أبوبكر أبوالمجد صحفي وباحث في شؤون آسيا السياسية والاقتصادية
جريمة مسجد الروضة الإرهابية التي وقعت في مدينة بئر العبد بشمال سيناء المصرية تعد أكبر كوارث المحروسة منذ 20 عامًا وتحديدًا منذ مذبحة الأقصر عام 1997 والتي سقط فيها 58 سائحًا، مرورًا بحادثة كنيسة القديسين في يناير 2011، وانتهاء بحوادث كان أكبرها ما جرى لطائرة الركاب الروسية في أكتوبر 2015، والتي راح ضحية انفجارها بشمال سيناء 225 شخصًا، ثم انفجار كنيستي طنطا والاسكندرية والتي راح ضحيتها 54 شخصًا وأخيرًا فاجعة الواحات في أكتوبر الماضي والتي راح ضحيتها 16 ضابطًا وجنديًا.
لكن مذبحة بئر العبد كانت فاجعة لا مثيل لها في مصر، فهي المرة الأولى التي يستهدف فيها إرهابيون مسجدا ويزهقون أرواح 305 مسلما بينهم 27 طفلا إضافة إلى 128 مصابا آخرين.
وتوقيت الجريمة وطريقة تنفيذها لم تمنع كما جرت العادة في مثل هذه المناسبات المنتفعين والمهووسين بالظهور الإعلامي ممن يصفهم الإعلام المسيس بالمحللين السياسيين والخبراء الأمنيين والباحثين في شؤون الجماعات، من إطلاق "الكليشيهات" والتحليلات المتعجلة التي تنم عن أفق ضيق وضعف في الربط بين الجرائم وطريقة وتوقيت تنفيذها، ورغبة لا تخفى من إرضاء التوجه الشعبوي أكثر من خدمة الوطن والمسؤولين الأمنيين في التوصل للمحرض الرئيس على الجريمة المرتكبة.
وإني لأندهش من سر هذا التسرع في التحليل والتعجيل بإلصاق التهم بفصيل واحد دون غيره أو دولتين دون غيرهما؟
ما الفائدة الأمنية والمجتمعية من وراء مبادرة هؤلاء المحللين بإلصاق التهمة بقطر أو تركيا أو حتى الإخوان حيال كل حادثة أو جريمة إرهابية تقع؟
أليس من الأجدى والأنجع توسيع دائرة الاشتباه حتى لا نسقط ضحايا أصحاب المصالح الخاصة في الداخل المصري أو خارجه، سواء أكانوا دولا أو جماعات أو أفراد، من الراغبين في زعزعة أمن واستقرار الدولة حتى لا تنهض من كبوتها أبدا ولا تستفيق الاستفاقة التي تؤهلها لمواجهة تحدياتها الأخلاقية والأمنية والاقتصادية؟
ولمصلحة من نظل ندور في نفس دائرة الاشتباه رغم تنوع الجرائم وتعدد رعاتها واختلاف مناسباتها وأهدافها، وإن كانت جميعها ذات هدف بعيد معلوم وهو تمزيق مصر.
لمصلحة من تظل إيران وإسرائيل أكبر المستفيدين مما يجري في منطقتنا وإقليمنا بعيدين عن دائرة الاشتباه؟
لما لا نرى لهم ذكرًا كما لقطر وتركيا والإخوان ضمن التحليلات الجهنمية لخبراء مصر ومحلليها؟
أليس لإيران أطماعًا في أراضينا العربية كما لإسرائيل وأكثر؟
أليست إيران اليوم هي المسيطر الأول وربما الأخير أيضا على القرار السياسي في بغداد وصنعاء ودمشق وكادت تحكم قبضتها على المنامة وبيروت لولا التدخل السعودي؟
أليس من الغريب والمريب ألا يقوم الإرهابيون ولو مرة واحدة باستهداف جندي إسرائيلي واحد أو حتى برجًا على الحدود الإسرائيلية مع مصر؟ ألا يدعونا ذلك لوضع فرضية تفضي أن هذه الأشباح التي نطاردها علها تكون صنيعة من نتلمس مساعداتهم عسكريًا واستخباراتيًا؟
وفي جريمة مسجد الروضة الإرهابية البشعة التي نحن بصددها، لما لم ينظر جهبذ من جهابذة التحليل الأمني في الهدف والطريقة والتوقيت التي نفذ بها الإرهابيون جريمتهم ويربط بين الخيوط؟
ألم تواكب الجريمة همسًا إيرانيا برفض المصالحة التي أبرمتها القاهرة بين فتح وحماس، وجاء ذلك في أعقاب الزيارة التي قام بها وفد رفيع المستوى من الحركة برئاسة صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي للعاصمة الإيرانية طهران في العشرين من شهر أكتوبر الماضي؟
ألم يلتق العاروري بأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله، وركز اللقاء بحسب مصادر إعلامية على ضرورة تشكيل جبهة مقاومة إسلامية موحدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتزامنت التصريحات هذه مع الاتصال الذي أجراه نصر الله بإسماعيل هنية معزياً بشهداء أحداث النفق الأخيرة جنوب قطاع غزة؟
فهل إيران ونصرالله سيكونان بعيدان عن قرارات حماس المستقبلية أم أنهما يرسلان برسالة للقاهرة ورام الله أننا سنكون في قلب أي اتفاق؟
ثم جاءت استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرابع من الشهر الجاري، والتي بادر تابع إيران الوفي حسن نصرالله باستغلال الطريقة والمكان الذي اختارهما الحريري لإعلانها ليكيل للمملكة العربية السعودية وقياداتها التهم، حتى بلغ به الأمر اعتبار الحريري مكرها على ما فعل، وأنه مختطف ومحتجز لدى السعودية.
