16 عامًا قضاها القنصل، د. إميل رحيموف، والمستشار الإعلامي والثقافي لأذربيجان في مصر، بين الدراسة والعمل الدبلوماسي، مكنته هذه السنوات من معرفة مصر وشعبها، والاختلاط بهم أكثر وأكثر، وفي النهاية وقبل عودته النهائية إلى بلاده مطلع شهر يوليو المقبل، كان العنوان الأبرز الذي قاله رحيموف: “مصر مدرسة كبرى للدبلوماسية، وتعلمت منها وفيها الكثير، وشعبها مضياف طيب، ويملك من عبقرية التاريخ والجغرافيا ما يجعلانه دائمًا مؤهلًا لتجاوز كل الصعاب”.
وأكد، المستشار الإعلامي والثقافي، أن العلاقات المصرية الأذربيجانية تعيش حالة من التطور والازدهار في كل المجالات الحياتية، خاصة في ظل توجيهات قيادة البلدين الشقيقين، للرئيس عبدالفتاح السيسي، والرئيس إلهام علييف، بل إنها ستشهد مزيدا من التعاون الإستراتيجي في المستقبل القريب، نظرًا لتقارب وجهات النظر فى العديد من القضايا المشتركة، ولتحقيق مصالح الشعبين.
بطاقة تعريف
الدكتور إميل رحيموف، ولد في لنكران بأذربيجان في 26 ديسمبر 1978، نشأ في بيئة متدينة جعلته يعشق اللغة العربية لعشقه تلاوة القرآن وحفظه، ولذا سافر إلى بلد الوسطية.. وطن أخوال العرب.. إلى المحروسة دومًا “جمهورية مصر العربية” في العام 1996، وحصل على درجة الليسانس من كلية الشريعة والقانون من جامعة الأزهر في 2004.
ثم عاد إميل رحيموف إلى بلاده ليحصل على الماجستير من كلية اللغة العربية والآداب بجامعة القوقاز في باكو عام 2006، ثم الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية من أكاديمية العلوم الوطنية بأذربيجان في قسم الدين وتاريخ الفكر الاجتماعي بمعهد الاستشراق عام 2010.
بعد هذه الرحلة العلمية وصل “رحيموف” مصر كملحق إعلامي في 2013، وهنا استطاع الشاب الفذ أن يكوّن دائرة كبيرة من الإعلاميين والصحفيين المصريين، ويبني معهم جسرًا متينًا من الصداقة والتواصل.
لم يكن من الصعب على الشاب الذي عاش في مصر لثمان سنوات خلت أن يتأقلم بسرعة مع طبائع المصريين وخاصة الصحفيين والإعلاميين منهم، وبذكائه الملحوظ وهدوئه الدائم كسب القلوب قبل العقول وجعل جميع الصحفيين والإعلاميين يهتمون كثيرًا بأذربيجان ويحرصون على تغطية أخبارها وجميع الفعاليات والمؤتمرات والمنتديات بها.
من واقع تواصلنا واحتكاكنا بالعديد من المسؤولين في السلك الدبلوماسي قلما تجد متفانيًا يسخر وقته وجهده وفكره على مدار اليوم تقريبًا إلا من قليل ساعات لأجل خدمة وطنه.
فالمسؤول الشاب كان حريصًا على متابعة كل القنوات والصحف المصرية يوميًا من أجل تقييم الصحفيين والإعلاميين المتواصلين بجدية مع السفارة وأخبارها، وكذلك من يعادون أذربيجان لصالح سفارة جمهورية أرمينيا التي كانت تحتل دولتها 20% من الأراضي الأذربيجانية في إقليم “قاراباغ” الجبلي، قبل عام ونصف تقريبًا، كي يسعى إليهم ليعلمهم بالحقائق التي ربما غابت عنهم، وبالفعل استطاع وقف العديد من الهجمات الأرمينية على بلاده في الصحف والمواقع والفضائيات المصرية، أو على الأقل الرد عليها سريعًا، وتوضيح الكثير من خفايا الصراع الأذربيجاني مع أرمينيا، وحق أذربيجان في أراضيها المحتلة المدعوم بقرارات أممية لا تنفذها دولة أرمينيا.
لم يكتف المستشار الإعلامي لسفارة أذربيجان بالقاهرة بالتقرب إلى الصحفيين والإعلاميين بموجب عمله وحسب؛ بل دفعه حبه لمصر والمصريين أن يكون على مسافة أقرب من مؤرخين وأدباء وأكاديميين ومثقفين وسياسيين مصريين أيضًا بحكم الفعاليات التي كانت تنظم في العديد من الجامعات والمراكز الثقافية الكبرى بالقاهرة كدار الأوبرا وغيرها، والأندية الدبلوماسية.
والحال لم يتغير مع الأكاديميين والأدباء والمثقفين والمؤرخين والسياسيين، فقد كان قادرًا على كسب قلوبهم مثلما كان الحال مع الصحفيين والإعلاميين، مع إدراكنا أن لكل رجل كارهيه، فالناس لا تجمع على أحد؛ لكننا نتحدث عن الغالب الأعم.
كان رحيموف يتحرك في كل الاتجاهات دون أن يترك بابًا يمكن أن ينفذ من خلاله للتعريف ببلاده وحقها التاريخي في أراضيها المحتلة، والذب عنها إلا وسعى إليه وطرقه، فالحال عند الرجل لم تكن المهمة الدبلوماسية الموكلة إليه، وإنما الواجب الوطني، وقضية التعريف بوطنه كان يراها هم كفيل ألا يجعله يخلد حتى لبعض الراحة.
من غير شك إن القنصل، حظى بالكثير من الدعم من السفيرين اللذين عمل معهما سواء السفير السابق لجمهورية أذربيجان بالقاهرة شاهين عبداللايف أو السفير الحالي تورال رضاييف؛ لكننا نتحدث عن الرجل الذي ارتبطنا به أكثر وارتبط بنا بحكم عملنا الصحفي ودوره المركزي بالسفارة كمستشار إعلامي وقتئذ.
كانت ثقته بنفسه منبع هدوئه، وإيمانه بالقضية ينبوع طاقة تتجدد لا توقفه عن البحث أو التواصل أو المتابعة أو الشورى.
الدبلوماسي الأذري لم يكن خافيًا أبدًا عشقه لمصر، وكان يراها أهم دولة في منطقة الشرق الأوسط، ولطالما روى لي أنها أرض خير وبركة وفيها رزق بعد سنوات حرمان من البنين بابنته “كوثر”، وفيها احتك بكثير من الدبلوماسيين والسياسيين والمثقفين الذين تعلم منهم واستفاد من خبراتهم، وفي حفل وداعه أذكر أنه ومن أبرز ما قال: “كل بلد عربي بعد مصر سيكون العمل فيها أيسر بكثير، وقدرتي على التكيف معها سيكون أسهل، فمصر هي البلد الأصعب والأكبر والأهم سياسيًا ودبلوماسيًا ومن ينجح في مصر سينجح في أي مهمة دبلوماسية توكل إليه في أي بلد عربي أو حتى إفريقي”.
يتبع..
+ There are no comments
Add yours