حوار: أبوبكر أبوالمجد
السودان.. دولة عربية وإسلامية كبيرة، من حيث المساحة والتأثير، وتنوعها الإثني والعرقي، وثرواتها الكثيرة جعلها دوما في حالة عدم استقرار. وبعد الإطاحة بنظام عمر البشير، صار وضعها أكثر هشاشة، وباتت عرضة لمخاطر أمنية وجيوسياسية أخطر، ومن أجل رؤية أوضح لما جرى ويجري والرؤية المستقبلية لسودان الغد، كان لنا هذا الحوار، مع الباحث في الشؤون الإفريقية، محمد تورشين.
– كيف ترى العلاقة بين السودان وجنوب السودان في الوقت الراهن؟
العلاقه بين السودان وجنوب السودان علاقه إلى حد ما جيدة، خاصة في الآونة الأخيرة بعد توقيع اتفاقيه السلام في 2005، والكل يعلم أن الدولتين كانتا دولة واحدة؛ ولكن نتيجه لاستحقاقات السلام الذي تم توقيعه بين الدولتين اللذين طالما دارت بينهما حروب خاصة على مناطق النزاع النفطية التي كانت واقعة في مناطق جنوب السودان، أو في دولة جنوب السودان حاليًا؛ لكن الآن العلاقة جيدة بين الدولتين.
لكن بعد اتفاق السلام بدا هناك اتفاقيات خاصه بتصدير النفط وتكرير المواد البترولية، وهي التي تحدث قلاقل بين البلدين من حين لآخر، حيث لا زالت هناك مناطق محل نزاع بينهما، مثل منطقة آبي، وكاكا التجارية، وجودة الفخار، والمجينص، وحفرة النحاس، وسماحة والبحر الأخضر؛ لكن في المجمل لا يمكن القول أن العلاقه الآن غير مستقرة حتى مع وجود بعض المناوشات بين البلدين أو على الحدود بين البلدين، سواء من هنا أو من هناك.
لكن هي علاقة مستقرة وهناك دائما مساعي لحل أي مشكلة أو خلاف عن طريق الحوار، وبعيدًا عن المواجهات المسلحة.
– إلى أين يتجه اتفاق جوبا للسلام بين القوى السودانية؟ وماذا جرى في حركة التغيير منذ العام 2019؟
طبعا السودان منذ استقلاله 1955 وشهد العديد من حركات التمرد والاقتتال مع الحكومات المركزية في الخرطوم، وكان ذلك في البداية حكرًا على الجنوبيين، ثم دخلت جماعات أخرى على الخط، مثل مجموعات شرق دارفور، وشرق السودان، وذلك نظرًا للممارسات الفاسدة والقائمة على التمييز بين أبناء السودان، وأبناء مناطق السودان المختلفة.
اتفاق جوبا للسلام حاول إحداث واقع سياسي جديد، خاصة بعد سقوط النظام في إبريل 2019، والذي مهد لهذا الاتفاق.
بدأت المفاوضات صعبة ومعقدة؛ لكن اتفاق جوبا للسلام والذي كان يستهدف إحاطة أو تجميع شمل أبناء السودان، واختلافه عن أي اتفاق سلام سبقه، حيث كان يتم التوقيع في السابق مع الحركة المتمردة في منطقة جغرافية محددة، أما اتفاق جوبا فهو يشمل الجميع، وقسم السودان إلى مسارين:
أولاهما: مسار دارفور وشمل كل الحركات المسلحة التي تقاتل في دارفور، وأبرزها (حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم، وهي حركة إبان تأسيسها على يد خليل إبراهيم، استطاعت أن تصل الخرطوم وكانت تحاول لإزاحة النظام في الخرطوم بالقوة عام 2008؛ لكن باءت كل محاولاتها بالفشل؛ولكن وصولها لأم درمان، كان علامة فارقة.
بالإضافة إلى جيش تحرير السودان، والذي كان قد وقع على اتفاق سابق للسلام في 2006، بدعم من الاتحاد الإفريقي؛ لكنه لم يصمد طويلًا، ثم المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، وهي إحدى الحركات التي خرجت من رحم جيش تحرير السودان بعد الانشقاقات التي حدثت فيه، وهنام حركة تحرير السودان الأن بقيادة عبدالواحد أبوالنور، الذي لم يوقع على الاتفاق، بالإضافة إلى حركة تحرير السودان بقيادة خميس أبوبكر، وهذه أبرز الحركات بالإضافة إلى بعض الحركات الأخرى كفصائل أو حركات محدودة التأثير نوعًا ما.
هناك أيضا حركات وفصائل لم توقع أبرزها، تجمع حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد أبوالنور كما سبق وذكرنا، ومجلس الصحراء الثوري، وحركة العدل والمساواة الجديدة والحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو.
ثانيا: المسار الآخر هو مسار كردفان بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان ويشمل بعض الحركات أيضا التي لم توقع على الاتفاق، ومسار شرق السودان بقيادة الجبهة الشعبية للعدالة وتحرير السودان، ومؤتمر بيجا المعارض، والمشهد حتى الآن أن الواقع لم يحدث فيه تغيير حتى الآن، ولا تزال المعارك القبلية قائمة منذ توقيع الاتفاق وحتى اليوم، لأن كثير من هذه الحركات لا تقبل بالواقع الجديد، إضافة لفشل الحكومة في إحلال السلام في السودان وعدم استكمال الحكومه لاتفاق جوبا للسلام في نقاط منها الترتيبات الأمنية في دارفور، كذلك إنشاء هياكل السلطة الإقليمية في دارفور أو المفوضيات المعنية بالسلام الشامل، وكذلك إعادة فتح المنبر التفاوضي مع الحركات التي لم تكن جزءًا من هذا الاتفاق، وكذلك عدم وجود فاعلية حقيقية لممارسة ضغوط على الأطراف التي لم توقع على اتفاق السلام.
بالإضافة لذلك الاتفاق اكتفى بتحقيق بعض المكاسب بالمجموعات التي وقعت على اتفاق السلام، وتحقيق بعض المكاسب الخاصة بها، وبالتالي فإن الاتفاق لم يحقق أي استقرار أمني على الأرض، أو يحل القضايا والمشكلات التاريخية، باعتبار أن صراعًا كالذي في دارفور، هو صراع قائم على الأرض والموارد، حيث لم يوجد استقرار أمني على الأرض، أو وضع نظام منصف بين الراعي والمزارع، ونتيجة لعدم استقرار الأوضاع السياسية بشكل عام، والصراع الذي حدث بين قوى الحرية والتغيير والحركات المسلحة، ساهم بشكل مباشر في تعقيد الأوضاع.
وكل هذه الاسباب هي التي أدت إلى عدم إحراز السلام الشامل في مناطق السودان واستمرار الحروب أو الاقتتال القبلي بين الحركات المتمرده والفصائل والحركات والجماعات من ناحية، والحكومة المركزية من ناحية أخرى.
– العلاقة بين القوى السياسية والحركات السياسية والجبهة الثورية وبين حركة التغيير المركزية ممثلة في المجلس العسكري؟
المشهد في الحقيقة معقد للغاية، فإذا نظرنا للحركات المسلحة فليس لديها إطار تنظيمي واحد يمكن الاعتماد عليه، أو الانطلاق منه، بحيث أن هناك الجبهة الثورية، وهي تشمل المجلس الانتقالي بقيادة د. الهادي إدريس، عضو مجلس السيادة، والطاهر أبوحجر، تجمع حركة تحرير السودان، بالإضافة إلى ذلك، هناك الحركة الشعبية وبعض الفصائل الأخرى، حتى نكون أكثر إنصافًا؛ لكن هؤلاء أبرز المكونين لهذا التحالف.
كذلك هناك مجموعات أخرى في تحالف آخر يسمى المجلس المركزي (الكتلة الديمقراطية-الحرية والتغيير)، وبتفسير دقيق لها قوى الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية، وهناك الجسم الفاعل المجلس المركزي-قوى الحرية والتغيير، ويضم أحزاب الأمة، والتجمع الاتحادي، وحزب البعث السوداني،وله تأثيره وفاعليته الكبيرة، وهم الذين شكلوا الحكومتين الأولى والثانية، والانقلاب كان يستهدف المجلس المركزي.
على مستوى الجماعات المسلحة فإن الجبهة الثورية مواقفها أكثر مرونةتجاه التعاطي مع العملية السياسية، وهم جزء أساسي من الاتفاق الإطاري، الذي تم توقيعه مؤخرًا في الخرطوم، ومعه تفهمات كبيرة مع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وعلاقتها جيدة جدا مع المؤسسة العسكرية، ومع الكتلة الأخرى، وهي الحركات النشطة في الكتلة الديمقراطية.
إذا هي على توافق مع الجميع مع بعض التحفظات المتعلقة بتنفيذ اتفاق السلام الشامل، ولديهم ملاحظات في مسألة التنفيذ، وأشياء من هذا القبيل فقط لا غير.
