حوار- أبوبكر أبوالمجد
تستمر في إيران التظاهرات الشعبية التي ملؤها التنديد بالممارسات القمعية للباسيج والحرس الثوري، والإدارة السيئة للبلاد على كل المستويات الاجتماعية منها والاقتصادية والدبلوماسية؛ فضلًا عن التمييز والعنصرية التي يمارسها الملالي ضد الشعب.
وفي هذا الإطار تحاور “الأمة” خبير الشؤون الإيرانية، وجدان عبدالرحمن، للوقوف عن حقيقة الوضع الداخلي في إيران الآن، وما إذا كان بإمكان نظام الملالي الإفلات هذه المرة أيضًا من العقاب الشعبي، ونزع فتيل قنبلة الغضب التي ربما يودي انفجارها بتدمير أذرعه الاخطبوطية وهلاكه.
— كيف ترى الوضع الداخلي الإيراني الآن؟
فيما يتعلق بموضوع الوضع الداخلي الإيراني، فيمكننا القول أنه متوتر ومتصدع للغاية، واستمرار الاحتجاجات على الرغم من تهديد قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين إسلامي، للمحتجين بأن يكون السبت الفائت آخر أيام تظاهراتهم؛ غير أنها استمرت إلى الآن، في تحد واضح لقوة الحرس، وتوجيهات الملالي.
واستمرار الاحتجاجات خاصه من قبل طلبه المدارس والجامعات يعتبر تحديا جديدًا وفريدًا للحرس وقوته الباطشه وإشارة واضحة إلى رفض نظام الملالي الداخلي وطريقه إدارته للبلاد.
وليس هذا فقط دليل التصدع الداخلي، فهناك أيضًا الخلاف بين الإصلاحيين والأصوليين في إيران إلى حد اتهام الأصوليين للإصلاحيين بالخيانة والعمالة للخارج، إضافة إلى الخلاف بين الحرس الثوري والجيش الإيراني والذي يتهم فيه الجيش الحرس بأنه يضعه في صوره وضيعه وأنه مجرد أداة لتنفيذ أوامره!
هناك كذلك خلاف بين رجال الشرطه الإيرانيين حول من يريد أن يقمع هذه التظاهرات بمنتهى القسوة والقوة، ومن يرى أنه يجب التعامل معها بصورة أخرى أكثر إنسانية ورحمة وتفهم.
هذا بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران بسبب القيود الغربية والعقوبات عليها أيضًا، ومعاقبة النظام نفسه بقطع الإنترنت داخليًا في محاولة بائسة للسيطرة على التظاهرات.
كل هذه التوترات مجتمعه توشي بالتوتر والاضطراب الكبير في الداخل الإيراني، خاصة في ظل توحد المعارضة سواء داخليًا او خارجيًا ضد النظام.
— هل يفلت الملالي هذه المرة أيضا من الغضب الشعبي ضده؟ وكيف؟
لن يفلت الملالي هذه المرة من الغضب الشعبي بحسب ما نرى من مقاطع للفيديوهات المنتشرة في الداخل الإيراني. فهناك إلقاء بالعمائم في كل مكان بإيران، حتى في وسائل المواصلات العامة، ما يوحي بالاحتقان ونية المتظاهرين في الانتقام من هؤلاء المستبدين الذين جثموا على صدورهم لعقود طوال،
وبقاء هؤلاء المعممين في السلطه لا يعني مطلقًا بأنهم لن يحاسبوا أو لن ينتقم الشعب منهم، وأن مشهد الاحتجاجات هذه المرة في ظل الأوضاع الإقليمية الحالية يؤكد صعوبة الوضع على نظام الملالي، ولا يجب أن نغفل أن الغرب أيضا يترقب ويراقب هذه الاحتجاجات، وسيسعى أن يحول بين الباطشين من اتباع النظام وبين المحتجين السلميين.
وبحسب التهديدات الأمريكية فان هناك نوايا غربية بفرض عقوبات على إيران وربما أيضًا توجيه ضربات عسكرية لبعض المناطق التي تضم مفاعلات نوويه وهذه الضربات المحدودة من شأنها أن تشغل الحرس الثوري، ما يمكّن أكثر المتظاهرين من الاستمرار في احتجاجاتهم حتى تحقيق أملهم وحلمهم في إزاحه المعممين من السلطة.
— هل في مظاهرات اليوم ما يجعلها مختلفة عن نظيراتها في السابق؟
أرى أن هذه الانتفاضه تختلف عن الانتفاضات السابقه في كثير من الأوجه. فهي وإن كانت بباعث أخلاقي ابتداء وهو إبداء الانزعاج والرفض لطريقة تعامل السلطة مع الفتاة الكردية، مهيسا أميني الكردية، التي قتلت، إلى أن في داخلها مطالب لشعوب وفئات المجتمع سواء كانوا أطباء أو معلمين أو محامين أو أعراق تعاني الاضطهاد، ويعانون البطالة وأزمات السيول والجفاف، كما هو الحال في الأحواز وكذلك في بلوشستان، وبالتالي هذه الاحتجاجات ستستمر وستظل ثابتة.
وما يميز هذه الاحتجاجات أيضا انضمام مناطق ومدن لم تدخل في السابق إلى قلب الاحتجاجات؛ لكنها تتواجد هذه المرة هناك، إضافة إلى الطلاب والذي قضى الباسيج على حراكه في 2009، إلا أنه عاد ثانية هذه المرة بمنتهى القوة ما يعطي لهذه التظاهرات قوة مضافة، وزخمًا يحفظ لها استمراريتها.
— هل تتدخل القوى الغربية وبعض الدول العربية بطريقة أو أخرى لكسر شوكة الملالي هذه المرة؟
الدول الغربيه حتى الآن لم تتدخل بالصورة المطلوبة التي يمكن القول أنها قادرة على حماية هذه الاحتجاجات، فلم تقم الدول الغربية مثلا بطرد سفراء إيران من بلادها أو سحب سفرائها منها، مكتفية بعقوبات اقتصادية محدودة أو قصيرة الأجل، ذات أثر محدود لا يمكن معها إيقاف اليد الباطشة لنظام الملالي.
كذلك أيضا بالنسبة لأصول إيران المجمدة لم تقتطع منها لصالح عوائل ضحايا التظاهرات ومصابيها بصورة أو أخرى.
وبطبيعه الحال لم يقم الغرب بأي من هذه الإجراءات ربما لأن مصالحه حتى الآن لا زالت لم تتأثر في ظل هذا النظام بالصورة التي يمكن أن يجازفوا من خلالها بإظهار دعمهم الكامل لهذه الاحتجاجات التي لا شك حال استمرارها بالشكل الذي يستشعر معه الغرب أن مصالحهم قد تتأثر إذ لم يدعموها وسيظهروا دعمهم بدون شك على النحو الذي ذكرناه سلفًا.
— لو استطاع الملالي النجاة من هذه التظاهرات كيف ستكون إستراتيجيته داخليا مع مؤيديه ومعارضيه وكذا خارجيًا مع حلفائه وخصومه؟
لا أعتقد أن نظام الملالي الحالي سيفلت هذه المرة من الاحتجاجات الحالية غير أني أرى حالة أفلت فإن الثمن سيكون باهظًا وسيضطر أن يظهر وجهه الأقبح مع المعارضين سواء كانوا مواطنين عاديين أو نخبًا موجودة في الحكومة، وسيكون ذلك عن طريق إعدام البعض أو سجن آخرين، وربما يحدد إقامة الكثير من المسؤولين من المحافظين، إضافة لتقديم منح وإغراءات لأصدقائه وحلفائه وأنصاره في الداخل.
لكن حتى بعد حدوث هذا كله سيكون النظام معزولًا بشكل أكبر من أي وقت مضى، فأعداء وخصوم النظام هذه المرة سيكونوا من الشعب الفارسي نفسه وكذلك المعارضة في الخارج والشعوب المضطهدة في الداخل الإيراني، من العرب والكرد، إضافة إليهم هؤلاء الذين سيفقدون سلطاتهم إذا ما توقفت الاحتجاجات ونجح النظام في الإفلات.
أما عن حلفاء النظام من الدول التي تستثمر في الداخل الإيراني فإنه حال استمرت هذه الاحتجاجات وهذه العزلة الكبيرة للنظام سيكون من الصعب على هذه الدول أن تظل داعمة ومستثمرة في إيران، الأمر الذي سيدفعها دفعا أن تعود أدراجها، ومن ثم تعمق أزمته في قدرته على الحد من آثار العقوبات الاقتصادية، وكلها أمور ستساعد أكثر على إضعاف النظام ومن ثم خلعه وإسقاطه.
+ There are no comments
Add yours