أبوبكر أبوالمجد ووكالات
بدأ الاعتراف في نهاية ديسمبر 2019، بتفشي فيروس كورونا الجديد أو “كوفيد-19″، وحتى اليوم أصيب ما يقرب من 50 ألف في حوالي 30 دولة حول العالم، وتوفي أكثر من 1000 شخص.
لكن الملفت أن كورونا كان رحيمًا للغاية بالأطفال، حيث لم يتم تشخيص أي إصابات بينهم قبل 22 يناير الماضي، وحتى الآن لم يزل المصابون من الأطفال ممن تقل أعمارهم عن 15 عامًا عدد قليل.
وفي الخامس من فبراير الجاري انتقل بسرعة حول العالم خبر إصابة مولود في الصين بفيروس كورونا، بعد 30 ساعة فقط من ولادته.
وكانت تلك أصغر حالة سُجلت، حتى الآن، منذ انتشار الوباء.
هذه الرحمة التي شمل بها الأطفال ذلك الوباء العظيم وضع العلماء وخبراء الصحة في حيرة، إلى أن وضعوا بعض التخمينات حول السبب.
فما السبب؟
وأفادت دراسة نشرت في ديسمبر بمجلة “نيوإنجلند الطبية” أن “الأطفال قد يكونون أقل عرضة للإصابة أو إذا كان الطفل مصابًا ، فقد تظهر عليه أعراض أكثر اعتدالًا “من البالغين.
وسجل الأطباء بعض الحالات لمرة واحدة بين الأطفال: طفلة تبلغ من العمر 9 أشهر في بكين، وطفل في ألمانيا تم تشخيص إصابة والده بالفيروس أولاً، وطفل في شينزين الصين، أصيب بعدوى، وطفل آخر رضيع يبلغ من العمر 9 أشهر بالصين أيضا، ولكن بالنسبة للجزء الأكبر، لا يبدو الأطفال عرضة للفيروس، وبعض التقارير التي صدرت حتى الآن من الصين كانت من مستشفيات للبالغين وليس من مستشفيات الأطفال.
وبحسب خبراء الصحة، يعد انخفاض عدد الحالات بين الأطفال أمرًا جيدًا، وقد يكون ذلك حرص البالغين والكبار في التعامل معهم، وغسل أيديهم كثيرًا وتغطية أفواههم، وكذلك الامتناع عن لمس الآخرين، مما يمنع الجراثيم.
وقال آرون ميلستون، وهو عالم الأوبئة وأستاذ طب الأطفال بجامعة جونز هوبكنز، لموقع Business Insider: “إذا استطعنا حماية الأطفال فهذا أمر جيد بالنسبة لهم أما إذا اخترق الفيروس فئة الأطفال، فقد يؤدي ذلك إلى تضخم الوباء”.
وأحدث دراسة لانتشار الوباء نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، وشملت تدقيقا للمرضى الراقدين في مستشفى جينيتان في ووهان، المدينة التي تعد مركز انتشار الوباء.
وتوصلت الدراسة إلى أن أعمار أكثر من نصف المصابين بالفيروس تتراوح بين الـ 40 والـ 59 عامًا، وإلى أن 10% فقط من المصابين كانوا دون سن التاسعة والثلاثين.
وهناك العديد من النظريات التي تحاول تفسير هذه الظاهرة، ولكن الخبراء في مجال الصحة العامة عاجزون، إلى الآن، عن تفسير سبب قلة الإصابات في صفوف الأطفال.
فمن جانبه قال أستاذ علم الفيروسات في جامعة ريدينغ الإنجليزية، إيان جونز، لبي بي سي “لأسباب ليست واضحة لنا بدقة، يبدو أن الأطفال إما تفادوا الإصابة تماما، أو أن إصاباتهم ليست حادة”.
قد يعني ذلك أن الأطفال يصابون بنموذج أخف من المرض، بحيث لا تظهر عليهم أي أعراض، مما يؤدي، في نهاية المطاف، إلى تجنب أهاليهم التوجه بهم إلى الأطباء أو المستشفيات، وبالتالي إلى عدم تسجيل حالات إصاباتهم.
وتتفق مع هذا الرأي المحاضرة في كلية لندن الجامعية، ناتالي ماكديرموت، التي قالت “إن للأطفال الذين تتجاوز أعمارهم 5 سنوات وللمراهقين أجهزة مناعة محفزة لمقاومة الفيروسات. فقد يصاب هؤلاء بالعدوى، ولكن المرض سيكون لديهم أخف وطأة أو قد لا تظهر عليهم أي اعراض البتة”.
وتشبه أعراض فيروس كورونا الجديد الأعراض المرتبطة بالالتهاب الرئوي أو الأنفلونزا، مثل الحمى والسعال والقشعريرة والصداع وصعوبة التنفس والتهاب الحلق، ويحمل فيروس كورونا في ذلك تشابهًا صارخًا مع فيروس سارس، الذي أدى إلى مقتل 774 شخصًا وإصابة أكثر من 8000 بين نوفمبر 2002 ويوليو 2003.
