بقلم: د. هدى درويش أستاذ الأديان المقارنة
تناولت في مقال سابق بعنوان (إبراهيمية الخليل عليه السلام تتصدى لفتنة الديانة الإبراهيمية الجديدة المزعومة) بتاريخ ٢٨ فبراير ٢٠٢١، الجدل الديني الذي أثير حول مصطلح الإبراهيمية، ذلك المصطلح الذي استخدمه مجلس الحوار الإبراهيمي بألمانيا منذ تأسيسه عام 2001 بهدف نشر التسامح والأخوة بين شعوب وأفراد الإنسانية، وله فروع في مصر والمغرب وتونس، ويرأس الفرع المصري القس الدكتور ثروت قادس الذي يعيش بين مصر وألمانيا، وقد أدار الفرع بمصر بكفاءة عالية على مدار عشرين عاما.
إلا أن مفهوم الإبراهيمية قد تعرض في الآونة الأخيرة للتشويه والاختلاق وظهر عدد من الآراء والأقاويل والترهات غير الصحيحة، البعيدة عن قدسية الديانات.. تناولت تلك المحاولات مصطلح الإبراهيمية باعتباره ديانة رابعة..! في هجوم فج على مفاهيم الأديان وثوابتها وقدسيتها..
وقد تحدثت في مقالي السابق عن ضرورة وأد هذه الفتنة الغريبة على الأديان والتي اتخذت مسمى ( الديانة الإبراهيمية)، وما يسمى بـ (الديانة الرابعة) بغرض مزج الرسالات الثلاث المقدسة في دين واحد جديد!
كما سبق لي أن تناولت في كتابي ( تقارب الشعوب موعد الحضارات الصادر عام ٢٠٠٩) قضية توحيد الديانات بتفاصيلها وانتهيت إلى أن هذه الفكرة التي يروجون لها تحت مسمى (شمولية العالم) أو (وحدة الإنسانية) تطعن في أصول الرسالات السماوية المنزلة وخروج صريح على جميع الأديان، وذكرت رأي اللجنة الدائمة للفتوى بالمملكة العربية السعودية برقم (١٩٤٢)، بتاريخ ٢٥ محرم ١٤١٨ هـ، التي جاء فيها أن فكرة وحدة الأديان مرفوضة شرعا ومحرمة بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.
وبمناسبة الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس بيت العائلة بمصر ٨ نوفمبر ٢٠٢١، التي قام الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب بالرد القاطع على ما يثار حول مصطلح “الديانة الإبراهيمية” والقول بدمج الأديان أن هذه الدعوى مِثلُها مثل دعوى”العولمة”، و”نهاية التاريخ”، و”الأخلاق العالمية” وغيرها – وإن كانت تبدو في ظاهر أمرها كأنها دعوة إلى الاجتماع الإنساني وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته- إلَّا أنها، هي نفسها، دعوةٌ إلى مُصادرة أغلى ما يمتلكُه بنو الإنسانِ وهو: “حرية الاعتقاد” و”حرية الإيمان”.
وأشار شيخ الأزهر إلى أن اجتماع الخلق على دِينٍ واحدٍ أو رسالةٍ سماوية واحدة أمرٌ مستحيل ، وأن فطرة الله في البشر هي الاختلاف …. في ألوانهم وعقائدهم، وعقولهم ولغاتهم، بل في بصمات أصابعِهم وحديثًا بصمات أعينِهم.. كلُّ ذلك حقيقةٌ تاريخية وعلمية، وقبل ذلك هي حقيقة قُرآنية .. وأنه لو شاء أن يخلقهم على مِلَّةٍ واحدة أو لونٍ واحد أو لغةٍ واحدة أو إدراك واحد لفعَل.
وبين فضيلته أن انفتاحَ الأزهر وعلمائه على كنائس مصر ورجالها وقادتها ليس كما يُصوره البعض محاولةً لإذابة الفوارق بين العقائد والملل والأديان.
وفي النهاية أقول: إن هذا المصطلح المختلق لا علاقة له بالأديان وغاياتها، بل هو خروج كامل على الأديان والرسالات، وانتهاك صارخ لثوابتها وخصوصية كل منها.
وأكرر دعوتي التي ناديت بها في مقالي السابق أن هذا التوظيف للمصطلح يفرض على القيادات الدينية – جميعها- التصدي لهذه الدعوة المشبوهة وأمثالها بالشرح والتفنيد والحسم اللازم لوأد الفتنة في مهدها.
+ There are no comments
Add yours