إعداد : بــلال الـصـبّـاح
لم تكن عاصفة الحزم حرباً طويلة الأمد، والتي اقتصرت على مجموعة من الضربات المُوجعة لإيران وعناصرها في اليمن، ومع ذلك كان لها بالغ الأثر على الشعب الأحوازي العربي، وذلك وفقاً لتصريح السيد عارف الكعبي، الناشط السياسي الأحوازي (فقد استبشر الأحوازيون بعاصفة الحزم خيراً، وما حققه الملك سلمان السعودي، جديد ولم يسبقه أحد).
ولكن؛ لماذا عاصفة الحزم؟.. وقد سبقها حروب أحرقت سنوات من حياة الإيرانيين؟، ومن القيادات ما قبل الملك سلمان السعودي، كصدام حسين وجمال عبدالناصر!.
ولو قلنا أن وصول الإيرانيين إلى اليمن أشد خطراً وفتكاً على الأحوازيين من بقائهم في العراق وسوريا، فهذا يقودنا إلى سؤال من الجدير البحث عن إجابته وهو، الأحواز العربي .. كيف نفهمه؟، ولماذا نُرجعه؟.
………………………………………………………………………..
مازالت قضية الأحواز العربي على غير وضوح عند الكثير من العرب، وإن كان فهمها ليس بالأمر الصعب، فما عليه الأحوازيون هو ما عليه بقية الشعوب العربية، فالأحواز عربي بأرضه وشعبه، كما أنه جزء من الخليج العربي ضمن مساحة جغرافية لم يسكنها غير العرب على مر التاريخ القديم.
إن الجهالة التي لحقت بالأحواز العربي، وغموض الملف بمُكوناته السياسية والإجتماعية على مرّ تسعة عقود مضت، يرجع إلى مجموعة من الأسباب، وأهمها التالي:
أولاً: المنظمات الدولية… والتي باركت فعل بريطانيا قبل مغادرتها منطقة الشرق الأوسط، حيث أخضعت الأحواز للسيادة الإيرانية، ثم منحت فلسطين لليهود.
ثانياً: الجامعة العربية… والتي تجاهلت عروبة الشعب الأحوازي بأكمله، وهمشت القبائل العربية الإفريقية، وهم الأغلبية في بلادهم، كما ضمت إلى أمانتها غير العرب، كالدول الناطقة بالسواحيلية، ومنها جزر القمر.
ثالثاً: الحكومات العربية… وعلى الرغم من تقصير جميع الدول العربية، إلا أن الحكومات ذات التوجه القومي بالصبغة اليسارية الإشتراكية كان لهم الدور الأسوأ من حيث إهمال عروبة الأحواز العربي، وتسليط الفكر النضالي تجاه فلسطين فقط، وهو ما يتوافق مع مؤسساتهم في الشرق الروسي الداعم لإيران.
رابعاً: الأحزاب الإسلامية… والتي وقعت في الخطأ المشبوه، فقد كانت حلقة الوصل بين الجمهور العربي مع القيادة الإيرانية بحجة حاجة العرب للدعم الإيراني لمشروع المقاومة في فلسطين. والذنب الأعظم هو الإعتقاد أن دماء الفلسطينيين أطهر وأقدس من دماء الأحوازيين، وهو ذنب وقع فيه غالبية العرب، وهو نتاج منهجية الأحزاب الإسلامية على مر العقود الماضية.
خامساً: الإعلام العربي… والذي يعيش أزمة تخبط في تعريف المُصطلحات، ما بين تعريف القضية بالمصطلحات العلمانية أو عرضها حسب منهج الشريعة الإسلامية؛ فمؤسسات الإعلام العربي العلمانية غير قادرة على فهم التركيبة الدينية وأزمتها في الشرق الأوسط، وكذلك مؤسسات الإعلام العربي الإسلامية أخذت تنطلق من أفكار وأطروحات رجال أعمال وأحزاب إسلامية، دون القدرة على قولبة المنظومة الدولية وفق قواعد الفقه الإسلامي.
إذاً؛ الأحواز العربي ليس قضية “منسية”، كما تروج لها بعض الشاشات العربية، فتذكر الشيء بعد نسيانه (90) عاماً، لا يعني عودته بلحظة، وليس المطلوب من العرب التباكي على الشاشات الإعلامية، أو إعادة تعبئة الأقلام العربية بكلمات النضال والمُقاومة.
وإنما المطلوب هو البحث في المحاور الخمس المذكورة بجدية علمية، والتي كانت بمثابة الأسباب الحقيقية والمانعة لحصول الأحواز العربي على مقعد في جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي. وذلك من خلال قلب المحاور الخمس المذكورة على النحو التالي:
أولاً: على الصعيد الإعلامي… تفريغ الساحة الإعلامية من “العواطف المُتباكية”، والتي تراقصت على أنغام القضية الفلسطينية أكثر من (80) عاماً دون جدوى، وفتح الأبواب الإعلامية لكافة القدرات السياسية والفكرية المُمنهجة أكاديمياً وبحثياً.
ثانياً: على الصعيد الحزبي… الإنطلاق من ثوابت واضحة ومُقننة دستورياً، وإنهاء مرحلة الميوعة السياسية والعقائدية، وطي صفحة قداسة دماء بعض العرب دون الآخرين، وإعتبار الأحواز وفلسطين قضية واحدة.
ثالثاً: على الصعيد الحكومي… الإنطلاق من سياسة جغرافية جديدة، ورسم الخارطة العربية الحقيقية لتشمل كل الناطقين بالعربية، من الأحواز العربي إلى تكتلات العرب في إفريقيا. كما أن إعتماد هذه الخارطة في المؤسسات التعليمية والرسمية هو بمثابة الصد الحقيقي لمشروع خارطة الشرق الأوسط الجديد.
رابعاً: على الصعيد الإقليمي… الإيعاز لكافة هيئات الجامعة العربية بإعتماد الأحواز العربي ومُشكلاته الإنسانية والثقافية، والجامعة العربية قادرة على ذلك، وعليها أن تنظر بجدية بأن الأحواز العربي هو جزء من الأمن القومي العربي للجزيرة العربية.
خامساً: على الصعيد الدولي… التوجه للمجتمع الدولي ليس صعباً، وتكمن سهولته في تحقيق المحاور السابقة، من حيث يبدأ الإعلام العربي، وبدعم من الاحزاب السياسية، وتسهيلات الحكومات العربية، مع تبني الجامعة العربية للقضية، ولو على مستوى الشأن الإنساني والثقافي في المرحلة الحالية.
وفيما يتعلق بالمحاور الخمسة المذكورة، والتي أخذت شكلها الأول كأسباب ضياع الأحواز، وشكلها الثاني كمعطيات لإرجاعه، حيث لا يُمكن أن تنطلق على الساحة العملية، أو البدء بها مع قبول جميع الدول العربية، دون توافق أغلبية التيارات السياسية والفكرية في الداخل الأحوازي وخارجه.
وعليه صرّح السيد (عارف الكعبي)، رئيس المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الأحوازي، عن ولادة (الإئتلاف الوطني الأحوازي) كنتاج للفهم الصحيح لقضية الأحواز العربي، والذي تحالف فيه (الحزب الديمقراطي الأحوازي) مع جبهة (الأحواز الديموقراطية) و(حركة التحرير الوطني). واعتبر هذا التحالف هو فرصة نحو حقبة أحوازية جديدة، للإقتراب من مكملات النصر العربي في الأحواز العربي، والذي يضم مجموعة من الطوائف يجمعهم العرق واللسان العربي في ظل إحتلال دام (90) عاماً.
فهناك مؤشرات التمسها الشعب الأحوازي بعاصفة الحزم، وهي بمثابة تفاؤل جديد للأحوازيين، وحول قوله بأن (ما حققه الملك سلمان السعودي، جديد ولم يسبقه أحد من العرب)، استند فيه على ثلاثة مؤشرات، وهي كالتالي:
المؤشر الأول… عاصفة غير إصطلاحية، حيث لم يستعن التحالف العربي بأي من المُصطلحات الطائفية والمذهبية.
المؤشر الثاني… عاصفة غير جيوسياسية، حيث لم يعمل التحالف العربي على رسم خارطة يمنية جديدة، لحصر فئة مُعينة.
المؤشر الثالث… عاصفة غير ديموغرافية، حيث لم يسع التحالف العربي لقلب التركيبة السكانية والفكرية للشعب اليمني.
ولو فعلت السعودية هذا، واستعانت بالمُصطلحات الطائفية، ورسم خارطة جديدة لحصر الحوثيين ضمن سياسة فصل بين المُكونات الفكرية اليمنية، لحققت الكثير من الأهداف وقبل آوانها، ولكنها أبت الوصول عبر الأهداف قصيرة المدى، بل أن التحالف العربي أطلق عاصفة الحزم من أجل القضاء على هذا النوع من الأهداف التي يتسلق عليها الحوثيون على حساب اليمن الواحد.
ويمكن القول؛ بأن هذه المؤشرات المُقنِنة لإستراتيجية التحالف العربي هي الأشد فتكاً على النظام الإيراني من الحرب العسكرية، فجميع التحركات الإيرانية على ساحة الأقليات الشيعية العربية ليس من أجل الدفاع عنهم، بل هي رسائل مُوجهة للأحوازيين العرب، وخاصةً الشيعة منهم، بأن إستقلال الأحواز العربي هو بمثابة الموت للأحوازيين على يد السلفية الوهابية، كما هو في سوريا والعراق. فسقوط الأحواز العربي من تحت السيادة الإيرانية هو فقدان بنسبة (80%) من موارد إيران المُستنزفة من الأحواز العربي.
كما أن التحالف العربي وبقيادة الدولة السعودية لم يغفل عما يحدث في العراق وسوريا، وإنما هي إعادة رسم أولويات الأمن القومي، فالتوجه العربي نحو اليمن هو أشبه بالتوجه نحو الأحواز العربي، من حيث أن اليمن هو (جزء) من عمق الأمن القومي للجزيرة العربية، ولكن الأحواز العربي هو العمق (كله) للأمن القومي الإيراني، فدخول إيران للجزء (اليمن) هو مؤشر إضطراري لدخول السعودية للكل (الأحواز)، ولكن في حال خروج إيران من الجزء، هو دلالة ضمنية لطريق خروجها من الكل كمؤشر لهزيمة إيران.
إن معايير القبول والرفض أخذت حيزاً جديداً بعد عاصفة الحزم، حيث انخفضت نسبة قبول الشعب اليمني للحوثيين وأجندتهم الخارجية، وفي المُقابل ارتفعت نسبة قبول الشعب الأحوازي للأجندة العربية في بلادهم، فمؤشرات عاصفة الحزم بأنها غير إصطلاحية وغير جيوسياسية وغير ديموغرافية، هو ما يبحث عنه الشعب الأحوازي العربي بكل أطيافه وأفكاره ذات العرق العربي الأصيل.
إذاً؛ فهم قضية الشعب الأحوازي العربي ومُتطلباته السياسية والجغرافية والثقافية يُمكن الإستشعار به عبر النموذج اليمني. وأن ما قدمه الملك سلمان السعودي هو الجديد، ولم يسبقه أحد من العرب، فصدام حسين حاول صبغ الأحواز بلون الحزبية البعثية، ومن سبقوه بحكم العراق ظنوا بأن خلاص الأحواز العربي باليسارية والإشتراكية، أما جمال عبد الناصر فاختلط عليه حب القومية العربية على حساب القبلية العربية، والتي هي جزءٌ من النسيج الأحوازي.
وأقول مُتمنياً من الإعلام العربي الذي أخذ يتوجه نحو الأحواز العربي، بألا يُخاطب فئة أحوازية واحدة دون بقية الطوائف الأحوازية، والإعتقاد بأن السلفية الأحوازية هي المضطهدة في الأحواز هو أمر غير صحيح، فالسُنة والشيعة مضطهدون في الأحواز العربي، بل وكل من يتكلم اللغة العربية هو مضطهد في الأحواز. فهذا النوع من الخطاب قد يخلق مخاوف عند جميع طوائف الأحواز العربي، وهذا ما تبحث عنه إيران لإشعال فتنة اسمها (شيعة الخليج الفارسي). كما أن التغني بإسم معاناة الطوائف والشعوب، والتي تزيد الفرقة دون أن تسقط الأنظمة، بل إن الحسابات السياسية ضمن التكتلات الإقليمية هو الكفيل الوحيد بإسقاط أكبر وأقوى الأنظمة.
المركز الديمقراطى العربى
للدراسات السياسية والاستراتيجية
كاتب سياسي عربي وباحث في الشؤون الإفريقية
+ There are no comments
Add yours