وكان الملاحظ أيضا أنه كانت هناك بعض الحالات القليلة لإصابات السارس بين الأطفال، 80 حالة فقط مؤكدة مختبريًا و 55 حالة محتملة أو مشتبه فيها، حيث أصيب معظم هؤلاء الأطفال بالحمى، وكان بعضهم مصابًا بالسعال أو القيء أيضًا.
وفي عام 2007، أعلن مركز السيطرة على الأوبئة الأمريكي عن أن 135 طفلا أصيبوا بفيروس (سارس)، و”لكن لم تسجل أي حالة وفاة بين الأطفال واليافعين.”
العطلة
وأرجعت ماكديرموت أن الأطفال ربما لم يكونوا معرضين للفيروس مثل البالغين، فالعدوى انطلقت خلال عطلة السنة الصينية الجديدة عندما كانت المدارس مغلقة.
وقررت كل الأقاليم الصينية، تقريبًا، إبقاء المدارس مغلقة. وسيستمر هذا الوضع في بعض الحالات إلى نهاية شهر فبراير.
وأوضحت ماكديرموت “من الأرجح أن يتصرف البالغون كمعتنين، ولذا فهم يحمون الأطفال أو يرسلونهم إلى أماكن أخرى إذا كان هناك مصاب في البيت”.
وتعتقد المحاضرة في كلية لندن الجامعية، أن هذه الصورة قد تتغير “في حال انتشار المرض بشكل أوسع وزيادة احتمالات العدوى في المجتمع بشكل عام”.
ولكن، ومع ذلك، لم يصاحب الانتشار السريع للمرض، إلى الآن، أي زيادة في الإصابات بين الأطفال.
أمراض سابقة
البالغون يعانون من أمراض تسبب ضغطًا على أجهزة المناعة لديهم، مثل حالات مرض السكري وأمراض القلب على سبيل المثال – أكثر عرضة للإصابة بهذا النوع من الأوبئة.
وفي ذلك قال، أستاذ علم الفيروسات في جامعة ريدينغ الإنجليزية، إيان جونز “مرض ذات الرئة (الذي يعد واحدا من نتائج الإصابة بفيروس كورونا) يصيب، على الأغلب، أولئك الذين يعانون من ضعف في المناعة أصلا لأن حالتهم الصحية سيئة أو أنهم يشرفون على نهاية حياتهم. وهذا الأمر يحصل أيضا مع مرض الأنفلونزا وغيره من أمراض الجهاز التنفسي”.
وتبين أن نحو نصف المرضى الذين دُرست حالاتهم في مستشفى جينينتان كانوا يعانون من أمراض مزمنة أخرى.
ومتعجبًا قال، إيان جونز، على الرغم أن الأطفال “ناشرون مفرطون” للفيروسات وينقلون العدوى بأمراض الجهاز التنفسي، بسهولة، كما يعرف كل من يتعامل مع الصغار في رياض الأطفال، لذا فمن المتوقع أن نرى عددًا كبيرًا من الأطفال في قوائم المصابين – والمتوفين – بفيروس كورونا، ولكن هذا لم يحصل في الوقت الراهن على الأقل!
وقد يُعزى الأمر إلى أن للأطفال أجهزة مناعة قوية محفزة لمحاربة الفيروسات، أو أن المرض نفسه يظهر بشكل أقل حدة عند الأطفال مما يظهر عليه عند البالغين ولذا لا يؤخذ الأطفال إلى المستشفيات سعيا للعلاج، ولا يتم فحصهم وتسجيل حالاتهم.
ولا يزال العلماء غير متأكدين من السبب في ذلك، ولكن يعتقد وجود تفسيران لسبب وجود عدد إصابات قليلة بين الأطفال، الأول أنهم أقل عرضة للتعرض للفيروس في المقام الأول، والثانى أن هناك شيئًا مختلفًا حول كيفية استجابة أجسامهم للفيروس.
من المحتمل أيضًا أن البالغين لا ينشرون الفيروس على الأطفال لأن الناس يتوخون الحذر من غسل أيديهم وتغطية أفواههم وعزل أنفسهم إذا شعروا بالمرض، حيث يمكن أن ينتشر الفيروس بين الناس من خلال قطرات الجهاز التنفسي مثل اللعاب والمخاط ، لذلك النظافة الجيدة أمر بالغ الأهمية لمنع انتقال العدوى.
وأوضح علماء الأوبئة أنه إذا انتشر الفيروس التاجي بين الأطفال، فقد يتفاقم المرض ويصبح وباء كبير.
وقد تظهر الصورة بشكل أكثر وضوحًا مع استمرار البحوث في الوباء الحالي، ومع استمرار وانتظام الأطفال وخاصة في الصين بالدراسة.
+ There are no comments
Add yours