الأوضاع الأمنية وانخفاض المساعدات الخليجية وراء أزمة الدولار
مضاربات سوق الصرف على سعر الجنيه فاقم الأزمة
البنك المركزي خفض سعر الجنيه لمواجهة السوق السوداء
إجراءات المركزي لأزمة الدولار “مؤقتة” وتسبب التصخم
الجهاز الإداري للدولة يعوق حركة الاستثمار والقوانين تحتاج للتعديل
قروض الخارج أموال ساخنة وتمثل خطر على الاقتصاد المصري
القيمة المضافة ضرورية.. ولابد من مساهمة شعبية لتحقيق التنمية
رغم العقبات الكبيرة.. الاقتصاد في حالة ديناميكية متحركة والأوضاع في تحسن مستمر
هناك قوى خارجية لا تريد لمصر التنمية والاستقرار
قال الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد المصري الأسبق، في حواره الخاص لـ”آسيا اليوم” إنّ أزمة الدولار الموجودة حاليًا جاءت بسبب سوء أوضاع البلاد السياسية والأمنية، بالإضافة إلى سياسة هيكل سوء الصرف الخاطئة، مؤكدًا أنّ سياسات البنك المركزي لحل الأزمة جيدة لكنها مؤقتة.
ولفت السعيد أنّ الوضع الاقتصادي المصري ديناميكي متحرك، رغم الصعوبات التي تواجهه، مشيرا إلى أنّ أزمة الدولار تحتاج لحل ثوري متمثل في إلغاء السوق السوداء والاستيراد بالجنيه المصري.
بداية.. ما تقيمك لأزمة الدولار التي ضربت السوق المصري؟
أزمة الدولار الموجودة حاليا جاءت نتيجة عدة أسباب أهمها، أن مصر في الفترة الأخيرة تعرضت لظروف اقتصادية وأمنية وسياسية أدت إلى ضعف مواردها من النقد الأجنبي، إذ أن إيرادات السياحة انخفضت إلى حد كبير، كما انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة والغير مباشرة، بل كان هناك خروجا للكثير من هذه الاستثمارات من البلاد، في وقت ارتفعت الواردات بدرجة كبيرة جدا مقابل انخفاض الصادرات، وهو ما أدى إلى وجود عجز كبير في ميزان المدفوعات.
ولماذا ظهرت الأزمة في هذا التوقيت بالتحديد؟
ساهمت المساعدات الخليجية من السعودية والإمارات والكويت إلى حد كبير في تخفيف حدة هذه الأزمة في السنوات الأولى من قيام ثورة 30 يونيو وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام قيادة البلاد، لكن هذا العام اختفت هذه المساعدات بسبب الظروف الاقتصادية الدولية وحروب اليمن وسوريا والعراق، الأمر الذي أدى إلى ضغط العجز الكبير الموجود في ميزان المدفوعات على سعر الجنية، فكانت النتيجة كما نرى عدم توافر النقد الأجنبي بكميات مناسبة لحل الأزمة.
وماذا عن دور سوق الصرف؟
تسبب هيكل سوق الصرف في تضخيم الأزمة بسبب سماحه بحدوث مضاربات على سعر الجنيه المصري عندما يكون هناك عجز، كما أن هيكل سوق الصرف في مصر يتكون من سوقين، الأول سوق تعامل داخل الجهاز المصرفي وسوق آخر نسميه السوق الحر أو السوق السوداء، وهو الذي يتعامل فيه تجار العملة والصيرفية.
هل للسوق السوداء يد في تضخيم أزمة الدولار؟
نعم بالطبع.. السوق الحر فاقم من الأزمة إلى حد كبير جدا.
وكيف فاقم السوق السوداء الأزمة؟
عندما يحدث عجز في ميزان المدفوعات والبنوك لا تستطيع أن تلبي جميع متطلبات الراغبين في النقد الأجنبي، فيلجأ المستورد الراغب في النقد الأجنبي إلى السوق الحر، وعندما يستشعر العاملين بالسوق السوداء أن هناك عجز ونقص في الدولار، وأن هناك إقبال متزايد عليهم يقوموا برفع الأسعار وبالتالي تتضخم المشكلة.
وكانت النتيجة ثغرة كبيرة في السعر الرسمي للبنك المركزي وبين السعر الزائد في السوق الحر، فيضطر المركزي بعد فترة هو الآخر إلى رفع السعر فندخل في حلقة مفرغة غير منتهية.
