في أجواء روحانية ودينية فريدة، يتوافد المئات من المصلين من أنحاء مختلفة في قطاع غزة، لأداء صلاة التراويح في المسجد العمري الكبير الذي يعد أقدم وأكبر مسجد في القطاع.
ففي المسجد العمري الكبير، بمدينة غزة، الذي يعتبر أيضا من أهم المعالم والمواقع الدينية الأثرية، يتدفق المواطنون كخلية نحل داخل المسجد، لإقامة طقوسهم الدينية، وتأدية صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك.
وبصعوبة بالغة، يستطيع المصلين السير داخل المسجد؛ بسبب الازدحام الكبير، الذي يشهده من المصلين بعد الإفطار مباشرة.
لا تتسع باحات المسجد العمري التي تجمع عمارته بين حضارات مختلفة أبرزها العثمانية والمملوكية، لعدد المصليين الذين يتوافدون إليه في رمضان، مما يضطرهم للصلاة في ساحات وأروقة المسجد.
ويقع المسجد في حي الدرج شرق المدينة، والواقع فيما يعرف بـ “غزة القديمة” مطلا على أهم شوارعها، المسمى “عمر المختار”، نسبة لبطل المقاومة الليبية الشهير في وجه الاحتلال الإيطالي.
وقد أُطلق على المسجد العمري الكبير هذا الاسم “تكريماً” للخليفة عمر بن الخطاب، الذي فتح فلسطين في عهده، ولقّب بـ”الكبير” لأنه أكبر جامع في غزة.
ويقول فلسطينيون، يؤدون صلاة التراويح داخل المسجد، في لقاءات منفصلة مع مراسل “الأناضول”، إن الصلاة داخل المسجد العمري تختلف كثيرا عن المساجد الأخرى فالأجواء داخله تشعرك أنك تصلي داخل أروقة المسجد الأقصى.
وبدت الملامح والأجواء الروحانية الدينية تظهر على المصلين عند دخول المسجد فيما أبدى الكثيرون ارتياحهم لحصولهم على مكان فارغ للصلاة.
ويقول محمود خلّة، (65 عاما) أحد المشاركين في صلاة التراويح لمراسل الأناضول: “الأجواء في المسجد العمري تختلف كثيرا عن مساجد أخرى فالصلاة داخله وقراءة القران الكريم تعطيك أجواء مغايرة وكأنك تشعر في أروقة المسجد الأقصى”.
وعند زيارته للمسجد العمري، يقول خلة: “أشعر بالفرحة والطمأنينة والآمان هنا”.
ويكمل: “زرت المسجد الأقصى مرات عديدة، وفي كل مرة أصلي في هذا المسجد يراودني الشعور بأنني في أقبية المسجد الأقصى”.
ومع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، منعت السلطات الإسرائيلية الغزيين من زيارة المسجد الأقصى، كما حرمت أهالي الضفة الغربية “المجاورين” لمدينة القدس من الصلاة في المسجد سوى لأعداد محدودة .
ويقول خلة: “المسجد العمري من المساجد الأثرية القديمة، حيث أن بنائه وهيكليته المعمارية المميزة تفرض عليك القدوم إليه للتعبد”.
من جانبه، يقول الفلسطيني يوسف الأشقر(58 عام) في حديث مع الأناضول: “أذهب أنا وزوجتي للصلاة في المسجد العمري، لما له من مكانة تاريخية، وهيكلية معمارية جذابة توحي لك أنك في داخل المسجد الأقصى الذي نمنع من زيارته بسبب الحصار على غزة”.
ويضيف: ” كنا نتمنى الصلاة في المسجد الاقصى في شهر رمضان ولكن المنع الاسرائيلي لسكان غزة فرض علينا أن نصلي في المسجد العمري لتشابهه الكبير بينهما”.
ويوضح الأشقر، المسجد العمري من أهم المعالم الأثرية وله مكانة خاصة لدى سكان القطاع تجعلهم يقبلون بكثافة على الصلاة فيه.
ويحيط بالمسجد آثار عثمانية كـ”سبيل الرفاعية” وهو حوض ماء يستخدم لسقاية المارة، وأخرى مملوكية أبرزها “قصر الباشا” الذي تم بناؤه عام 1260 م.
وتبلغ مساحة المسجد حاليا نحو 4000 متر مربع.
وعن تاريخ المسجد العمري يقول، عبد اللطيف أبو هاشم، مدير دائرة التوثيق والمخطوطات الأثار في وزارة الأوقاف في قطاع غزة، للأناضول: “المسجد العمري كان عام 615 قبل الميلاد مَعبداً عند الفلسطينيين الكنعانيين”.
ولفت إلى أن البيزنطيين في القرن الخامس ميلادي حولوه إلى كنيسية، فيما شهد القرن السابع تحويله من قبل المسلمين إلى مسجد.
ويوضح أبو هاشم، أنه بعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام في عام 636، في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب تم ترميم المسجد وبناؤه من جديد.
وفي بداية عام 1100م، حول الصليبيين الذين احتلوا فلسطين المسجد إلى كنيسة اسموها “يوحنا المعمدان”، لكن المسلمين أعادوا ترميميها بعد تحرير القدس ودحر الصليبيين من فلسطين بعد 87 عام.
وقال أبو هاشم لوكالة الأناضول: “خلال العهد المملوكي في عام 1340 م شهد المسجد اهتماما عمرانيا، وإضافات إنشائية جديدة وأعادوا له بريقه”.
فيما شهد العهد العثماني عام 1600م، إصلاحات وإضافات عمرانية، حيث رمم العثمانيون المسجد، وبنوا الجهة الشمالية منه.
وحكم العثمانيون فلسطين عام 1516م، بعد معركة مرج دابق في 23 آب/ أغسطس من ذلك العام، وحتّى نهايات الحرب العالمية الأولى عام 1917م.
ويضيف: ” في الحرب العالمية الأولى عام 1917، قصف الجيش البريطاني قطاع غزة بالزوارق الحربية وأدى القصف لتدمير أغلب معالم المسجد العمري”.
لكن في عام 1926 قام المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في القدس بالتكفل بإعادة تأهيل جميع ما دمره الاحتلال البريطاني وترميم المسجد العمري بشكل كامل وإقامة منبر جديد له.
+ There are no comments
Add yours