شيئا فشئياً تختفي ألوان الأزهار البرية، وتتقلص مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في قطاع غزة، أمام عشرات الأبراج السكنية والزحف العمراني داخل شريط ضيق على شاطئ البحر المتوسط يقطنه قرابة مليوني شخص.
وأصدر مركز العمل التنموي “معا” (مؤسسة فلسطينية غير حكومية تهتم بالبيئة) في 18 مارس/آذار الماضي دراسة حذّر فيها من أن ظاهرة التصحر من أكثر المشاكل التي باتت تواجه البيئة في قطاع غزة.
وقالت الدراسة إن قطع الأشجار في ظل الزيادة الكبيرة في عدد سكان القطاع وبناء الوحدات السكنية والمشاريع العمرانية، بات سمة دارجة في الوقت الراهن.
وتوقعت الدراسة أنه وخلال عقدين من الزمن قد يصبح قطاع غزة شبه خالي من الأشجار، أمام الزحف العمراني والتوجه نحو المشاريع التي يرى فيها كثيرون منفعة اقتصادية.
وفي مطلع يناير/ كانون ثان الماضي، أصدرت الإدارة العامة للأحوال المدنية في وزارة الداخلية التي تشرف عليها حركة حماس بغزة، إحصائية أظهرت ارتفاع عدد سكان القطاع، إلى مليون و957 ألفًا، و194 نسمة.
وبحسب الإحصائية، فقد شهد عام 2015، تسجيل أسماء 53 ألفًا و729 مولودًا جديدًا، إلى المنطقة التي تعتبر واحدةً من أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان في العالم.
ووفقاً للزيادة السكانية المنتظمة في قطاع غزة، من المتوقع أن يصل تعداد السكان إلى مليوني نسمة مع حلول شهر أكتوبر/ تشرين أول المقبل، بحسب الإحصائية.
ووفق وزارة الأشغال والإسكان الفلسطينية، فإن القطاع يشهد ارتفاعًا في عدد السكان في ظل أزمة السكن وضيق المساحة.
وتقول الوزارة إن قطاع غزة يحتاج سنوياً إلى أكثر من 17 ألف وحدة سكنية جديدة.
ناهض (55 عاماً) مزارع يملك أرضاً زراعية ورثها عن أبيه تُقدر بنحو 3 دونمات (الدونم يساوي 1000 متر مربع)، يقول للأناضول إنه اضطر لبيعها لصالح إحدى الشركات، بعد أن ساءت ظروفه الاقتصادية.
ويقول المزارع الذي فضل ذكر اسمه الأول: “أحتاج إلى كثير من المال كي أعتني بالخضروات والفواكه المزروعة، لهذا قررت بيعها كي أستفيد اقتصادياً وأتمكن من توفير حياة كريمة لأسرتي المكونة من 12 فرداً”.
ويضطر كثير من السكان الذين ورثوا أراضٍ عن آبائهم وأجدادهم لبيعها مقابل الحصول على مال يحسن ظروفهم المعيشية.
ووفقًا لتقارير أعدتها مؤسسات دولية، فإن 80% من سكان القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ عام 2006، باتوا يعتمدون، بسبب الفقر والبطالة، على المساعدات الدولية من أجل العيش.
وحجم التزاحم السكاني في قطاع غزة يعتبر الأعلى على مستوى العالم، بنسبة كثافة تبلغ 4661 فرداً لكل كيلو متر مربع، بحسب تقرير صادر عن جهاز الإحصاء الفلسطيني المركزي (حكومي).
ويقول نزار الوحيدي، مدير عام التربة والري في وزارة الزراعة الفلسطينية، إن هناك مجموعة من العوامل ساهمت في تفاقم مشكلة التصحر، أهمها الزيادة السكانية المطردة، والتوسع في الأنشطة التجارية والصناعية.
ويضيف الوحيدي في تصريحه للأناضول “مساحة المناطق الزراعية في قطاع غزة عام 1999 بلغت 258.33كم2، وفي عام 2011 بلغت نحو 228 كم2، أما في عام 2016 فأصبحت 173 كم2”.
ويوضح أن مساحة المناطق الزراعية المجرفة من عام 1999-2011 بلغت نحو 63كم2، فيما المساحات العمرانية خلال الفترة نفسها بلغت 88كم2 (من بينها نحو 38% من الأراضي كانت مزروعة).
وبات من الملاحظ حالياً انتشار عشرات المنشآت السياحية، كالفنادق والمطاعم في القطاع.
وبحسب الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق والخدمات السياحية بغزة، يبلغ عدد المنشآت السياحية في القطاع نحو 180 منشأة ما بين فندق ومطعم ومدينة ألعاب ومنتجع موزعة على مختلف المحافظات، من بينها 22 فندقاً.
وكشفت دراسة أصدرتها سلطة جودة البيئة الفلسطينية في السابع من الشهر الجاري، عن تأثر التربة بالقصف الجوي الإسرائيلي خلال التجريف والتوغل، والحروب المتكررة ما أفقد التربة سماتها الطبيعية.
وجاء في الدراسة التي اطلعت الأناضول على نسخة منها أن “الاجتياح الإسرائيلي لكثير من الأراضي الزراعية باستخدام الآليات الثقيلة مثل الدبابات والجرافات دمّر سطح التربة، وأدى إلى تغيير صفاتها الطبيعية والكيميائية والحيوية، وقد تكون هذه الآثار مسّت بخصوبة تلك الأراضي محولة إياها إلى أراضٍ بور (غير مزروعة) أو ذات إنتاجية متدنية وبالتالي تصحرها”.
وشنت إسرائيل على غزة ثلاث حروب خلال ست سنوات، أسفرت عن مقتل وإصابة آلاف الأشخاص، وهدم آلاف المنازل، وتجريف آلاف الدونمات.
وتقول وزارة الزراعة الفلسطينية إن قيمة الخسائر والأضرار الأولية في القطاع الزراعي جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة (صيف 2014)، تقدر بـ 550 مليون دولار أمريكي، وأن أكثر من نصف المساحة الزراعية تعرضت للجفاف والتدمير.
+ There are no comments
Add yours