وماذا عن البنك المركزي؟
البنك المركزي وجد أن السوق الحر سبقه، وهو لا يملك دولارات كافية ليفي بالطلبات المتزايدة، فالسوق الحر أراد جذب نقد أجنبي بكميات كبيرة وخصوصا تحويلات المصريين بالخارج فقام برفع السعر كي يغري أصحاب الدولارات للجوء إليه بديلا عن البنك، فلم يكن أمام البنك المركزي سوى خفض سعر الجنيه.
وكيف تجد تحرك البنك المركزي لتفادي الأزمة؟
البنك المركزي يريد جذب مزيدا من الدولارات بحيث تمكنه من تلبية الطلبات، ومن أجل إضعاف السوق الحر، فقدم عرضه الخاص والذي يقول إنه من يقوم بتحويل أمواله من دولارات إلى جنيه مصري، يمكنه وضعها في البنوك بفائدة 15% وقصر ذلك على بنك مصر والبنك الأهلي وبنك القاهرة.
وهل سيجذب هذا مزيدا من النقد الأجنبي؟
نعم.. إذا نجح الأمر ففوائد الدولار في السوق العالمي لا يتعدى 3% أما إذا قام أصحابه بتحويله إلى جنيه مصري سيستفيدون بفوائد 15 % حسب عرض البنك المركزي.
وماذا عن نسبة الخطر؟
هذا الإجراء لن يدفع الجنيه المصري إلى فقد قيمته بمعدل 15% في عام واحد، لكن هذا الجذب للدولارات من جانب البنك المركزي تزيد من حجم القروض ففي أي لحظة إذا رغب المودعين بسحب أموالهم أو تحويلها مجددا سنكون في وضع كارثي فلن يكون البنك المركزي قادرا على رد هذه الأموال.
هل ترى أن تحركات البنك المركزي ستقضي على أزمة الدولار؟
البنك المركزي يحاول جذب مزيدا من النقد الأجنبي، لكن الحلول التي وضعها حلول مؤقتة لا تفي لإنهاء الأزمة.
هناك من يقول أن إجراءات البنك المركزي ستؤدي إلى التضخم؟
أي انخفاض في قيمة الجنيه المصري يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج، والتي تؤدي بدورها إلى زيادة الأسعار، وهناك محاولات لتخفيف هذا الأثر عن طريق تدخل وزارة التموين بتوفير منافذ أكثر وتدعيم بعض السلع الأساسية للتقليل من الأسعار، لكن بكل تأكيد إن تخفيض قيمة الجنيه المصري يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج وتكاليف استيراد السلع الغذائية وهو ما يحدث قدر من التضخم.
طرح البنك المركزي لعطاءات استثنائية بقيمة 2.4 مليار دولار في 10 أيام ما هي مصادر هذه الأموال ؟
أموال العطاءات الاستثنائية التي يطرحها البنك المركزي لها طريقين فقط، الأول عن طريف الاستدانة من الخارج أو السحب من الاحتياطي النقدي.
كيف تقيم أداء محافظ البنك المركزي؟
يحاول طارق عامر محافظ البنك المركزي بكل قوة حل الأزمة، وتوقع من رفع سعر الفائدة إلى 15% جذب مزيدا من الدولارات لرفع الاحتياطي وتلبية الطلب المتزايد على النقد الأجنبي وتخفيف حدة العجز الموجود في ميزان المدفوعات، وعامر متوقع أن يجذب أموال أجنبية كبيرة تمكنه من زيادة الاحتياطي، خصوصا وأنه تحدث عن زيادة الاحتياطي إلى 25 مليار دولار خلال عام، لكن نجاحه في الأمر يتوقف على السياسات التي سيتبعها في الوقت الراهن، ونتمنى له التوفيق.
وماذا عن الاقتراض من الخارج؟
هذه أحد الوسائل التي يمكن اللجوء لها للحصول على نقد أجنبي لسد العجز الموجود، لكن هذا له ثمن، سندفع عائد أعلى من المعتاد، وهذا العائد سيدفع البنوك إلى رفع فوائد قروض الاستثمار، مما قد يقلل عزيمة المستثمرين ويقلل من فرص الاستثمار في مصر.
اللجوء إلى الاقتراض من الخارج أو جذب دولارات إلى الداخل لأمور قصيرة الأجل واستخدامها في سندات الخزانة أو البورصة تجعل هذه الأموال ما نسميه نحن في الاقتصاد ( (HOT MONEY أي أموال ساخنة قد تخرج في أي وقت مما يسبب خطر بالغ على الاقتصاد المصري.
وهذه التجربة حدثت من قبل بعد ثورة 30 يونيو، فأدت هذه الأموال الساخنة إلى الهبوط بالإحتياطي النقدي من 34 مليار دولار إلى 16 مليار دولار في عام واحد، مما أدى إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة والتي ندفع ثمنها حتى الآن.
وما هو الحل الجذري للمشكلة من وجهة نظرك؟
الحل الجذري هو حل ثوري ويحتاج قدر من التقشف والقسوة، ويكمن في إلغاء السوق الحر نهائيا وجعل الاستيراد بالجنية المصري، بالإضافة إلى وضع قيود على الواردات، وتقليل الإنفاق على الواردات في الأجل القصير، خلال هذا العام والعام القادم.
ولماذا لم يتم إلغاء السوق الحر إلى الآن؟
الإدارة السياسية مترددة في إلغاء السوق الحر، حتى لا يأخذ انطباع أن هناك إجراءات تتناقض مع حرية الاقتصاد، ولكن هو الحل الجذري لنعود مرة آخرى للوضع الطبيعي.
كيف ترى أداء الرئيس السيسي الاقتصادي؟
لا يستطيع أحد أن يقول إن وضع الاقتصاد المصري الحالي أسوأ مما كان عليه من عامين، فهناك مظاهر تحسن واضحة، مثل الاهتمام بالبنية الأساسية، الطرق والطاقة، اهتمام الرئيس بقضايا الإسكان المجتمعي والشعبي والاهتمام بإصلاح مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، قناة السويس وما حدث بها من تطوير، لكن في نفس الوقت هناك بعض الانتقادات البسيطة.
وما هي هذه الانتقادات؟
هناك من ينتقد سياسة التركيز على بعض المشروعات الكبيرة والتي لا تعد أولوية في الوقت الحالي، مثل مشروع العاصمة الجديدة، فالأولويات تحتاج إلى إعادة نظر للتركيز على الصناعة والتعليم في هذه المرحلة.
إذا.. ترى أن الاهتمام بالبنية الأساسية غير مجد حاليا؟
لا أي صناعة قوية تحتاج إلى شبكة نقل ومواصلات قوية، تحتاج إلى طاقة كبيرة وبنية أساسية سليمة، لكن المسألة هنا في كيفية المزج بين الهدفين في نفس الوقت بحيث لا نهمل أحد الهدفين لصالح الهدف الآخر.
وكيف يتم ذلك؟
يمكننا أن نقلل مثلا من عدد الكيلومترات التي يتم رصفها هذا العام ونقوم بتوجيه بعض الأموال والموارد للصناعة والتعليم، بحيث يكون هناك تكامل في عملية التنمية في هذه المرحلة الحرجة.
وكيف تقيم أداء الحكومة المصرية؟
الحكومة التي تعمل في كل هذه الصعوبات والعقبات الموجودة في تلك المرحلة الخطيرة لابد أن نجد لها قدرا من العذر، في ظل عدم توافر الإمكانات اللازمة والتي تستطيع الحكومة عن طريقها قيادة المرحلة.
في الوقت نفسه لابد من الاعتراف أن الحكومة الحالية ليست على القدر المطلوب خصوصا في اتخاذ القرارات وتنفيذها، فنحتاج لسرعة أكبر في الاتخاذ ودقة التنفيذ.
وماذا عن مجلس النواب المصري الحالي؟
من الصعب الحكم على البرلمان في الوقت الحالي، فالبرلمان مازال في مرحلة الإجراءات، لم ينته بعد من إقرار لائحته الداخلية، كما لم يكمل حتى الآن باقي لجانه الفرعية.
وماذا عن حالة الأضطراب التي يشهدها مجلس النواب المصري؟
هناك حالة من الهرج داخل البرلمان ويرجع ذلك إلى أن معظم الأعضاء لا ينتمون إلى تكتلات حزبية، كما أن معظم الأعضاء لا يملكون خبرات برلمانية سابقة، الأمر الذي خلف أنواع من الصراعات فخرج البرلمان كما نراه حاليا.
هل كنت تتوقع أن تكون ضمن المعيين من قبل الرئيس في البرلمان؟
دخلت منافسة البرلمان بشكل شريف، لم أدفع يوما لناخب، رغم أني فوجئت بأن المنافسين صرفوا ملايين الجنيهات لإقصاء منافسيهم فالمال السياسي كان وراء إقصائي من البرلمان.
والبرلمان يحتاج إلى شخصيات تشريعية اقتصادية ذات وزن وثقل، إلا أن الرئيس حاول في أجندة معينيه الاعتماد على العناصر الجديدة، وليس شرطا أن أكون داخل البرلمان لمساعدة بلادي.
البعض يقول إن إدارة الأزمة الاقتصادية تحتاج إلى عودة وزارة الاقتصاد هل تتفق مع هذا الحديث؟
في الحقيقة وزارة الاقتصاد بمعناها الشامل تعني ضرورة أن يكون هناك وزير لكل حقائب المجموعة الاقتصادية الوزارية، ففي السابق كانت وزارة الاقتصاد تختص بالسياسة النقدية والتجارة الخارجية، وعند إلغاء الوزارة تم توزيع هذه المهام على وزارت آخرى فأصبحت كل قطاعات الاقتصاد موجودة فلا حاجة لوزير اقتصاد.
كيف ترى قوانين الاستثمار الحالية؟
المشلكة في مصر تكمن في ضعف الجهاز الإداري للدولة، فالقوانين تحتاج إلى موظفين على قدر كبير من الفهم للاستثمار، وقادرين على تسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، فالمشلكة ليست مشكلة قانون بل في كيفية تطبيقها.
القوانين تحتاج إلى تعديلات، لكن الأكثر احتياجا هو تعديل الجهاز الإداري للدولة عن طريق تدريب الموظفين ليكونوا على قدر المسئولية للتعامل مع المستثمرين.
كيف تقيم النظام الضريبي في مصر؟
الجهاز الضريبي في مصر يحتاج إلى تطوير، والقيمة المضافة أحد أهم صور التطوير، فمن شأنها أن تؤدي إلى زيادة إيرادات الدولة.
لكن الشعب هو من سيدفع الثمن؟
نعم.. الشعب هو من يدفع الضرائب، لكن مصر في حاجة إلى مساهمة الشعب بجهد أكبر من أجل تحقيق التنمية، فلابد من أن يحدث مزيدا من التجاوب بين الحكومة والمواطنين لتجاوز الأزمة.
لماذا لم يحقق المؤتمر الاقتصادي أهدافه؟
لأن الوضع الأمني والسياسي في مصر لم يستقرا بعد ولازالت هناك قوى خارجية غير حريصة على تقدم مصر وتنميتها، كما أن مصر في صراعات مع قوى إقليمية مثل تركيا وإيران وقطر الأمر الذي تسبب في عزوف المستثمر على استثمار أمواله داخل مصر.
وماذا عن انخفاض إيرادات قناة السويس رغم تطويرها؟
نحن لا نشعر بتحسن في إيرادات قناة السويس بسبب الركود الذي أصاب التجارة الدولية على مستوى العالم، فلو لم يكن هناك تطوير في قناة السويس القديمة لكان هناك قلة كبيرة في الإيرادات، فكون أن التطوير ساعد في الحفاظ على الإيرادات فهذا في حد ذاته إنجاز كبير.
هل تؤيد أن يكون رسوم العبور في قناة السويس بالجنيه المصري؟
في الماضي كان يمكن التحدث عن الأمر باعتباره مفيدا للاقتصاد المصري، أما حاليا فالوضع لن يحدث فارقا، فالسفن ستضطر إلى تبديل الدولارات بالجنيه المصري من بنوك بورسعيد، فالمستفيد في هذه الحالة البنوك، أما التعامل بالدولار سيدخل عملة أجنبية نحن بحاجة إليها الآن.
هل مصر تقترب من الإفلاس؟
على الرغم من كل المشاكل الاقتصادية التي تواجهنا، إلا أن مصر في حالة ديناميكية متحركة، فالأوضاع في تحسن باستمرار، خصوصا في مجال البنية الأساسية، وهذه المرحلة الصعبة ستتخطاها مصر كما تخطت مراحل أصعب في أوقات سابقة.
كلمة أخيرة توجهها للقيادة الاقتصادية في مصر؟
لابد من مصارحة الشعب بطبيعة الأوضاع، يصاحب ذلك خطة واضحة للقضاء على العقبات التي تواجه الاقتصاد والاستثمار، مع مشاركة الشعب مشاركة فعلية في اتخاذ القرار.
+ There are no comments
Add yours