آسيا اليوم ووكالات
رسميًا لم يترك الرئيس السيرلانكي، ورئيس وزراؤه، منصبيهما، ولذا فإن السيرلانكيين عازمون على استمرار حصارهم واحتلالهم المقرات الرئاسية ومقرات رئاسة الوزراء حتى يعلن الرئيس غوتابايا راجاباكسا، استقالته رسميا عن الرئاسة ومعه رئيس الوزراء رانيل ويكرمسينغ.
وجاءت الإضطرابات بعد أسوأ أزمة اقتصادية عاشها السريلانكيون منذ حصول البلاد على استقلالها عن بريطانيا في عام 1948. ويعزوا العديد من الخبراء المشاكل الحالية التي تواجهها البلاد إلى سوء الإدارة.
صعود بطيء
لا يجب التقليل من شأن هذه الخطوة، لقد كانت أشبه بزلزال سياسي ضرب العائلة الحاكمة والبلاد أيضا. “تمثل استقالة ماهيندا راجاباكسا تحولاً مخزياً في حظوظ رجل كان لسنوات ببساطة أقوى شخص في سريلانكا” حسب رأى أييشيا بيريرا، محررة آسيا على موقع بي بي سي نيوز.
أصبح الرئيس السابق ورئيس الوزراء المستقيل أشهر أفراد عائلة لم تكن دائما قوية في الحياة السياسية العامة في الماضي، إذ تنتمي راجاباكسا إلى طبقة ملاك الأراضي في منطقة هامبانتوتا الجنوبية.
وبحسب مصادر عسكرية، فإن راجاباكسا وشقيقه رئيس الوزراء السابق ماهيندا غادرا العاصمة كولومبو على متن سفينتين تابعتين للقوات البحرية إلى وجهتين منفصلة.
وتوجهت السفينة التي كان يستقلها رئيس الوزراء السابق إلى القاعدة البحرية في ترينكو، بينما لم ترسو سفينة الرئيس في أي مكان بموانئ سريلانكا، ولكن قيل إنها لا تزال في المياه الإقليمية السريلانكية.
وكان الرئيس راجاباكسا قد أعلن أنه سيتنحى رسميًا عن منصبه في 13 يوليو، وفقًا لإعلان أدلى به رئيس البرلمان يوم السبت؛ غير أنه لم يظهر علانية أو يدلي بنفسه بأية تصريحات أو تعهدات.
وكان قد نقل عن الرئيس قوله إنه يعزم التنحي عن السلطة يوم الأربعاء المقبل.
وألقى المتظاهرون باللوم على الرئيس في سوء الإدارة الاقتصادية للبلاد، والتي تسببت في نقص الغذاء والوقود والأدوية طوال الأشهر الماضية.
ونزل الآلاف إلى العاصمة كولومبو يوم السبت مطالبين باستقالة الرئيس ونظامه بعد أشهر من الاحتجاجات.
كما قال رئيس الوزراء رانيل ويكرمسينغ، إنه سيتنحى عن منصبه بعد احتجاجات السبت، وتعرض مقر إقامته الخاص لهجوم من المتظاهرين واشتعلت فيه النيران.
ومع هذا مازالت هناك شكوك لدى المتظاهرين بشأن نوايا أركان النظام الحاكم.
زعيم الاحتجاج الطلابي
وقال زعيم الاحتجاج الطلابي لاهيرو ويراسيكارا، لوكالة فرانس برس إن “نضالنا لم ينته…لن نتخلى عن هذا النضال حتى يغادر (الرئيس راجاباكسا) فعليا”.
وحذر المحلل السياسي ومحامي حقوق الإنسان بهافاني فونسيكا، من أن “الأيام القليلة المقبلة سوف تكون شديدة الغموض لمعرفة ما سيحدث سياسيا”، وأضاف لرويترز أنه سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان القائدان (الرئيس ورئيس الوزراء) سوف يغادران بالفعل.
وزير الخارجية الأمريكي
وعلق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، على هذه التطورات، وقال إن أي حكومة جديدة تحتاج إلى التركيز الفوري على الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد.
إصابات
وأصيب العشرات في احتجاجات السبت. وقال متحدث باسم مستشفى كولومبو الرئيسي لوكالة فرانس برس يوم السبت، إن ثلاثة أشخاص عولجوا من إصابات بأعيرة نارية.
وتعد التطورات غير العادية التي شهدتها البلاد يوم السبت، ذروة شهور من الاحتجاجات السلمية في الغالب في سريلانكا.
وشهدت تجمع حشود ضخمة أمام المقر الرسمي للرئيس راجاباكسا، مرددين شعارات ولوحوا بالعلم الوطني قبل اختراق الحواجز ودخول المبنى.
وأظهرت لقطات على الإنترنت أشخاصًا يتجولون في المنزل ويسبحون في مسبح الرئيس، بينما أفرغ آخرون أدراج خزانة من محتوياتها، واستولوا على مقتنيات خاصة بالرئيس واستخدموا حمامه الفاخر.
وأثار التناقض بين رفاهية القصر والمعاناة التي كان يعيشها سكان البلاد البالغ عددهم 22 مليون نسمة، اهتمام المحتجين.
وقال مصدران بوزارة الدفاع إن الرئيس راجاباكسا ترك محل إقامته الرسمي يوم الجمعة، كإجراء احترازي قبل الاحتجاجات المزمعة.
وعلى الرغم من اقتحام المقر الرسمي للرئيس، إلا أنه ينام عادة في منزل منفصل قريب.
عائلة راجاباكسا
هناك نكتة شائعة في سريلانكا هذه الأيام تقول إن مسؤولا صينيا زار البلاد والتقى بعدد من كبار المسؤولين الحكوميين فيها. شعر المسؤول الصيني بالحيرة لأن جميع من التقى بهم يحملون اسم العائلة راجاباكسا، فسـأل الضيف مضيفيه هل هذا هو اسم العائلة الوحيد الموجود في بلدكم؟
من السهل أن نتخيل كيف ظهرت النكتة وشاعت. تسيطر عائلة راجاباكسا على الدولة الجزيرة منذ عقدين، ورغم ذلك فإن هذه الهيمنة مهددة الآن بالزوال، بعد إعلان الرئيس غوتابايا راجاباكسا، استعداده للتنحي عن الحكم وفراره لمكان مجهول في أعقاب اقتحام محتجين لمقر إقامته الرسمي وأشعال النيران في منزل رئيس الوزراء.
ودفع كبار الساسة من عائلة راجاباكسا ثمن هذه الأزمة، ففي 9 مايو استقال رئيس الوزراء الحالي (الرئيس السابق) ماهيندا راجاباكسا، والآن فر شقيقه الأصغر الرئيس الحالي غوتابايا واختفى الكثير من الوزراء والمسؤولين الذين ينتمون للعائلة، وسط استمرار الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد منذ أوائل أبريل الماضي.
صعود ماهيندا
بدأ صعود ماهيندا في الحياة السياسية عند انتخابه لأول مرة نائبا برلمانيا في عام 1970 كأصغر عضو في البرلمان.
ثم في ثمانينيات القرن الماضي تم انتخاب كل من ماهيندا وشقيقه الأكبر شامال لعضوية البرلمان.
اكتسب ماهيندا شعبية بسبب إدانته لانتهاكات حقوق الإنسان ضد التمرد اليساري الذي حدث في 1987 و1989 والطلب من الأمم المتحدة التحقيق فيها.
وفي عام 1994 تولى أول منصب وزاري عندما عينه الرئيس الجديد للبلاد في ذلك الوقت تشاندريكا كوماراتونغا، وزيرا للعمل. وبعد عشر سنوات أصبح رئيساً للوزراء.
أما الصعود الأهم فكان توليه منصب الرئاسة في عام 2005، وفاز بالانتخابات الرئاسية بفارق بسيط من الأصوات لكن بدأت السيطرة الحقيقية للعائلة على شؤون البلاد.
شغل ماهيندا منصب رئيس سريلانكا لفترتين ما بين (2005-2015). في عام 2009 أشرف على نهاية دموية للحرب الأهلية مع الانفصاليين التاميل والتي استمرت لما يقرب من 30 عاماً.
لكن انتصاره في الحرب شابته مزاعم وقوع انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ولا سيما ضد الأقليات العرقية والدينية بالإضافة لتهم فساد.
والمعروف أن عائلة الرئيس تنتمي إلى السنهاليين البوذيين، ويشكلون ما يقرب من 75 في المئة من سكان سريلانكا.
ونفي الرئيس السابق بشدة مزاعم وقوع انتهاكات حقوق الإنسان إبان الحرب ضد التاميل، واضطهاد العرقيات الدينية الأخرى.
شركة عائلية
لم تمنع هذه المزاعم أسرة راجاباكسا من احتكار الحياة السياسة السريلانكية. فقد منح ماهيندا شقيقه الأصغر غوتابايا، الرئيس المتنحي حاليا، منصباً رفيعاً في وزارة الدفاع وأشاد البعض بإدارته للحرب الأهلية في وقتها. بينما عمل الشقيق الأكبر في العائلة تشامال في وزارات مثل الزراعة والثروة السمكية والري، كما تولى الشقيق الآخر باسيل منصب وزير المالية ووزير التنمية الاقتصادية.
كما شغل العديد من الأقارب الآخرين للأخوة الأربعة مناصب عامة، ولا سيما أبناء ماهيندا، حيث تولى الابن نامال مؤخراً منصب وزير الرياضة في سريلانكا، ويوشيثا مدير مكتب رئيس الوزراء حتى استقالة والده.
لكن الأسرة منيت بانتكاسة كبيرة عندما خسر ماهيندا الانتخابات الرئاسية لعام 2015 بشكل غير متوقع.
لكن العائلة عادت سريعا إلى السلطة بعد أربع سنوات، لكن من خلال غوتابايا، الذي تولى قيادة البلاد في 2019 بعد الفوز في الانتخابات، لأن الدستور منع شقيقه ماهيندا، الرئيس السابق، من الترشح لمنصب الرئيس مرة أخرى.
تبنى الرئيس الجديد أجندة قومية واستفاد من صلة الأسرة القوية بأجهزة تطبيق القانون والنظام، وخاصة في أعقاب هجوم إرهابي وقع في أبريل 2019 نفذته جماعة موالية لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، وأودى بحياة أكثر من 250 شخصاً.
لكن مزاعم فساد الأسرة لم تغب عن الساحة السياسية، بل عادت إلى الظهور في الاحتجاجات الحالية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية التي أعقبت جائحة كورونا.
وتضيف أييشيا بيريرا: “يعتقد الكثير من الناس أن ماهيندا راجاباكسا مهد الطريق لعائلته لنهب ثروة البلاد لتحقيق مكاسب مالية خاصة بهم”.
اللوحات الإعلانية والهتافات التي تطالب الأسرة بإعادة “الأموال المسروقة” للبلاد هي مشهد مألوف في الاحتجاجات في جميع أنحاء سريلانكا.
وقد أدى تدهور سمعة الأسرة إلى بروز انقسامات في صفوفها. في أواخر أبريل/نيسان انتشرت تقارير عن تصاعد الخلاف، بين ماهيندا، الرئيس السابق، وغوتابايا، الرئيس الحالي، وما تلاه من صراع على السلطة بين الأخوين للسيطرة على أنصارهم.
“غوتا عد إلى المنزل”
دفعت الصعوبات الاقتصادية العديد من أولئك الذين صوتوا لغوتابايا إلى حمل لافتات في الشوارع تحمل عبارة “غوتا عد إلى البيت”، في إشارة إلى ترك الرئيس الحكم.
وفي أبريل الماضي، حاول المتظاهرون المناهضون للحكومة اقتحام المقر الرسمي لرئيس الوزراء بعد أن هاجم أنصار الحكومة متظاهرين سلميين بالقرب مقر رئاسة الوزراء، وسرعان ما انتشرت الاشتباكات في جميع أنحاء البلاد.
وقام المتظاهرون الغاضبون بإحراق العديد من الممتلكات التي تعود لعائلة راجاباكسا، بما في ذلك منزل أجدادهم في هامبانتوتا. كما دمر المتظاهرون قبور والدايهم والنصب التذكاري لهما.
ويُتهم الرئيس غوتابايا بإساءة استخدام أموال الدولة ببناء النصب التذكاري من أموال الخزينة العامة.
لكن الرئيس كان قد رفض في الماضي كل الضغوط، وأعلن في مايو الماضي أنه لا ينوي الاستقالة من منصبه رغم استقالة جميع وزرائه تقريبا، وسحب العديد من النواب دعمهم للحكومة.
وقد أعلن غوتابايا في 6 مايو عن فرض حالة الطوارئ للمرة الثانية خلال شهر في أعقاب إضراب عام شمل إغلاق جميع المتاجر والشركات في جميع أنحاء البلاد.
ربما تحاول عائلة راجاباكسا الاستمرار في السلطة، حتى بعد قبول الرئيس التنحي، لكن قبضتها التي بدت ذات يوم لا تقهر على السياسة في سريلانكا بدأت تظهر عليها علامات الوهن والضعف.
سيرلانكا
سريلانكا أو سري لانكا والتي كانت تسمى بين 1948 و1972 باسم سيلان، واسمها الرسمي جمهورية سريلانكا الديمقراطية الاشتراكية، هي دولة جزرية تقع في شمال المحيط الهندي جنوب شبه القارة الهندية، في جنوب آسيا.
لسريلانكا حدود بحرية، شمالاً، مع الهند، التي تبعد عنها حوالي 31 كيلومترا (19، 3 ميل)، ومع جزر المالديف، في جنوبها الغربي.
سريلانكا دولة ذات إرث حضاري عريق، يمتد عبر ثلاثة آلاف سنة. لعبت بفضل موقعها الاستراتيجي في ملتقى الطرق البحرية الرئيسية، الرابطة بين غرب آسيا وجنوب شرق آسيا، دورا مهما إبان فترة طريق الحرير وصولا للحرب العالمية الثانية، حيث كانت قاعدة هامة لقوات الحلفاء في الحرب ضد اليابان.
حكمت سريلانكا، على امتداد ألفي سنة من طرف ممالك محلية، ثم احتلت أجزاء منها من طرف البرتغال وهولندا في بداية القرن السادس عشر، قبل أن تسيطر الإمبراطورية البريطانية على البلد بكامله في 1815.
نشأت حركة سياسية قومية، في أوائل القرن الماضي وناضلت من أجل الحصول على الاستقلال السياسي، الذي تأتى في سنة 1948 بعد مفاوضات سلمية مع المحتل البريطاني.
تميز تاريخها المعاصر بالحرب الأهلية العنيفة التي امتدت قرابة ربع قرن من 1983 إلى 2009، بين متمردي نمور التاميل الانفصاليين والجيش السريلانكي، والتي انتهت لفائدة الدولة المركزية.
تعتبر سريلانكا من المعاقل الأولى للبوذية، وبها كتبت أولى النصوص المعروفة لهذه الديانة.
حالياً، هي بلد متعدد الأديان والأعراق واللغات. 70 بالمائة من السكان يدينون بالبوذية والباقي موزع بين الهندوسيين (12%) والمسلمين (10%) والكاثوليكيين (6%) والبروتستانتيين (1%).
على المستوى العرقي، يشكل السنهاليون غالبية السكان (75% في 2012) إضافة إلى التاميل (11%)، الذين يتركزون في شمال وشرق الجزيرة.
تتوزع الطوائف الأخرى بين العرب التاميل والهنود والماليزيين والبورغر (أحفاد المستوطنين الأوروبيين). لسريلانكا لغتان رسميتان، السنهالية، التي يتحدث بها ثلاثة أرباع السكان والتاملية(26%).
نظام الدولة جمهوري رئاسي وممركز، وعاصمتها هي سري جاياواردنابورا كوتي التي تقع في الضاحية الشرقية لمدينة كولومبو.
تشتهر الجزيرة بإنتاج وتصدير الشاي والبن والمطاط وجوز الهند، وتعرف سريلانكا انتقالا تدريجيا إلى الاقتصاد الصناعي الحديث، وكان يتمتع سكانها بأعلى دخل للفرد في جنوب آسيا.
تشتهر سريلانكا بجمال طبيعتها المتمثل في الغابات الاستوائية والشواطئ والمناظر الطبيعية وبتنوعها الحيوي، فضلاً عن التراث الثقافي الثري، الذي جعلها مقصداً سياحياً عالمياً شهيراً.
تشتهر سريلانكا بتسمية دمعة الهند، نظراً لموقعها الجغرافي، إضافة إلى تسمية أرض الشعب المبتسم.
+ There are no comments
Add yours