الأدب في أوكرانيا.. ملامحه وخصائصه

1 min read

بقلم أ.د- دينا محمد عبده

يعتبر الأدب الأوكراني هو ذلك الأدب المكتوب باللغة الأوكرانية، وفي بعض الحالات هو الأدب المكتوب بلغات مختلفة ولكن ينتمي إلي مؤلفين أوكرانيين.

تعتبر أعمال كل من إيفان فيشنسكي و ميليتي سموتريتسكي هي أبرز ما يميز الأدب الفني الأوكراني في العصور الوسطي والذي ينتمي لفترة ما يعرف باسم عصر الباروك. وقد انتشرت ثقافة الباروك في جميع أنحاء أوروبا في ذلك الوقت بقيادة البابا والحكام الكاثوليك ونتيجة لذلك أحيي الفنانون الموضوعات الدينية مرة أخري للجمهور بعد أن انصرف عنها عصر النهضة، وقد تميزت الأعمال الأدبية والفنية بتفاصيلها المبتكرة. أما ذروة الأدب الأوكراني القديم فهو يعتبر إبداع الشاعر والفيلسوف جريجوري سكوفورودا (1722-1794) م الذي كان يطلق عليه سقراط الروسي والذي جاب جميع الأراضي الأوكرانية وأوروبا الوسطي. كانت ة السعادة هي المشكلة الكبرى التي تتقاطع مع فلسفة سكوفورودا.

جريجوري سكوفورودا

 في نهاية القرن الثامن عشر، مثلت قصيدة إيفان كوتلياريفسكي الساخرة الزائفة (إنيدا) ظهور لأحدث لغة أدبية أوكرانية وبداية للأدب الأوكراني الحديث. حمل هذا العمل بداخله جوهر الفن الفكاهي الأوكراني وعكس حياة الشعب.

 تأثر كوتلياريفسكي بالعديد من الأدباء وخاصة فيما يعرف بأدباء حلقة خاركوف التي ينتمي لها جريجوري كفيتكا مؤسس النثر الأوكراني الذي رفض اقتصار استخدام اللغة الأوكرانية على الأنواع الأدبية الكوميدية وقد اتجه في إبداعه إلي الموضوعات العاطفية.

 يعتبر القرن التاسع عشر هو عصر تكوين الهوية القومية والوعي الوطني الأوكراني. حيث يعد ديوان شعر (كوبزار) للشاعر تاراش شفتشنكا الذي صدر 1840م بمثابة إعلان عن الاستقلال الفكري والأدبي للأوكرانيين، وقد أدي إبداع شفتشنكا إلي تطور الأدب الأوكراني لعقود عديدة فيما بعد ليس فقط في الشعر وإنما في النثر والمسرح، ويمثل إبداعه كذلك مرحلة هامة في تطور اللغة الأوكرانية الفصحي بعد أن تم توليفها بلغة شعبية حية، كما أنه أثري الإمكانات التصويرية للكلمة الفنية الروسية. يعتبر اسم تاراس شفتشنكا رمزا للثقافة الأوكرانية في العالم.

                                                                                تاراس شفتشنكا

تشكلت العملية الأدبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تحت تأثير أعمال مجموعة كاملة من الكتاب الموهوبين أمثال إيفان فرانكو، ليسيا أوكرانكا ، ميخائيل كوتسيوبينسكي، إيفان نيشوي ليفيتسكي، ماركو فوفتشوك، باناس ميرني، أولغا كوبيليانسكايا، بوريس جرينشينكو وغيرهم وقد تميز الأدب في هذه الفترة بتنوع الاتجاهات الأدبية والأساليب الفردية في الكتابة واستخدام الأنواع الفنية المختلفة مثل الروايات الملحمية والروايات والنوفيلا والقصص الطويلة والقصيرة والمقالات الأدبية. وقد مارس معظم الأدباء في هذه الفترة نشاطا سياسيا وتنويريا واسعا.

 

يعتبر إيفان فرانكو (1856 – 1916) أحد أبرز رموز الأدب الأوكراني علي الإطلاق، فقد اكتسب شهرة واسعة ليس فقط محلية وإقليمية وإنما عالمية، فهو شاعر وكاتب نثري وكاتب مسرحي وناقد أدبي وصحفي ومنظر ومترجم. بلغ الإرث الإبداعي للكاتب ما يقرب من 50 مجلد، كما يعتبر من أوائل المترجمين الذين نقلوا الأعمال الفنية العالمية إلى اللغة الأوكرانية (جوته و هاينريش هاينه وبايرون)

                                                                                 إيفان فرانكو

مع مطلع القرن العشرين بدأ الأدب الأوكراني يتشكل تحت تأثير تيارات الحداثة وقد انعكس ذلك في إبداع جيل جديد من الأدباء على رأسهم الشاعرة ليسيا أوكراينكا (1871-1913) والأديب ميخائيل كوتسيوبنسكي (1864-1913). فقد أثرت الشاعرة الأدب الأوكراني بالعديد من الصورة العالمية والموضوعات التاريخية وأساطير العصور والشعوب المختلفة، بالإضافة إلي قيامها بترجمة كنوز الأدب العالمي إلي الأوكرانية، فقد ترجت أعمال هوميروس وهاينريش هاينه وشكسبير وبايرون وفيكتور هوجو والأغاني الشعبية المصرية والإيطالية والملاحم الهندية.

 أما ميخائيل كوتسيوبنسكي هو مؤلف الرواية المشهورة عالميًا “ظلال الأجداد المنسيين”، حيث قام بدمج الواقعية في وصف حياة الفلاحين مع الإدراك الشعري للحياة.

  ليسيا أوكراينكا

 بعد اندلاع الثورة البلشفية الكبرى تميزت العملية الأدبية في أوكرانيا بالتعقيد مثلها مثل جميع شعوب الاتحاد السوفيتي السابق ومع ذلك فقد تلقي الأدب في أوكرانيا تدعيما من الدولة وشهد ازدهارا غير مسبوق، حيث ازدهرت العديد من المدارس والأساليب والاتجاهات الأدبية وذلك من جانب أنصار البروليتارية الراديكالية التي دعي منظروها إلى تأسيس ثقافة بروليتارية بحتة. أمثال إيلان – بلاكيتي وإجنات ميخايليشنكو وميكولا خفيليفا وكذلك الكلاسيكيين الجدد بقيادة نيكولاي زيروف. لكن لقي معظم هؤلاء حتفهم بسبب موجات القمع السوفيتية. في الفترة 1938-1954 تم قمع حوالي 240 كاتبًا أوكرانيًا على الرغم من أن العديد منهم كانوا من أنصار السلطة السوفيتية وقاتلوا من أجلها وأصبحوا كتابًا بعد الثورة.

 قُتل العديد من الأدباء الأوكرانيين رميا بالرصاص، وتوفي بعضهم في المعتقل، وظل مصير بعضهم بعد الاعتقالات مجهولاً. تم القبض على الشاعر مكسيم ريلسكي، المعترف به من قبل السلطات السوفيتية، وقضى 10 سنوات في المعسكرات بتهمة المشاركة في المنظمة العسكرية الأسطورية الأوكرانية. كما تم إطلاق النار على جريجوري كوسينكا ونيكولاي زيروف ونيكولاي كوليش ويفجيني بلوجنيك وميخائيل سيمينكو. كما انتحر ميكولا خفيلوفي الذي حاول إنقاذ العديد من رفاقه. كما تم حظر مسرح “بريزيل” التجريبي واعتقال زعيمه – المخرج العالمي الشهير ليس كورباس وإطلاق النار عليه.

 على الرغم من الإطار الصارم لأسلوب الواقعية الاشتراكية السائد في الحقبة السوفيتية، تمكن الكتاب الأوكرانيون من خلق أدب لم يفقد أهميته حتى اليوم. ولعل الشاهد علي ذلك أعمال بافيل تيتشينا ، مكسيم ريلسكي ، فلاديمير سوسيورا ، ألكسندر دوفجينكو ، ألكسندر جونشار وآخرين.

 أما في ستينيات القرن الماضي، وبفضل سياسة ذوبان الجليد التي انتهجها خروتشوف و تحرر الحياة الاجتماعية والسياسية في أوكرانيا، نشأت حركة فنية قوية أطلق على ممثليها فيما بعد “الستينين”. كان الستينيون يبحثون عن أشكال جديدة من الإبداع واستيعاب جديد للتجربة الوطنية في إطار النظام الشمولي. شمل هذا الجيل فاسيلي ستوس ولينا كوستينكو وفاسيلي سيمونينكو وغريغوري تيوتيونيك وديمتري بافليتشكو وإيفان دراش وآخرين. ولكن أدي النشاط المدني والاجتماعي إلي اعتقال العديد من الأدباء ونفيهم. كما اجتاحت في السبعينيات موجة جديدة من الاعتقالات الجماعية للمثقفين الأوكرانيين وأدين العديد من الكتاب البارزين بـ “التحريض ضد السوفييت”. وقد هدأت تلك الموجات في أوائل التسعينيات مع انحلال الاتحاد السوفيتي.

 تميز أدب المهاجرين الأوكرانيين بالتنوع والثراء وقد ابتكره هؤلاء المهاجرون خلال القرن العشرين ويعتبر إيفان باجرياني ، وفاسيلي باركا ، وبوجدان بويتشوك من أبرز ممثليهم.

 وبنظرة إلي الأدب الأوكراني المعاصر يمكن القول أنه أصبح أقل شهرة بين آداب العالم حتي بين الشعوب السلافية والجرمانية والرومانية، علي الرغم من العديد من التغييرات التي حدث في العصر الحالي. ولكن تنعقد الآمال علي أن الأعمال الأدبية الأوكرانية ستصبح أفضل مستقبلا وستصبح أكثر شهرة، لكن ليس بالطبع مثل تلك الشهرة التي يتمتع بها الأدب الروسي أو الإنجليزي أو الألماني فأوكرانيا لا تملك أدباء في شهرة تولستوي أو مارسيل بروست أو توماس مان .

 تجري عملية ترجمة الأعمال الأدبية بشكل جيد خاصة من الإنجليزية، ولازالت العملية الأدبية تتبلور حتي تتخذ ملامحا خاصة في القرن الحادي والعشرين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours