قاسم جومارت توقاييف وبناء جمهورية كازاخستان الثانية

1 min read

 كتب- أبوبكر أبوالمجد 

لم يعد خافيًا على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي، أن هناك مساعي إصلاحية جادة يقودها الرئيس الكازاخي، قاسم جومارت توقاييف، تبلور بصورة واضحة معالم جمهورية ثانية، في ظل حقبة قيادية استثنائية يتزعمها وبإصرار ووعي شديدين الرئيس توقاييف. 

فالرجل الذي تولى رئاسة كازاخستان في يونيو 2019، واجه العديد من الأزمات والمشكلات، أكثرها خطورة كانت جائحة كورونا والتي تفشت في العالم كله بعد أشهر معدودة من توليه مهام منصبه. 

 

 لكن المشكلات في مقاطعات ومدن كازاخستان لم تكن بانتظار كورونا كي تطفو على السطح، فقد كانت موجودة وعميقة وحاضرة على أداء المواطن الكازاخي وملامحه. 

كان قدر جومارت توقاييف، مواجهة عاصفة من المعضلات الإدارية داخل دولاب الدولة، من بيروقراطية، وديكتاتورية، وفساد، وغياب للشفافية، وسوء توزيع للثروة، فضلًا عن الاستبداد وتغول رجال الأعمال وأصحاب النفوذ، وتقييد عمل الأحزاب، والحريات العامة! 

دفع الثمن

فأطلق توقاييف، بمجرد توليه السلطة العديد من التصريحات، واتخذ العديد من القرارات، والتي منها ما كان ضروريًا لإحداث توازن داخلي، وتمهيد الطريق له كي يستمر في إصلاحاته، فداعب من خلالها من كانوا لا يزالون يقبضون على الكثير من مفاصل الدولة، عسكريًا، وأمنيًا، واقتصاديًا، ومنها ما كان مغازلة لقوى كبرى ذات تأثير كبير في الداخل الكازاخي. 

 

لكن عند لحظة فارقة، كاد يدفع توقاييف، ثمنًا باهظًا لحرصه وإصراره على اتخاذ قرارت تصب مباشرة في صالح المواطن الكازاخي، لتضاربها مع مصالح فئة عائلية متجذرة في السلطة بصورة أو بأخرى.

لم يكن الثمن منصبه وحسب، ولا إظهاره في صورة الزعيم الضعيف، فاقد الرؤية والمصداقية؛ ولكن حياته وتاريخه السياسي كله، وهذا ما ستكشفه التحقيقات الجارية في قابل الأيام! 

انقلاب يناير

في العاشر من يناير الماضي، قال رئيس كازاخستان قاسم جومارت توقاييف، إن بلاده نجت من محاولة انقلاب دبرها ما سماها “مجموعة منفردة” بعد أعنف اضطرابات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

هكذا وصف توقاييف، ما جرى، وهكذا خطط ذوي النفوذ في الداخل، مع إرهابيين بالخارج، عبر وسطاء، لإحداث فوضى بحجة ارتفاع سعر المحروقات، ثم يشرعوا في سرقة ونهب الممتلكات العامة والخاصة، وقتل رجال الجيش والشرطة والمدنيين، ثم رأس توقاييف، بعد ذلك. 

وبنفس المعنى، في 29 يناير الجاري، ولقناة “خبر” المحلية، قال رئيس كازاخستان، إن بلاده نجت من محاولة انقلاب دبرها ما سماها “مجموعة منفردة” بعد أعنف اضطرابات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

وأوضح لنفس القناة، أن الاحتجاجات في البلاد تضمنت الموجة الأولى منها متظاهرين سلميين بالفعل، ولم تستخدم مؤسسات تطبيق القانون القوة ضدهم؛ لكن في الموجة الثانية، لعب المشاغبون الشباب الذين هاجموا قوات الشرطة دوراً حاسماً في مواجهة الدولة، وفي الموجة الثالثة ضمت “لصوصًا وقتلة ومغتصبين”. 

