لا تعد زراعة القمح والشعير، في قطاع غزة، أمرا هينا، بسبب انتشار حقوله، بالقرب من السياج الأمني الفاصل بين القطاع وإسرائيل.
وتحتاج الزراعة في المناطق الحدودية، إلى تدخل “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، التي تجري تنسيقا خاصا مع الجيش الإسرائيلي، لتمكين المزارعين من الزراعة والحصاد.
ويؤكد المزارعون، أن الجيش الإسرائيلي، يستهدفهم خلال عملهم، ويطلق النار عليهم.
وتمنع إسرائيل المزارعين أيضا من زراعة أي أشجار معمرة، أو إقامة دفيئات، بسبب قرب المنطقة من السياج الحدودي، وهو ما اضطر المزارعون إلى زراعة محاصيل موسمية، تعتمد في الري على مياه الأمطار، “كالقمح والشعير والعدس..”.
ويقول المزارع المُسن عثمان أبو روك، “72عامًا”، من سكان بلدة خزاعة الحدودية، جنوبي قطاع غزة، إنه يتوجه يوميًا في الصباح الباكر، برفقة نجله أحمد “33عامًا” ونحو عشرة من العمال، لحصاد محصول الشعير، من مساحة تُقدر بحوالي “ألف متر مربع”، وتبعد عن السياج الحدودي نحو 300 متر فقط.
ويحمل “أبو روك” كيسا على ظهره، ويحصد الشعير بـ”منجل”، وعيناه تراقب بكثب البرج العسكري الإسرائيلي القريب، المشيد من الخرسانة.
ويقول إن الجيش الإسرائيلي يسمح لهم بالعمل لمدة ساعتين فقط، حيث يتعين عليهم أن يحضروا إلى الحقل الساعة السادسة صباحا، والمغادرة في الساعة الثامنة.
ويشير إلى أن الجيش يطلق النار بشكل تحذيري باتجاههم بين الفينة والأخرى، وهو ما يعني أن عليهم المغادرة فورا.
وأدت هذه الإجراءات، بحسب “أبو روك” الذي تحدث لمراسل “الأناضول” إلى تأخر عملية الحصاد، التي من المفترض أن تنتهي خلال يومين فقط، لكنها استمرت لأكثر من أسبوع.
وأشار أبو روك إلى أن حقله تعرض للتجريف من قبل السلطات الإسرائيلية مرات كثيرة، خلال السنوات الماضية.
ويؤكد أنه يمتلك أراض أخرى تُقدر بحوالي (15 ألف متر مربع) لكنه لا يستطيع الوصول إليها كونها تقع على الجانب الآخر من الحدود، حيث حرم من دخولها عقب تأسيس دولة إسرائيل.
وسبق للمسن أبو روك، أن أصيب برصاصة في قدمه، خلال عمله في أرضه، عام 2003، حسبما يقول.
كما تعرض للاعتقال لعدة أيام، من قبل الجيش الإسرائيلي في نفس العام.
ويضيف:” الأرض تعني لنا كل شيء، فهي مصدر رزقنا، ومن غيرها لا نساوى أي شيء، لكن إسرائيل لا تريدنا أن ندخلها”.
ويضيف، وهو يواصل عمله بوتيرة سريعة، رغم علامات الشيخوخة البادية بوضوح عليه:” لا نستفيد من هذه الأرض إلا مرة واحدة في العام، حيث ندخلها مرتين فقط، مرة لزراعة القمح، ومرة لحصاده، كونه يعتمد على ماء المطر”.
وعلى بُعد مسافة قريبة من السياج الأمني، شرقي “أبو روك”، أنهت سهيلة النجار “59عامًا”، برفقة عدد من أبنائها، حصاد حقلها المزروع بالشعير، والبالغة مساحته 4 آلاف متر مربع.
ولا يبعد حقل النجار، سوى “100متر” عن السياج الأمني.
وتمكنت “النجار” من طحن الحبوب والسيقان عبر آلة زراعية مخصصة لذلك.
كما عملت مع أبنائها على تعبئته في أكياس، ونقلها لمنزلهم، الذي يبعد عن الحدود، قرابة “كيلومتر ونصف”.
وتقول “النجار” لمراسل “الأناضول”، وهي تُشير بيدها نحو البرج العسكري الإسرائيلي:” كل يوم نأتي للحصاد يتم إطلاق النار علينا، فبعد حوالي سبعة أيام نجحنا في حصاده، وهو يحتاج وقت أقل، لكن عندما يُطلق علينا النار، نغادر ونعود في اليوم التالي”.
وتضيف:” كل يوم نأتي والموت يتربص بها، والخوف رفيقنا، لكن رغم ذلك لن نترك أرضنا، رغم أنها تدمرت مرات كثيرة، ولم نتمكن من زراعتها سوى موسم واحد أو اثنين في أحسن الأحوال، خشية تدميرها، على يد الاحتلال”.
وعلى غرار أبو روك، تقول النجار، إن عائلتها تمتلك نحو 40 ألف متر مربع من الأرض، على الجانب الآخر من الحدود، تمت مصادرها عقب تأسيس دولة إسرائيل عام 1948.
وتكمل قبل أن تغادر المنطقة على متن عربة تجرها دابة:” إسرائيل لم تكتف بسرقة أرضنا هناك، بل تريد أن تحرمنا مما تبقى لنا منها هنا”.
+ There are no comments
Add yours