المسلمون والمسيحيون بإفريقيا الوسطى.. فرحة المصالحة تتغلّب على مرارة الانقسام

1 min read

انكسر الخطّ الأحمر الذي كان، إلى وقت قريب، يفصل مسلمي “بودا” بإفريقيا الوسطى، عن مسيحييها.. ففي هذه المدينة الواقعة على بعد 200 كم غرب العاصمة بانغي، والتي كانت تعتبر بؤرة توتّر طائفي بامتياز، تستقبل اليوم نسائم المصالحة، لتستعيد الطائفتان قنوات الاتصال بينهما، في مشهد يبرهن على أنّ هذا البلد الذي تهزّه الأزمة الطائفية منذ 2013، تمكّن أخيرا من استرجاع سلامه الداخلي.

زولايي تانكو، إحدى القيادات النسائية لمسلمي بودا، قالت للأناضول، إنّ “الوضع السائد اليوم يجعلنا نتساءل باستغراب: لماذا كنّا نتقاتل لأكثر من عام؟ عموما.. يكفينا أننا صنعنا السلام في الوقت الراهن، ونحن على الأقل نعرف لماذا فعلنا ذلك، السلام أمر حيوي”.

بضعة آلاف من المسلمين الذين يشكّلون أقلية في هذه المدينة كما في البلاد (10 % تقريبا)، عانوا من حصار تواصل لأشهر عديدة.. جدران غير مرئية لسجن بسماء مفتوحة رسمت حاجزا بين الطائفتين في بودا، هذه المدينة المنجمية الواقعة جنوبي البلاد. 

ففي ظلّ غياب الدولة، بدا التعايش بين الطائفتين مستحيلا، غير أنّ حضور السلطات الإدارية اليوم في هذه المنطقة، ممثّلة في الدرك والشرطة والمحكمة، يؤشّر على عودة سلطة الدولة، وهذا ما لم يكن متاحا في العامين الماضيين، الفترة التي تزامنت مع الأزمة.

قائد لواء الدرك في بودا، بيفي رامو،عقّب من جانبه، عن التطوّر المسجل في هذا الصدد بالقول إنّ “الوضع الأمني تحسّن بشكل كبير مقارنة بشهر سبتمبر/ أيلول الماضي، تاريخ تسلّمي لمهامي في هذه المدينة. فإلى جانب العناصر الـ 13 المكوّنة لكتيبتي، وبدعم من عناصر الشرطة والقوة الأممية (مينوسكا)، عملنا بجهد من أجل القضاء على مفتعلي الإضطرابات وتحقيق السلام”.

وأضاف، في تصريح للأناضول، أنّ حوادث السطو والإغتصاب وغيرها من الإنتهاكات تنضمّ إلى النزاع والتوتّر الطائفي لتفرض مناخا محتقنا، ولذلك، “بدأنا بالبحث واعتقال اللصوص وإرسالهم إلى سجن بانغي، فكان أن انخفضت وتيرة التهديدات، ما سمح بحرية التنقّل للطائفتين”.

تانكو عادت لتؤكّد بأنّ “السلام لا يقدّر بثمن.. ففي السابق، كنا نعيش بدون قانون، وكلّ شخص يقوم بما يراه مناسبا، لكن، وبفضل الله، عادت سلطة الدولة إلى بودا، وعاد معها الأمن، لكن يبقى بالنسبة لنا البحث عن سبل تعزيز هذا السلام الذي لا يزال وليدا وهشّا، سيّما وأنه توجد علامات جيّدة تؤشّر على تغيير حقيقي”.

ودليلا على هذا التحوّل الجذري الذي تعيشه بودا في هذا الإطار، فإنّ ميليشيات “أنتي بالاكا” المسيحية، والتي تعدّ مسؤولة عن الإنتهاكات التي طالت المسلمين خلال الأزمة، غيّرت من لهجتها في خطاباتها، من ذلك ما جاء على لسان فرانك إرنست يانغايونغي، أحد قيادات هذه الميليشيا.

يانغايونغي قال في تصريح له: “بالأمس، خضنا معركة ضارية ضدّ المسلمين، ولقد تقاتلنا دون أن ندرك بالضبط موطن خلافنا.. (أما) اليوم، فإنّ الوقت حان للسلام، وتماما مثلما كنت أوّل المقاتلين، ها أنا أيضا أول المعارضين لأيّ شخص يسعى لأن يشكّل عقبة بالنسبة للمسلمين”.

يانغايونغي أضاف أنّ “أشقائنا” (في إشارة إلى المسلمين)، يجوبون أحياء غير المسلمين دون قلق تماما مثلنا نحن المسيحيين”.

مصالحة تجسّدت في الكثير من المجالات بينها الرياضة. عبد الرحمان عثمان، مدرّب رياضي محلي، قال إنه “في كلّ مرة نلعب فيها، نقوم بتشكيل فرق مشتركة تضم مسلمين ومسيحيين، ولذلك، لديّ قناعة راسخة بأنه من خلال الرياضة، سيتجسّد، وبشكل سريع، مفهوم التماسك الاجتماعي من جديد هنا في بودا”.

مكتسبات هامة تظلّ في حاجة إلى تعزيزها عبر تحقيق انتعاشة اقتصادية، بحسب شهادات متفرقة للأناضول، لفاعلين من مختلف القطاعات في هذه المدينة المنجمية، والشهيرة بأنشطتها ذات الصلة بالاستغلال التقليدي للماس، والذي لطالما احتكره الفاعلون الاقتصاديون من المسلمين، خصوصا وأنّ القطاع لا يزال يعاني رغم عودة السلام وتعزيز التماسك الاجتماعي بين الطوائف. 

سيرج فونغا ندومورو، الأمين العام لمحافظة بودا، لفت من جانبه إلى أنّ “انتعاشة قطاع الماس بطيئة نظرا للحظر المفروض على البلاد، ومع ذلك، توجد اثنان من مكاتب شراء الماس المفتوحة، وتستعدّ للدخول حيّز النشاط، وهذا يمضي لصالح الرفع الجزئي للعقوبات المفروضة على المناطق الغربية لإفريقيا الوسطى”. 

وعلاوة على الماس، تتمحور الأنشطة الإقتصادية في إفريقيا الوسطى حول التجارة والزراعة إضافة إلى تربية الماشية، والتي يمارسها شعب “الفولاني” (أقلية عرقية غالبيتها من المسلمين). فهؤلاء الرعاة الذين فقدوا جميع مواشيهم تقريبا خلال أزمة طائفية تسببت في مقتل وتهجير وتشريد الآلاف، يعانون من “هشاشة”جراء الخسائر التي تكبّدوها، على حدّ تعبير المسؤول المحلي. 

وضع رفع من سقف إنتظارات هذه الأقلية من الحكومة الجديدة. موسى راهيب، أحد الرعاة الفولانيين، ممّن يعتمدون حدّ التبعية على المساعدات الإنسانية، أعرب، نيابة عن الفولانيين، عن أمله في أن تقوم السلطات بتنفيذ برنامج أثبت نجاعته في البلاد في الماضي، لتمكين الرعاة الفولانيين من استئناف أنشطتهم.

“إنّ ما يمكنه أن يثير ارتياح الفولانيين بالفعل في مدينة بودا”، يتابع موسى للأناضول، “هو أن تستأنف الدولة عملها ببرنامج اعتمدته في السابق، ويشمل منح الرعاة 5 من رؤوس الماشية على الأقل، وإثر مرور 5 سنوات، تسترجع الدولة ماشيتها، وتترك ما زاد عنها او الفائض للرعاة”. 

من جهته، إعترف فونغا ندومورو، بأن جملة التحديات المذكورة “شديدة الإرتباط” باستدامة المصالحة في بلد يعتمد اقتصاده بشكل كبير على الزراعة والثروة الحيوانية، سيما وأن هذه القطاعات كانت تساهم، قبل الأزمة، بـ 55 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. 

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours