أعادت زيارة وفد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلى العاصمة المصرية القاهرة الأمل بفتح “صفحة جديدة” من العلاقات الثنائية بين الطرفين، تنعكس إيجابًا على سكان قطاع غزة المحاصرين.
غير أنّ مراقبين فلسطينيين، يرون أنّ حركة حماس، مضطرة لدفع “أثمان سياسية باهظة”، ستطلبها مصر، من أجل “تطبيع العلاقات” بين الجانبين.
ووصل وفد من حركة حماس، مساء السبت الماضي، إلى العاصمة المصرية “القاهرة”، للقاء مسئولين مصريين لبحث “العلاقة” الثنائية بين الطرفين، عقب اتهامها مؤخرًا بالتورط في عملية اغتيال النائب العام المصري السابق، هشام بركات.
وقال “موسى أبو مرزوق”، رئيس الوفد، صباح اليوم الأربعاء، إنّ الزيارة فتحت صفحةً جديدةً في العلاقة الثنائية بين الطرفين.
وغادر وفد حركة حماس، مساء أمس الثلاثاء، العاصمة المصرية القاهرة في طريقه إلى قطر، بحسب مصدرٍ فلسطينيٍ رفض ذكر اسمه لـ”الأناضول”.
وأكد أبو مرزوق، أنّ الوفد عبر بوضوح عن حرص حركة حماس على أمن مصر، والقيام بكامل التزاماتها، مشددًا على أهمية الدور المصري، في القضية الفلسطينية، وحل مشاكل قطاع غزة وفي مقدمتها معبر رفح البري.
وتتميز العلاقات بين حماس، والقيادة المصرية، بالتوتر الشديد، منذ إطاحة الجيش بالرئيس المصري السابق محمد مرسي.
ويرى عدنان أبو عامر، الكاتب السياسي، وعميد كلية الآداب بجامعة الأمّة (خاصة) بغزة، إنّ مصر ستشترط عدة أمور على حماس، أهمها، العمل ضد تنظيم “داعش” في منطقة شمال سيناء.
وأضاف لوكالة الأناضول: “سيطلب النظام المصري من حماس أن تلعب دورًا في ضبط الأوضاع الأمنية في شبه جزيرة سيناء، التي باتت تشكل نقطة ضعف لها مع استمرار العمليات”.
ويخوض الجيش المصري منذ نحو عامين ونصف، صراعًا مريرًا مع تنظيم “ولاية سيناء”، الذي أعلن في وقت سابق، مبايعته لتنظيم “داعش”.
ويعتقد أبو عامر، أنّ قبول “حماس” التعاون الأمني مع الجيش المصري، ضدّ تنظيم “ولاية سيناء”، “صعب”، مبررًا ذلك بقوله: ” استراتيجيتها (حماس) تقوم على عدم التدخل في أي شأن داخلي عربي”.
لكنّه يرى أنّ حماس قد تؤكد على أنّها ستحمي “الحدود الفلسطينية المصرية” فقط.
وأضاف: “قد تعطي حماس تعهدات غير خطية، بشأن طبيعة التعاون الأمني، وتشديدها على أنّها حريصةٌ على أمن مصر القومي، ولكن من الصعب على حماس أن تلعب دور الوكيل الأمني، للنظام المصري، في سيناء، ومكافحة الجماعات المتشددة في سيناء، وتقديم ما تملك من معلومات”.
وكانت حماس، قد قالت في بيانٍ أصدرته مساء أمس الثلاثاء: “لن نسمح بأي حالٍ من الأحوال أن ينطلق من غزة، ما يضر بأمن مصر وشعبها”.
وفي المقابل، يرى أبو عامر، أن مصر معنية بتحسين علاقاتها مع حركة حماس، التي قال إنّها “تشكل ورقة من شأنها أن تحقق مصالحها”، في ظل “الاستقطاب الحاد غير المسبوق والتحالفات التي تشهدها المنطقة”.
وفي سياق آخر، يرى أبو عامر أنّ علاقة حركة حماس، مع منظمة حزب الله اللبناني، وإيران قد تكون من الأثمان التي سيطلبها النظام المصري، مقابل “تطبيع العلاقات”.
وتابع: “قد يطلب النظام المصري، في ظل التماوج، والتحالفات في المنطقة، من حركة حماس، أن تقطع علاقتها مع حزب الله اللبناني، وأيضًا إيران، خاصة بعد تصنيف الحزب عربيًا على أنّه منظمة إرهابية”.
وأعلن وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماعٍ في مقر الجامعة العربية بالقاهرة الجمعة الماضية، تصنيف حزب الله اللبناني “إرهابيًّا”، وسط تحفظ من لبنان، والعراق، وملاحظة من الجزائر.
ويتفق طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الفلسطينية، الصادرة من الضفة الغربية، مع أبو عامر، في أن مصر قد تطلب من حماس قطع علاقاتها بإيران وحزب الله.
ويُضيف عوكل لـ”الأناضول”:” القرار العربي بحق حزب الله، ينطوي على أبعاد سياسية خطيرة، تتجاوز ما تم الإعلان عنه، فمصر الآن ومع تقاربها مع السعودية، تريد أن تقوم بإيصال رسالة لحركة حماس، أنّه مطلوب منها أن تبقى في إطار المحور الجديد، بعيدًا عن إيران وحزب الله”.
وعلى مدار سنوات، أقامت “حماس” علاقات قوية ومتينة مع إيران وحزب الله، لكن اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، ورفض “حماس” تأييد نظام الأسد، وتّر العلاقات بينهم.
ويرى عوكل أنّ موقف حركة حماس خلال المفاوضات، ليس سهلًا، وللحصول على علاقةٍ طبيعيةٍ مع مصر عليها أن تدفع “أثمانا سياسية”.
وأضاف:” سفر الوفد إلى القاهرة، واستقبال مصر له يتجاوز الحديث عن معبر رفح، والمصالحة، الزيارة سياسية من الدرجة الأولى، وحماس مطالبة بتقديم إجابات لما سيُطرح عليها، ولا أظن أنّ الحركة ستقبل بشروط مصر، ما يجعل الحديث عن علاقة طبيعية في هذا الوقت الحالي أمرا بعيد المنال”.
ويتفق عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، برام الله، مع عوكل في أنّ الهدف من زيارة وفد حركة حماس ينطوي على أبعاد سياسية.
ويقول قاسم لـ”الأناضول:” القاهرة لا تريد من حماس نفي الاتهامات الأخيرة بحقها، هي تريد منها أكثر من شرط وثمن، للوصول لعلاقة طبيعية وإيجابية”.
ويرى قاسم أنّ النظام المصري، سيطلب من حماس فك ارتباطها التنظيمي بالإخوان المسلمين، على غرار الإخوان المسلمين في الأردن.
وأضاف: “مصر لا تريد من حماس الاكتفاء بالتأكيد على أنّها لا ترتبط إداريًا، وتنظيميًا بجماعة الإخوان في مصر، ستطالبها بالانسلاخ الكامل عنها، وهو ما قد لا تقبله الحركة في هذا التوقيت”.
ويبدو قاسم متشائمًا إزاء تحسين العلاقة بين مصر وحماس في الوقت الراهن، مؤكدًا أنّ ما سيُطلب من حماس سيكون “كبيرا”.
وتابع: “هل حركة حماس مستعدة لتقديم تنازلات، وأثمان سياسية، من أجل تصحيح العلاقة مع مصر، ما نراه قد يقتصر على انفراجة جزئية”.
ويرى قاسم، أنّ مصر تريد لحركة حماس أن تبقى في المنظومة العربية وفي إطار مرجعية السلطة الفلسطينية.
واستدرك بالقول: “مصر تريد التقارب مع حركة حماس، لقطع الطريق أمام أي نفوذ تركي وقطري في غزة، فهي تعتبر نفسها الراعي الوحيد لهذا الملف، لهذا ستطلب من حماس مقابل فتح معبر رفح البري، والتخفيف من معاناة سكان القطاع، أن تبقى في إطار المرسوم لها سياسيا”.
وتعتبر مصر الراعي الرئيس لمفاوضات التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في السابع من يوليو 2014، كما أنها الراعي الرئيس لملف المصالحة الفلسطينية، واستضافت في أكتوبر الماضي مؤتمرا لإعادة إعمار غزة.
+ There are no comments
Add yours