وقبل عودته إلى لبنان اختار الرئيس الحريري مصر لتكون محطته الأخيرة، ومن المعروف أن مصر هي أقوى حلفاء المملكة وهو الأمر الذي لا يروق لإيران وتراه أكبر تهديد لمخططاتها في المنطقة العربية ولربما تضغط مصر على حزب الله في مفاوضات نزع سلاحه والتي أعلن الحرس الثوري رفضه لها أيضًا.
إذًا كان لا بد من رسالة قوية تبعث بها إيران ومن ورائها إسرائيل للدولة المصرية كما بعثت عبر الحوثيين من قبل رسالتها حين استهدفت الرياض بصاروخ باليستي إيراني الصنع.. نعم من ورائها إسرائيل، فليس بين تل أبيب وطهران أي إثبات حقيقي على وجود خلافات بينهما؛ لكن بنظرة متأنية لكل ما جرى ولا زال يجري من إضعاف وإنهاك وتدمير لبلادنا بدءًا من العراق ومرورا بسوريا واليمن وليبيا ومصر ستجد أن كل ذلك يصب في صالح المخططين الفارسي والصهيوني وهما (الهلال الشيعي ودولة إسرائيل الكبرى)، ولا تخبرني شيئًا عن تلك التصريحات الخرقاء حول عدم الاعتراف الإيراني بإسرائيل وإلا فعليك أن تعيد القراءة في فضيحة "إيران- كونترا".
إذا تحركت عناصر خارجة عن حماس، ورافضة للتقارب مع فتح ولعقد أي مفاوضات مع إسرائيل أو الانصياع لمصر، وسابحة مع كلاب جهنم في سيناء تنتظر أوامر من يدفع لها لتنفذ جريمتها.
واختارت إيران مسجدًا يضم أقرب الفئات المصرية قربًا منها وهم المتصوفة التي لا أشك أنها ستسعى بعد ذلك لتحريك أتباع مذهبها في الداخل المصري كي يعمقوا الهوة ويخلقوا الفتنة بين أتباع المذاهب والعقائد المصرية، وهنا تصارع مصر مساعي إسرائيلية خبيثة بإحداث فتنة طائفية مع مساعي إيرانية أخبث لإشعال فتنة مذهبية عن طريق صدمة وجريمة لا تنسى أبدًا وتكون فريدة في كل شيئ بدءًا من اختيار المكان وعدد الضحايا وانتهاء بطريقة التنفيذ المرعبة والتي ألبسوها ثوب داعش لإخفاء بصماتهم.
هذا هو تحليلي لما جرى في الجمعة الماضية لأضيف إلى الذهنية الأمنية هذه الدولة التي يقودها ثلة امبريالية دموية تتستر خلف دين حنيف لا يعرفون عنه غير الخمس والمتعة والإمام الغائب.
إن إيران تعبث في الداخل المصري من غير شك، ولها أتباع يوالونها كما يواليها أتباع الحوثي باليمن ونصرالله بلبنان وإن لم ننتبه لتسللهم وزحفهم في وسائل إعلامنا خاصة وبعض الوسائل الإعلامية العربية التي لها مكاتب وإصدارات هنا فسنكون في خطر داهم.
+ There are no comments
Add yours