الضربة الإيرانية لـ”بيشرو دزيي” تكشف العلاقات الكردية التاريخية مع الصهاينة

1 min read

أبوبكر أبوالمجد

 

قبل ستة أيام وجهت إيران ضربة صاروخية مفاجئة لعاصمة شمال العراق “اربيل”، أسفرت عن مقتل رجل الأعمال الكردي “بيشرو دزيي”. هذه الضربة أعادت للسطح حديثًا كاد ينسى عن العلاقات التاريخية منذ 1943 بين الأكراد والصهاينة، ليس فقط في شمال العراق، وإنما في أوروبا وكل أصقاع الأرض.

وأطلقت حينها مواقع مقربة من الحرس الثوري الإيراني تحت هاشتاج (#الصيد_السمين)، بأن رجل الأعمال بيشرو دزيي قد قتل في القصف الصاروخي الإيراني على مقر للموساد الإسرائيلي في أربيل بكردستان العراق، وهو ما نفته السلطة العراقية.

 

استفتاء 2017

 

وقبل التطرق للتاريخ البعيد، تعالوا نتذكر استفتاء 2017، والذي كان الغرض منه فصل شمال العراق”كردستان”، عن وسطه وجنوبه، وهو الذي رفضته دول العالم ومنظمة الأمم المتحدة، ووصل إلى حد تحذيرات أوروبية.

 

غير أن دولة واحدة في العالم فقط وقفت مؤيدة لمطالب الانفصال، ألا وهى “اسرائيل” على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذى قال إن بلاده تدعم ما أسماه بـ “الحق الشرعي” للأكراد في إقامة دولة مستقلة، وهى التصريحات التي تأتى بعد أخرى مماثلة قالها نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق يانير غولان في واشنطن.

 

وصدر في 2018، تقريرًا عن جريدة “الفايننشال تايمز”، كشفت فيه عن اعتماد الكيان الإسرائيلي بشكل شبه كلي على النفط الوارد إليها من إقليم كردستان العراق، حيث بلغت نسبة الواردات 75 في المئة، ما لا يقل عن 19 مليون برميل نفط في عام واحد. بيد أن مسؤولي الإقليم أنكروا هذه التقارير وأعلنوا أنهم يبيعون النفط من أجل الحصول على تمويل يساعدهم على مواجهة داعش ودفع المرتبات.

لكن ما لا ينكر أبدًا هي العلاقات التاريخية الوطيدة بين ساسة الكرد والكيان.

 

علاقات تاريخية

 

علاقة الأكراد بالإسرائيليين بدأت منذ عام 1943 أي قبل قيام الدولة الإسرائيلية، وتعمقت بعد قيام الدولة العبرية، وقامت إسرائيل بمساعدة الأكراد في معاركهم مع الأنظمة العراقية منذ أيام الملكية وما بعدها، وقد أمدتهم أكثر من مرة بالسلاح والأغذية والمعونات الصحية، والأموال، وان ممثلين من الموساد الإسرائيلي زاروا المواقع الكردية في شمال العراق في فترة الستينيات، وكانت الاتصالات بينهما تتم عبر طهران في ظل حكم الشاه وعبر العواصم الأوروبية وخاصة في باريس ولندن. وأن زعيم الأكراد الراحل مصطفى البرزاني زار إسرائيل مرتين والتقى هناك بالقيادات الإسرائيلية وقيادة الموساد في فترة الستينيات.

 

وكشف كتاب شلومو نكديمون وهو يهودي أمريكي تابع هذا الملف الكردي الإسرائيلي في كتابه.. “الموساد في العراق ودول الجوار، انهيار الآمال الإسرائيلية الكردية، ترجمة بدر عقيلي.. الناشر        عمان: دار الجليل للنشر والدراسات والابحاث الفلسطينية،تاريخ الإصدار 1997، أن هدف الأكراد منذ سنين طويلة هو بناء الدولة الكردية، وقد بدأ الملا مصطفى البرزاني الزعيم الكردي السابق العمل لتحقيق هذا الهدف منذ عام 1943 وهو العام الذى هرب فيه من السليمانية الى برزان مسقط رأسه وإعلان العمل ضد حكومة العراق.. وبدأ بحرب العصابات ضد الجيش العراقي والجندرمة العراقية ونجح في احتلال بعض المواقع الحدودية.

 

وانضم إليه الكثير من القبائل الكردية، كما انضم إليه أكراد يعملون في الجيش العراقي، وطالب الأكرادُ بحكم ذاتي واستجاب لهم السفير البريطاني، كما استجاب نورى السعيد رئيس الحكومة العراقية في ذلك الوقت لمطلبهم، وكلف وزيرًا كرديًا في حكومته بفتح حوارات مناسبة بهذا الموضوع وعلى أثر ذلك طالب البرزاني بتشكيل لواء كردستاني في العراق بحيث يتضمن المدن الكبيرة مثل كركوك والسليمانية وأربيل ودهوك وخايكين والمناطق المتاخمة لها، كما طالب بتعيين وزير مسئول عن هذ اللواء وتعيين نائب كردى لكل وزير ومنح الأكراد حكمًا ذاتيًا في مجالات التربية والتعليم والاقتصاد والزراعة، إلا أن معظم وزراء نورى السعيد رفضوا هذه المطالب.

 

مع رفض هذه المطالب علا اسم البرزاني، وأنشأ منظمة سياسية باسم مجموعة الحرية، بهدف الضغط على الحكومة العراقية لتمكينهم من الحكم الذاتي. وراحت هذه المنظمة تقوم باتصالات خارجية وشنت دعاية مضادة ضد الحكومة، وأجرت اتصالات مع السفير الأمريكي وشكت له من الحكومة العراقية ومن بريطانيا، كما طالبت بالحصول على الدعم الأمريكي وأعربت عن تبنيها لمبادئ ودور ويلسون الأربعة عشر والتي تتضمن في أحد بنودها على حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها.

 

بداية العلاقة بالصهاينة

 

وسط هذه الأجواء كان السوفييت يشجعون الآمال الكردية وساعدوهم عام 1946 في إقامة كيان كردى، ولجأ البارزاني، إليهم بعد أن صدر عليه حكم بالإعدام، ولهذا تشكك فيه الأمريكان.

 

وفى فترة الخمسينيات بدأت العلاقات مع اسرائيل تأخذ شكلًا عمليًا خاصة بعد أن وافق عبد الكريم قاسم على قيام الحزب الديمقراطي الكردي بزعامة مصطفى البرزاني، واعترف بالحقوق الوطنية للأكراد وصادق على إصدار 14 صحيفة كردية.

 

إيران وسيط العلاقات

 

نشطت العلاقات بين مصطفى البارزاني، وجهاز المخابرات الإسرائيلي عن طريق جهاز السافاك الإيراني، وعلى أثر المعارك التي خاضها مع الجيش العراقي عام 1961 طلب من الكيان أسلحة وذخائر وأدوية لمعالجة الجرحى الأكراد وتقديم المساعدة لإنشاء محطة إذاعة كردية جديدة، وفى هذه الفترة كانت الاتصالات مع اسرائيل تتم عن طريق ثلاث قنوات أولها المخابرات الإيرانية، وثانيها نشاط الأكراد في أوروبا مع السفارات الاسرائيلية وثالثها علاقة البرزاني بصديقه القديم موريس فيتشر سفير اسرائيل في روما.

 

ولفت “نكديمون” في كتابه، إلى أن البرزاني رأى ضرورة الاتصال بإسرائيل بشكل مباشر منذ عام 1963 لتساعده في تحقيق حلم الأكراد بناء حكم ذاتي بعد أن فشل مع الحكومات العراقية، ولتحقيق ذلك استعان بالإسرائيليين الذين تربطهم علاقات جيدة مع إسرائيل في ذلك الوقت.

 

وكانت إيران قد اعترفت بإسرائيل عام 1950، فاستعان بشخص يدعى بدير خان من المخابرات الأيرلندية الذى أجتمع مع بن جوريون وجولدا مائير ورئيس الأركان تسفى زماير ومائير عميت رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وقتها كان عدد الأكراد في العراق 2 مليون نسمة وفى سوريا 600 ألف كردى وفى إيران 4 مليون و6 مليون في تركيا و60 ألف في روسيا، وفى بريطانيا 800 طالب كردى.

 

كانت الفترة الذهبية لهذه العلاقات مع بدء الحرب “العراقية – الكردية الأولى”، والتي وقعت ما بين 1961 و1971، حين قاد مصطفى برزاني، والد رئيس الإقليم الكردي الحالي حربًا في مواجهة الدولة طلبًا في الانفصال، حينها لم يمانع “البرازاني” الأب في استقبال كافة أشكال المساعدات الإسرائيلية في حربه هذه.

 

وأرسلت إسرائيل مساعدات للأكراد سواء أسلحة خفيفة أو مستشارين عسكريين من الموساد، وكذلك مجموعة من الأطباء لدعم الحرب الكردية ضد الدولة العراقية.

 

بعد الهزيمة الكبرى للعرب عام 1967، زار مصطفى برزاني، وعدد كبير من القيادات الكردية إسرائيل، وناقشوا خطوات تصعيد الحرب الكردية ضد الدولة العراقية، فبينما كانت إسرائيل تغير على المدن العربية وتقتل العشرات من أبناء الشعوب العربية كل صباح، كان مصطفى برزاني يقف مصافحًا موشيه ديان، متلقيًا كل الدعم منه.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours