الغرب يضع الصين في الزاوية ويجبرها على تبديد ضبابية موقفها من الحرب الروسية

0 min read

يبدو أن الغرب لم تعد تعجبه ضبابية الموقف الصيني من الحرب الروسية على أوكرانيا، ويصر إصرارًا على وضع بكين في الزاوية وإجبارها على تبديد ضبابية موقفها، وإيضاحه بشكل جلي، إما مؤيد للغرب أو الروس.

عاصمة القرار

برنامج “عاصمة القرار” على قناة “الحرة”، غاص في أبعاد هذا الملف مع برنت سادلر، كبير باحثين في “مؤسسة هيريتدج” الأمريكية في واشنطن، مسؤول سابق عن قسم الصين في البحرية الأمريكية في البنتاغون، وغيترين درو، أستاذ العلاقات الدولية في “جامعة باكنيل” في ولاية بنسيلفانيا الأمريكية.

كما شارك في جزء من الحوار على التوالي: من تل أبيب، جون جونغ، أكاديمي ومحلل سياسي صيني.

ومن موسكو، ستانيسلاف بيشوك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو.

حملت الاتصالات الأمريكية الصينية العديدة، رسالة واضحة جداً من الإدارة الأمريكية، بدأت من: كفى ضبابية وحان وقت إدانة حرب بوتين، وانتهت بالتحذير من “التداعيات والعواقب، إذا قدمت الصين دعماً مادياً لروسيا وهي تشن هجمات وحشية ضد المدن والمدنيين الأوكرانيين”، كما شرح الرئيس الأميركي، جو بايدن، بوضوح لنظيره الصيني، شي جينبينغ، في اتصالهما الأخير.

لقد طلبت روسيا من الصين مساعدة عسكرية في أوكرانيا، بما في ذلك طائرات بدون طيار. وتعتقد الإدارة الأميركية أن المساعدة التي طلبتها روسيا من الصينيين ستكون كبيرة ويمكن أن تغير الأوضاع، حيث لا تزال القوات الأوكرانية قادرة على السيطرة.

لذلك أبلغ مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك ساليفان، الحكومة الصينية خلال اجتماع روما، بأن واشنطن “لن نقف مكتوفي الأيدي ولن نسمح لأي دولة بتعويض روسيا عن خسائرها جراء العقوبات الاقتصادية. لقد أوضحنا لبكين أنه ستكون هناك عواقب للجهود واسعة النطاق الساعية لمنح الكرملين حلاً بديلاً للعقوبات الأمريكية. لن نسمح لذلك بالمضي قدما وإيجاد شريان حياة من أي دولة لروسيا”، بشأن العقوبات الاقتصادية.

إلى ذلك، أضاف وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، “نعتقد أن الصين تتحمل بشكل خاص مسؤولية استخدام نفوذها مع الرئيس بوتين، والدفاع عن القواعد والمبادئ الدولية التي تدعي أنها تدعمها. بدلاً من ذلك، يبدو أن الصين تتحرك في الاتجاه المعاكس من خلال رفض إدانة هذا العدوان، بينما تسعى إلى تصوير نفسها على أنها حكم محايد”.

يعتقد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليم بيرنز، أن “القيادة والرئيس الصيني غير مرتاحين لما يرونه، وبسبب تضرر سمعة الصين من خلال ربطها بالعدوان الروسي البشع على أوكرانيا، وخوف الصين من العواقب الاقتصادية في وقت انخفض فيه مستوى النمو هذه السنة، والسنة التي قبلها، إلى أدنى مستوى منذ ثلاثين سنة”.

ويضيف بيرنز “أن الرئيس شي جينبينغ مضطرب بعض الشيء وهو يراقب الطريقة التي دفع بها الرئيس بوتين الأمريكيين والأوروبيين إلى المزيد من الاتحاد وتقوية الشراكة الأطلسية”.

فهل تخرج الصين من المنطقة الرمادية وتدين حرب بوتين على أوكرانيا؟ وهل يتراجع تحالف الصين – روسيا بسبب غزو أوكرانيا؟

يعتقد غيترين درو “أن الصين في حيرة، فهي تعارض غزو روسيا لأوكرانيا، لكنها، في نفس الوقت غير مستعدة لإدانة هذا الغزو”. ويضيف الخبير الصيني الأميركي، أن “حيرة الصين تتعلق بالسياسة الأمريكية حيالها، فمن جهة تريد واشنطن التعاون مع بكين، ولكنها تعتبرها عدواً وتسميها تهديداً، وهذا ما يبعث على الحيرة في الصين التي تريد علاقة تعاونية وغير صدامية مع الولايات المتحدة، لا علاقة تنافسية”.

ويقول برنت سادلر، إن لدى الولايات المتحدة “قلق مشروع حيال أي دعم قد تقدمه الصين لروسيا في حربها على أوكرانيا، خاصة لناحية تزويدها بمدرعات لنقل الجنود وغيرها من المعدات العسكرية. لكن بكين لن تنقل صواريخ لروسيا”، برأي الخبير العسكري الأمريكي، الذي يدعو الصين والحزب الشيوعي الحاكم فيها إلى “الاختيار بين التموضع مع أمريكا ورفض ومواجهة الاجتياح الروسي لأوكرانيا، أو المواجهة والمنافسة مع الولايات المتحدة” الأمريكية.

ويشدد الباحث الصيني جون جونغ، على أن “عدم الإدانة الصينية لا يعني تأييد بكين لأعمال روسيا في أوكرانيا”.

ويضيف أن “الصين ستقدم مساعدات مادية مع استمرار صادراتها لروسيا، لكن الكلام عن طلب روسيا معدات عسكري من الصين هو كلام مضلل”، برأي الباحث الصيني.

من جهته، يقول الباحث الروسي، ستانيسلاف بيشوك، إن “روسيا لا تتوقع من الصين أن تكون جزءاً من النزاع الروسي مع أوكرانيا”. ويضيف أن “موسكو تعتمد على الصين اقتصادياً لا عسكرياً، وتعول موسكو على استمرار التجارة مع الصين وسط العقوبات الغربية، لكن حاجة روسيا لمساعدات عسكرية صينية هي فكرة غير دقيقة”، حسب تعبير أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو.

ويُشدد السيناتور الديمقراطي، كريس مورفي، على أنه “يمكننا الآن أن نتبنى موقفاً قوياً تجاه الصين إن هي قررت إبرام صفقة عسكرية مع روسيا. لن تكون الولايات المتحدة وحدها من ستجعل الصين تدفع الثمن، بل سيكون هناك طيف واسع من الحلفاء في مجموعة أسسها الرئيس بايدن. أعتقد أن الرئيس بايدن يتعامل بحزم وقوة، وهو ما جعل الصينيين يتراجعون ويعيدون تقييم ما إذا كان من مصلحتهم الاستمرار في الاصطفاف إلى جانب روسيا”.

من جهته، يدعو النائب الجمهوري، مايك غالاغر، إدارة بايدن إلى “التوقف فوراً عن مغازلة الصينيين الذين يحاولون أن يسوقوا أنفسهم كصناع سلام.

لكنهم وراء الكواليس يدعمون بوتين، رجُلهم في موسكو. يجب أن نُعري الدور الصيني في هذا الجانب. هذا التحالف المشكل من أنظمة استبدادية هو مظهر من مظاهر الحرب الباردة الجديدة التي أطلقتها الصين ضد الولايات المتحدة. كلما سارعنا في الإقرار بهذه الحرب الباردة الجديدة كلما أسرعنا في الانتصار فيها”.