 

وأضاف، هؤلاء كان يقودهم متشددون محترفون تلقوا تدريبات في الخارج، قادوا الهجمات على مباني مؤسسات إنفاذ القانون. هؤلاء لم يركزوا على نهب ممتلكات المواطنين؛ بل كانوا مهتمين في المقام الأول بوثائق أجهزة الدولة، لاسيما القضايا الجنائية ضد شركائهم وملفات ضباط إنفاذ القانون.

وفي هذا الصدد: أكد توقاييف: “لقد كانت عملية مخططة بعناية، وهي بالأساس عملية إرهابية، شارك فيها مسلحون من الخارج”، وبحسب الرئيس، سيُظهر التحقيق من يقف بالضبط وراء محاولة الاستيلاء على السلطة، حيث يراها محاولة انقلاب فاشلة. 

 

لكن السياسي الحكيم، وعى المخطط، وسريعًا ناشد رجالاته في الشرطة والجيش بالثبات في مواجهة الإرهابيين، في نفس الوقت الذي استغل فيه عضوية كازاخستان بمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، لكي يستعيد سيادة الدولة وأمنها الداخلي في أسرع وقت ممكن، وهو ما تحقق بالفعل. 

معدن صلب واستكمال الإصلاحات

كما أن الطرق يظهر قوة المعدن وصلابته، فإن المحنة التي مرت بها كازاخستان أظهرت رباطة جأش الرئيس قاسم جومارت توقاييف، وذكائه، وقدرته على إدارة الأزمات.

 

وكما أن الضربة التي لا تميت تقوي، فقد قويت قبضة توقاييف، واستكمل مسيرته الإصلاحية بقوة وثبات كبيرين.

 

ففي الأول من مارس عقد حزب “أمانات” الحاكم (نور اوتان سابقًا)، مؤتمره الاستثنائي، وبالانتقال إلى جدول أعمال الحزب، حدد الرئيس عدة مهام وأولويات، وتشمل إطلاق مبادرة وطنية لجمع الأفكار والمقترحات من المواطنين حول تشكيل الأجندة الوطنية الحالية، واللامركزية وزيادة كفاءة جهاز الحزب، والحد من البيروقراطية والأعمال الورقية، وتعزيز عمل الأحزاب. 

كما أصدر توقاييف تعليماته بالاستفادة من الجلسات البرلمانية والعامة، وشدد على أن تقييم عمل أعضاء الحزب يجب أن يرتكز على حل مشاكل المواطنين.

وصرح الرئيس مرة أخرى أن البلاد بدأت المهمة الضخمة المتمثلة في إنشاء كازاخستان جديدة، وأشار إلى أن تعزيز مصالح المواطنين وانفتاح الحزب يمثل “أولوية بالغة الأهمية”.

وفي يوم 16 مارس الجاري، ألقي الرئيس قاسم جومارت توقاييف، خطابًا هامًا أمام البرلمان، رسم فيه أُطر نظام الحكم في ظل قيادته، القائم علي التعددية والديمقراطية، حيث طالب بإنهاء النظام السلطوي في الحكم وإشاعة الديمقراطية ومشاركة المواطن في السياسات العامة. 

خطوة وصفت بالثورية، وتضع خط نهاية لحقبة الجمهورية الأولى بما لها وما عليها، لتبدأ ما نراه حقبة “الجمهورية الثانية”.

 

فقد أمر رئيس كازاخستان، الحكومة بالتأكد من استقرار عملة البلاد، في ظل التوتر والقتال الدائر بين روسيا وأوكرانيا، واقترح منح المزيد من السلطة للبرلمان والسلطات المحلية.

 

ونقلت وكالات الأنباء عن توقاييف، في خطابه للأمة تحت عنوان: “كازاخستان الجديدة.. مسار التجديد والتحديث”، وتضمن عددًا من الإصلاحات والمبادرات السياسية بعيدة المدى، تصل إلى 30 تعديلاً مقترحًا على الدستور، و20 قانونًا، تهدف إلى مزيد من التحول في البلاد، وربما يتم الانتهاء منها بنهاية هذا العام.

وشدد الرئيس على أن الأمة بحاجة إلى إصلاحات أساسية لتجنب الركود ، وقدم برنامجًا للتحديث الشامل للنظام السياسي في البلاد. 

وفي خطابه، الذي تم تقديمه ستة أشهر ليعكس أهمية الإصلاحات المقترحة في أعقاب أحداث يناير المأساوية، أعلن توقاييف عن الانتقال من “شكل حكومي فوق رئاسي إلى جمهورية رئاسية ذات برلمان قوي”، كما ذكر أن كازاخستان سوف تحتاج إلى برلمان أقوى، واقترح توقاييف انتخاب 70% من أعضاء البرلمان عن طريق القوائم الحزبية و30% عبر الانتخابات المباشرة، مشيرًا إلى أن “هذا سيوفر توازنًا مثاليًا للنظام، ولقوى المؤسسات، وسيساهم في التنمية المستدامة للبلد”. 

بالإضافة إلى ذلك، سيتم تخفيض حصة التعيينات الرئاسية في مجلس الشيوخ من 15 إلى 10 أعضاء وسيتغير الغرض من تعيينهم لإعطاء صوت أكبر للفئات الاجتماعية ذات التمثيل المنخفض في البرلمان. 

في الوقت نفسه ، ستُلغى “الكوتا” في Mazhilis (مجلس النواب بالبرلمان) لممثلي مجلس شعب كازاخستان، وهي هيئة دستورية تمثل جمعيات المجتمعات العرقية العديدة في البلاد) وستُنقل إلى مجلس الشيوخ، على الرغم من تقليصها من 9 إلى 5 أعضاء. 

 

ستقترح الجمعية الآن مرشحين على الرئيس لتعيينهم وليس انتخابهم كما كان من قبل.

صرح الرئيس توقاييف، أيضًا أن حق مجلس الشيوخ يجب أن يكون فقط الموافقة أو رفض القوانين التي تم تبنيها بالفعل من قبل Mazhilis. وبالتالي، فإن اللجنة التشريعية في Mazhilis هي وحدها التي ستمنح حق إصدار القوانين.

 

واستمرارًا للإصلاحات السابقة ولتسهيل التعددية السياسية والمنافسة، أعلن الرئيس أنه سيتم تبسيط إجراءات تسجيل الأحزاب السياسية بشكل كبير، وعلى وجه الخصوص، اقترح أن يتم تخفيض عتبة التسجيل أربعة أضعاف من 20.000 إلى 5000 شخص (حتى العام الماضي كان 40.000، مما يعني خفضًا بمقدار ثمانية أضعاف في المتطلبات خلال فترة الرئيس توقاييف). وسيتم تطبيق تخفيضات مماثلة على متطلبات التمثيل الإقليمي للأحزاب السياسية.

كما اقترح الرئيس تشريعًا يلزم الرئيس بإنهاء عضويته في حزبه السياسي طوال فترة ولايته، موضحًا أن “هذا المعيار سيزيد من المنافسة السياسية، ويوفر ظروفًا متساوية لتطوير جميع الأحزاب”. 

 

وبالإضافة إلى ذلك، اقترح وفي المستقبل، منع أقرب أقارب الرئيس من تولي مناصب حكومية أو إدارية في الشركات الحكومية، وينبغي على كازاخستان أن تنهي التركيز المفرط للسلطة في يد الرئيس.

 

 واقترح الرئيس كذلك تعزيز الحكم الذاتي المحلي من خلال تعزيز دور المجالس المحلية (maslikhats) وكذلك انضمام كازاخستان إلى الاتفاقية الأوروبية للحكم الذاتي. وسيكون هناك أيضًا تغيير في الطريقة التي يتم بها انتخاب المجالس على المستوى الإقليمي، وسيتم ذلك على أساس نظام الأغلبية النسبية المختلطة، بينما على مستوى المدينة والمقاطعة، سيتغير النظام تمامًا من النسبي إلى الأغلبية ليسمح للأفراد بالترشح.

من بين المقترحات الأخرى إدخال تغييرات على التقسيم الإداري للبلاد من خلال إنشاء ثلاث مناطق جديدة (الأوبلاستات)، وهي آباي (مع مركز في سيمي، وهي الآن جزء من إقليم كازاخستان الشرقي)، وأوليتو (مع مركز في جيزكازغان، وهي الآن جزء من قرهغاندي (أوبلاست) و Zhetisu (مع مركز في Taldyqorghan، وهي الآن جزء من إقليم ألماتي، حيث تستقبل الأخيرة مدينة Qapshagay كمركز لها). 

كما تعهد بدعمه لإعادة تسمية Qapshagay بعد الراحل Dinmukhammed Kunayev، الزعيم المحترم خلال حقبة كازاخستان السوفيتية، والذي قدم الكثير للجمهورية.

وفي خطوة أخرى، اقترح الرئيس إعادة إنشاء المحكمة الدستورية لتعزيز الامتثال الصارم لأحكام الدستور. وإذا تم تنفيذ هذا المقترح، فسيحل محل المجلس الدستوري؛ ولكن سيكون له اختصاصات أوسع مما يسمح للمواطنين بتقديم استئناف مباشر إلى هذه المحكمة بشأن شكواهم. 

 

وتشمل الإصلاحات الإضافية تكريس حظر عقوبة الإعدام في الدستور، وتعزيز دور مفوض حقوق الإنسان من خلال اعتماد قانون دستوري بشأن سلطاته.

تحذير شديد اللهجة

ركز الرئيس في خطابه على النتائج المأساوية والتحقيق في أحداث يناير، وعاد ليؤكد بأن من حاول الانقلاب هم أشخاص معروفون ومسؤولون رفيعو المستوى زُعم أنهم ارتكبوا خيانة عظمى ضد الدولة. 

وفي تحذير شديد اللهجة، أوضح توقاييف أنهم فعلوا ذلك لأن كازاخستان بدأت عملية التحديث والتحول الجذريين للبلاد في السنوات الأخيرة، وبعض الأشخاص الأقوياء لم يعجبهم ذلك. 

 

وأكد رئيس الدولة أن جميع المسؤولين عن هذه الأحداث المأساوية سيقدمون إلى العدالة بغض النظر عن مواقعهم في المجتمع.

الخلاصة

واختتم الرئيس في تلخيصه لهذه الإصلاحات والمبادرات، “إن رفض السلطات الرئاسية المفرطة سيكون عاملاً مهمًا لعدم عودة الترهل السياسي في البلاد”.

وأضاف: “ستعمل المبادرات المقترحة على تغيير قواعد اللعبة” بشكل جذري وتشكل أساسًا متينًا لمزيد من الديمقرطية في مجتمعنا.

 

وشدد على أن مبدأ كازاخستان الجديدة يجب أن تكون وجهات نظر مختلفة، ولكن أمة واحدة. 

خبراء

اعتبر كثير من المراقبين ان الخطاب يعد قفزة ديمقراطية للأمام بعد التغييرات الشاملة في جهاز الدولة والحكومة والأمن والدفاع إثر الاضطرابات التي شهدتها البلاد في يناير الماضي وأوقعت أكثر من 200 قتيل والعشرات من قوات الأمن، وتدمير واسع في المباني الحكومية في العاصمة الاقتصادية الماتي.

ووصفت الدوائر السياسية خطاب الرئيس قاسم جومارت توقاييف، أمام البرلمان، بأنه ثورة سياسية علي الأوضاع التي تراكمت منذ الاستقلال قبل 30 عامًا وحتي الآن، وأنه عهد جديد تتصالح فيه الدولة مع مواطنيها من أجل مستقبل اكثر ازدهارًا.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours