفة الحرب التي جاوزت تريليوني دولار والتي مولتها الولايات المتحدة عبر الاقتراض.
ومن المتوقع أن يصل إجمالي قيمة الدين مع الفوائد حتى عام 2050 إلى 6,5 تريليون دولار.
هجمات 11 سبتمبر
وفي 11 سبتمبر 2001، قامت مجموعات صغيرة من الخاطفين بالاستيلاء على أربع طائرات ركاب أقلعت من نيويورك وبوسطن وواشنطن إلى سان فرانسيسكو ولوس أنجيلوس، واستخدمتها لضرب مبان بارزة في نيويورك وواشنطن.
وضربت طائرتان برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، بينما دمرت الطائرة الثالثة الواجهة الغربية لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في واشنطن.
أما الطائرة الرابعة، فتحطمت في حقل في ولاية بنسلفانيا. ويُعتقد بأن الخاطفين كانوا يعتزمون استخدامها في مهاجمة مبنى الكابيتول (مقر مجلسي النواب والشيوخ) في واشنطن العاصمة.
وأسفرت الهجمات عن مقتل ألفين و977 شخصاً.
تبعاتها
لم تؤد هجمات 11 سبتمبر إلى احتلال أفغانستان والعراق فحسب بل غيرت مجريات الأحداث في كل العالم. إذ أثرت تلك الهجمات في العديد من المجالات مثل السياسات الأمنية والسفر والحياة الثقافية، كما أدت إلى زيادة العنصرية والعداء للإسلام.
وعقب احتلال أفغانستان اجتاحت الولايات المتحدة العراق في مارس/ آذار 2003 وأطاحت بصدام حسين بذريعة وجود أسلحة كيماوية.
وجر ذلك الشرق الأوسط إلى مزيد من عدم الاستقرار والصراعات المذهبية. وقُتل مئات الآلاف من المدنيين.
كما ظهرت تنظيمات إرهابية جديدة مثل داعش. وأصبحت العراق أكثر دولة في الشرق الأوسط تعاني من أزمات وصراعات.
أما في أفغانستان فلم تزداد قوة طالبان على مدار 20 عاماً فقط بل تمكنت من السيطرة على إدارة البلاد فعلياً بعد سيطرتها على العاصمة كابل وهروب الرئيس الحالي أشرف غني.
النظام العالمي الجديد
عقب هجمات 11 سبتمبر بدأ نظام عالمي جديد أدى لظهور استراتيجيات جديدة في مكافحة الإرهاب. إذ تغير مفهوم الأمن القومي لدى كل دول العالم وليس لدى واشنطن فقط. وبدأت الدول تستثمر أموالاً أكثر في مجال الأمن القومي.
وتسببت هجمات 11 سبتمبر في زيادة عدد الجرائم ضد المسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا وأدت إلى تعميق الإسلاموفوبيا.
وبدأ الإعلام الغربي يستخدم بكثرة مصطلحات “الإرهاب الإسلامي” و”الإسلام الراديكالي”.
انتصار له ما بعده
من الغباء السياسي عدم اعتبار ما حققته حركة طالبان انتصارًا، وأنه سيكون له ما بعده.
فبالقطع طالبان تستطيع الآن أن تلعب مع الجميع، حيث الكل أعداء الكل، فالصين الآن حليفة لروسيا، وكلاهما على خلاف مع الغرب والولايات المتحدة في المقدمة.
والثانية تخشى دعم هذين البلدين بصورة أو أخرى على المستوى الاستخباراتي والتقني والعسكري، بما يجعل أفغانستان مجددًا أرضًا خصبة للتخطيط لضرب المصالح الأمريكية، وكذا يخشى الصينيون والروس ومعهم نظام الملالي في إيران.
دول آسيا الوسطى سواء المتاخمة للحدود الأفغانية أو حتى باقي الدول البعيدة نسبيًا عنها، وهي دول مستقلة قبل ثلاثة عقود تقريبًا، وتحافظ على علاقات متوازنة مع الروس من ناحية والأمريكان من ناحية أخرى، ويخشون دفع ثمن هذا الصراع الروسي الأمريكي، ولذا فهم أكثر من يراقب عن كثب الداخل الأفغاني، ويبحثون جديًا عن وسيلة للتقارب والتعاون مع هذه القيادة الجديدة، التي كانت في نظرهم حتى الأمس القريب إرهابية، حتى لا تتضرر مصالحها الاقتصادية ويهدد أمنها القومي!
+ There are no comments
Add yours