وهناك مجموعات أخرى وهي أيضا مهمة جدا، وهي التي معها خلاف مع لمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وهذه المجموعات لديها موقف واضح وهي المجموعات التي تشكل الكتلة اليدمقراطية، وهي متمثلة في حركة العدل والمساواة السودانية، وكذلك حركة تحرير السودان، وهما رافضان للاتفاق الإطاري، وحتى القضايا التي تم طرحها فيما يتعلق باتفاق جوبا للسلام، وبالتالي هذه المجموعة مؤيدة لفكرة الانقلاب، وعلاقتهما بقوى الحرية والتغيير علاقة معقدة بها تخوين وصراعات ورفض تام؛ لكن يصعب على قوى الحرية والتغيير تجاهلها، ولذا فهي على مضض تتحاور وتتفاوض معها سرا وعلانية.
لكن ومع كل هذه التعقيدات أتوقع التوقيع على الاتفاق الإطاري من قبل الحركات التي وقعت على اتفاق جوبا؛لأن هناك ضغوطات الآن تمارس عليها بشكل كبير جدا، وحتى الخيارات باتت محدودة جدا وشبه معدومة.
– وماذا عن ملف سد النهضة؟
فيما يتعلق بسد النهضه فإن موقف الإثيوبيين ثابت وغير قابل للتغيير في كثير من المواقف والاتجاهات؛ بينما الجانب السوداني موقفه هو الأكثر هشاشة والأكثر ضعفًا، حيث لا يوجد أي رؤية سودانية أو إجماع يذكر، بمعنى أنه تم التوقيع على الاتفاق الإطاري في عام 2015 في ظل نظام عمر البشير، وبعد موقف حكومه عمر البشير، كان الموقف غير متزن، فتارة يدعم الاتفاق، وأخرى لا يدعمه، والأدهى والأمر، أنه حتى بعد رحيل هذا النظام ظل هناك تخبطًا؛ رغم أن البعض ظن أن التعاطي قد يكون بشكل مختلف؛ لكن للأسف مورست نفس المنهجية، لذا فالموقف السوداني ضعيف جدا.
وحتى في التنسيق مع الجانب المصري، كان ضعيفًا جدًا ولا يبدو في الأفق أن هناك قدره سودانية على حل هذه القضية، وأنا في تقديري أن إثيوبيا استطاعت أن تفوز بهذه الجولة بشكل كبير جدًا، وأنا في تقديري أن الآثار الجيوستراتيجية لسد النهضة ستكون كبيرة جدًا في قابل الأيام على البلدين، وتأثيره على الأمن المائي والاقتصادي، ولذا فإن حل هذه القضية ربما يكون مع تحقق استقرار حقيقي وحكومه جديدة في السودان، ربما يسهم ذلك بشكل مباشر في تغيير منهجية الحكم وتعاطيها مع الأزمة بشكل إيجابي.
– ما هي رؤيتكم لنهاية هذا الشقاق السوداني ومستقبل الديمقراطية في البلاد؟
الحقيقه أن القوى السياسية قدمت نماذج سيئة فيما يتعلق بالتوافق حول القضايا الوطنية الكبرى، بحيث أن هذا الأمر فتح الباب أمام عديد من الاتجاهات والتيارات في أنها تستهدف السودان، وتعمل على تراجع السودان، حتى التيارات الأخرى الموالية للعسكريين، والتي تريد إضعاف القوى الأخرى لتبقى السيطرة لهم نجحوا في هذه المهمة.
أنا في تقديري أن السودان بحكم تنوعه الإثني والعرقي والتنوع الثقافي والاجتماعي، فمن الضروري بمكان أن الخلافات تعالج في إطار سوداني سوداني، وهذا الإطار يتم من خلال حوار منطقي وجاد وعقلاني، بغية الوصول إلى نتائج تمثل الثوابت الرئيسية في قضايا مهمة، ومحورية، كعلاقة الدين بالدولة، والعلاقات الخارجية، ونظام الحكم، والمواطنة والحقوق والحريات، كلها قضايا مفتاحية ومهمة جدا ينبغي أن تراعى من كل القوى السياسية في السودان، ويتم الاتفاق عليها، لتكون نقطة انطلاق، وحتى لا نظل في صراع مستمر، وعندما يصل كل طرف إلى السلطة يقوم بإحداث تغييرات تمثل توجهاته وقناعاته هو بعيدًا عن الاتفاق العام للشعب.
فإن لم يتم هذا الحوار بقلب مفتوح وبجدية، فسنظل في هذه الدوامة، دوامة الانقلابات وعدم التوافق وعدم الاستقرار، ووجود حكومة في السلطة قبل تشكيلها يعمل آخرون على إسقاطها، وكلها أمور ستنعكس سلبًا على حياة المواطن وستقضي على كل أمل له في حياة كريمة.
+ There are no comments
Add yours