صراع ديمقراطيات وديكتاتوريات أم مصالح؟

يقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بوب ميننديز، إن “غزو بوتين لأوكرانيا يظهر للعالم ما هو على المحك حقاً. في هذه اللحظة تقاتل ديمقراطية ولدت من رحم إصرار الشعب الأوكراني من أجل بقائها. بالنسبة للحكام المستبدين تشكل الديمقراطية الليبرالية أيديولوجيا خطرة تهدد سلطتهم وثروتهم”.

ويضيف السيناتور الديمقراطي: “يضمن حكام مستبدون، من فنزويلا وكوبا، مرورا ببلاروسيا وبورما استمرار حكمهم من خلال دعم الصين وروسيا” لهم.

يعتقد برانت سادلر أن عنصر المنافسة بين الدول السلطوية والدول الديمقراطية ليس هو المسألة الوحيدة. فهناك “تموضع بين بكين وموسكو، ورغبة في تكوين بديل عن المنظومة المالية الغربية كالسوفييت مثلاً ومنظمة التجارة العالمية. إضافة إلى رغبة الصين في تعزيز نوع من المنظومة الآسيوية الأوروبية مع روسيا”.

يوافق غيتران درو على ذلك، ويضيف “أن المسألة ليست أبيض وأسود، فهناك أشياء أخرى، من بينها أن الصين تريد المحافظة على مسافة متساوية مع روسيا وأوكرانيا. ولا يمكن للصين أن تخسر روسيا الآن، وهي روسيا هي الدولة العظمى الوحيدة الصديقة لبكين” على حد تعبيره.

من جهتها، تعتبر الكاتبة الأمريكية، آن أبلباوم، أن “العقوبات الغربية لا تخيف تحالف الأنظمة المستبدة بقيادة الصين وروسيا لأنها تعرف أن بإمكانها مواصلة القيام بتبادلات تجارية مع بعضها البعض”.

وتدعو الكاتبة الولايات المتحدة إلى “وضع استراتيجية جديدة تجاه العالم المستبد تتضمن آليات للردع العسكري، وتقويض الآلة الدعائية للدول المستبدة، ووضع حد لقيام الأثرياء المقربين من الحكام الطغاة في هذه الدول، بتبييض الأموال وشراء النفوذ في الغرب”.

ويقول الخبير الأمريكي هاري كازيانيس إن “الصين وروسيا تشكلان محوراً جديداً لتحدي الغرب، وإن الحرب في أوكرانيا ستجعل من روسيا بلداً تابعاً للصين، وهذا هو الثمن الذي سيدفعه بوتين للبقاء في السلطة بعد حربه الكارثية على أوكرانيا”.

ويتوقع الكاتب الأمريكي أن “لا يصمد هذا التحالف مستقبلا لأنه سيصعب على روسيا الاستمرار في الدفع للصين مقابل إنقاذها”.

هل يمكن للحرب الروسية على أوكرانيا أن تشكل حافزاً لتعاون أمريكي صيني أوسع؟ يعتقد غيترين درو ذلك، ويضيف أن “الصين وأمريكا يمكن أن تقودا الجهود الدبلوماسية لجمع الأطراف حول طاولة المفاوضات”.

في المقابل، يعتقد برانت سادلر أن “هناك ابتعاد يتسرّع بين أمريكا والصين، لكن هناك مجالات كثيرة لاستمرار التعاون بين البلدين”.

يقول ريتشارد هاس إن “هذه لحظة حاسمة بالنسبة للصين وعلاقتها بالولايات المتحدة. إذا استمرت الصين في الوقوف إلى جانب بوتين، وإذا قدمت دعماً عسكرياً أو اقتصادياً أو دبلوماسياً لروسيا، فستواجه عقوبات على المدى القصير وعداوة أمريكية عميقة على المدى البعيد”، برأي رئيس “مجلس العلاقات الخارجية” الأمريكي.

فهل حان الوقت بالنسبة للصين لكي تبني علاقة جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية لدعم الاستقرار العالمي، والمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، لا سيما المبدأ الأساسي الخاص باحترام سيادة الدول؟

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours