كتب- أبوبكر أبوالمجد
الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، قد تتغير قياداتها؛ لكن من الصعب بمكان تغيير سياساتها.
لذا فإن هناك من يرى أن السياسة التي يتزعمها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حاليًا والحزب الجمهوري من خلفه، ليست إلا رؤية أمريكية تسعى إلى الانكفاء على نفسها، والتخلي عن دورها كشرطي لهذا العالم، مع الاكتفاء بالتواجد الاستخباراتي، أو العسكري إذا ما تم دفع الثمن، لتتحول من شرطي إلى سمسار.
ترامب وحلفاؤه
في إبريل 2018، سعى ترامب، إلى جمع عوائد الحماية الأمريكية لحلفائه، وراح يصرح يمنة ويسرة بذلك بادئًا بالخليج ثم أوروبا، فاليابان!
فطالب الرئيس الأمريكي، أكثر من مرة الدول الغنية في الشرق الأوسط بدفع تكاليف حماية بلاده لها، حيث كشف ترامب أن بلاده أنفقت 7 تريليونات دولار على حماية بلدان ثرية.
ثم توالت تصريحاته الموجهة للمملكة العربية السعودية وضرورة دفع ثمن الحماية، وهو ما أسفر عن دفع المملكة لحوالي 450 مليار دولار إنفاذًا لرغبة الرئيس الأمريكي.
وفي نوفمبر 2018، بعد تصريحاته المتكررة التي طالب فيها المملكة العربية السعودية بأن تدفع للولايات المتحدة ثمن حمايتها، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعوة مماثلة إلى دول الاتحاد الأوروبي لكي تدفع مقابل حمايتها العسكرية.
وقال ترامب، في تغريدة عبر حسابه على تويتر، مساء 25 نوفمير، إن “أوروبا عليها أن تدفع حصة عادلة من أجل حمايتها العسكرية.
وأضاف، الاتحاد الأوروبي استغلنا لسنوات طويلة على صعيد التجارة، وبعدها لا يقدمون التزاماتهم العسكرية عبر الناتو (حلف شمال الأطلسي)، الأمور يجب أن تتغير سريعا”.
وفي تغريدة سابقة، قال ترامب إن “الاحتجاجات الفرنسية الكبيرة والعنيفة لا تأخذ في حسبانها كيف كان التعامل سيئًا مع الولايات المتحدة من قبل الاتحاد الأوروبي بالنسبة للتجارة والثمن المعقول للحماية العسكرية العظيمة التي نوفرها، هذان الموضوعان يجب معالجتهما قريبًا“.
وفي 16 نوفمبر2018، أشار تقرير حصري لمجلة فورين بوليسي إلى مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لطوكيو بزيادة ما تدفعه لتغطية تكاليف الوجود المستمر للقوات الأمريكية في اليابان إلى أربعة أضعاف.
ونقلت المجلة عن مسؤولين أمريكيين سابقين مطلعين أن تلك الخطوة هي جزء من حملة الإدارة الأمريكية لجعل حلفائها يدفعون مزيدًا من الأموال مقابل الدفاع عنهم.
وألمحت المجلة إلى تمركز أكثر من خمسين ألف جندي أمريكي هناك وأن الذي قدم الطلب للمسؤولين اليابانيين أثناء رحلة إلى المنطقة في يوليو هو مستشار الأمن القومي آنذاك جون بولتون ومدير مجلس الأمن القومي لآسيا مات بوتينجر.
ولفت التقرير إلى أن اليابان ليست الحليف الآسيوي الوحيد الذي تطالبه الولايات المتحدة بدفع مزيد من الأموال لاستمرار وجود القوات الأمريكية، فقد أكد المسؤولون أن بولتون وبوتينجر أثناء تلك الرحلة نفسها قدما مطالبة مماثلة لكوريا الجنوبية التي تستضيف 28500 من القوات الأمريكية لدفع خمسة أضعاف ما تدفعه الآن.
ووفقا لثلاثة مسؤولي دفاع سابقين فإنه بموجب اتفاقية الإجراءات الخاصة اليابانية، التي تنتهي في مارس 2021، تدفع طوكيو حاليًا ما يقرب من ملياري دولار لتعويض تكلفة 54 ألف جندي أمريكي هناك، نصفهم تقريبًا متمركزون في القاعدة الجوية الأمريكية في أوكيناوا.
وقبل الموعد النهائي طالبت الإدارة الأمريكية برفع المبلغ إلى نحو ثمانية مليارات أو زيادة 300%.
وبالنسبة لكوريا الجنوبية فبعد أن انتهى اتفاق الإجراءات الخاصة العام الماضي طالب ترامب سيؤول بزيادة قدرها 50%، حيث كانت تدفع مليار دولار سنويًا، وبعد مفاوضات مطولة بين الجانبين وافقت سول على دفع 8% زيادة على تكلفة السنة السابقة؛ لكنها ستعيد التفاوض بشأن الاتفاقية سنويًا.
وأشارت المجلة إلى أن حلفاء آخرين قد يواجهون مطالب مماثلة في المستقبل القريب.
ففي مارس2018، أفادت تقارير بأن الإدارة الأمريكية تريد من الحلفاء دفع التكلفة الكاملة لقواتها الموجودة في بلادهم بالإضافة إلى 50%.
سياسة ثابتة
وهذا التوجه الذي راح إليه دونالد ترامب، والحزب الجمهوري، من شأنه أن يقتلع الكاب الأمريكي، والتراجع عن دورها كشرطي لهذا العالم؛ ولكن يبقى السؤال، هل هذا التوجه شخصي من ترامب، أو حتى نهجًا لحزبه، أم أنه سيكون سياسة الولايات المتحدة الراسخة في المرحلة المقبلة، حتى إذا خسر الانتخابات وحل الحزب الديمقراطي بديلًا للأغلبية الجمهورية حاليًا؟!
أمس الأحد، حذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، من توهم أن هزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية يمكن أن تؤدي إلى حدوث تحول في السياسة الخارجية الأمريكية، مؤكدًا على حاجة أوروبا لأمريكا والعكس.
في مقابلة مع صحيفتي “راينيشه بوست” و”غينيرال-أنتسايغر” الألمانيتين، نشرت في عدديهما الصادرين اليوم الاثنين 27 يوليو، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس: “من يراهن الآن في أوروبا على حدوث تغيير في البيت الأبيض، فعليه أن يعد نفسه لحقيقة أن الأمر لن يكون مريحًا، كما كان في السابق، حتى في حال حدوث ذلك التغيير”.
وأضاف السياسي المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن “السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة تغيرت، وليس فقط منذ أن أصبح ترامب رئيسا”.
وأعرب ماس عن اعتقاده بأن دور شرطي العالم، الذي كانت الولايات المتحدة تدعيه لنفسها في السابق، لم تعد واشنطن ترغب في القيام به بنفس القدر المعروف.
وطالب أوروبا بأن تعزز النظر مستقبلا فيما يمكن أن تفعله من أجل أمنها. ورأى ماس أن الولايات المتحدة ستظل بالنسبة لألمانيا هي الشريك الأهم خارج أوروبا “ولهذا نبذل الجهد من أن نجعل العلاقات عبر ضفتي الأطلسي صامدة في وجه المستقبل رغم كل الاختلافات في الرأي“.
وتابع ماس قائلًا:” لقد تعلمنا أن التواصل أصبح أكثر صعوبة وأن البيت الأبيض يتخذ قرارات بدون أن يتحدث مسبقًا مع شركائه في أوروبا”؛ لكن الاتحاد الأوروبي “في حاجة إلى الولايات المتحدة في المستقبل أيضًا، وبالمناسبة فالمسألة بالعكس أيضا”.
صحف بريطانية
وفي ذات السياق، ناقشت الصحف البريطانية كيف يرى أغلب الأمريكيين أن بلادهم تسير في “الاتجاه الخاطئ” في عهده.
فنشرت صحيفة الغارديان، اليوم الإثنين، على موقعها الإلكتروني مقالًا كتبته نسرين مالك بعنوان “ترامب ساعد في الكشف عن وجه مظلم للولايات المتحدة سيبقى حتى بعد رحيله“.
وترى نسرين أنه إذا خسر ترامب الانتخابات المقبلة في نوفمبر الثاني، وهو أمر غير محسوم بأي حال، أمام منافسه مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، فإنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة أن تمضي قدمًا بدون الدخول في حالة “فقدان ذاكرة جماعي“.
وتضيف الكاتبة أن رئاسة ترامب شهدت تخريبًا واسعًا لأعراف سياسية، وفي حال فوز بايدن، سيكون هناك دافع قوي للانتقال إلى حقبة جديدة بأسرع ما يمكن.
وتقول نسرين إن بعض مؤشرات ذلك بدأت تظهر بالفعل، حيث تبدو استطلاعات الرأي مشجعة بالنسبة للديمقراطيين.
ففيروس كورونا “يدمر البلاد”، وحقيقة ترامب تتكشف قليلًا كل يوم؛ بينما يحاول ويفشل في إثبات أنه “مسيطر” في مقابلاته التلفزيونية.
وتشير الكاتبة إلى أن بايدن قال الأسبوع الماضي “كان لدينا عنصريون، وحاولوا الحصول على رئيس منتخب، وكان لهم ذلك بفوز ترامب”.
ولكنها علقت على ذلك بالإشارة إلى أن 12 من الرؤساء الأمريكيين السابقين كان لديهم عبيد.
وترى الكاتبة أن إنكار بايدن لوجود العنصرية في أقوى مكتب على وجه الأرض تأتي في إطار محاولة لتصوير أن ترامب حالة استثنائية، وأن الفكرة تكمن في أن تطهير هذا المكتب بطرده من البيت الأبيض.
وتؤكد أن الظروف التي أعطت ترامب السلطة وحافظت على تقدمه في أغلب الاستطلاعات إلى حد كبير على الرغم من مزاعم الاعتداء الجنسي ومحاولات عزله لن تختفي بين عشية وضحاها.
وتضيف أنه رحيل ترامب، إذا حدث، سيكون موضع ترحيب كبير، لكنها تشير إلى أن رئاسته جعلت البلاد تمر بلحظة تواجه فيها نفسها، وكشف أن فكرة تفوق العرق الأبيض موجودة (داخل المجتمع) وتنتظر من يعطيها دفعة.
وتقول إن إدارته كشفت عدم اهتمام العديد من الأمريكيين بالأخلاق في السياسة الخارجية.
وترى الكاتبة أن “عودة الأمور إلى طبيعتها” بعد فترات من الفشل الأخلاقي هي إحدى “نقاط القوة” في الولايات المتحدة.
وتستشهد بما حدث عندما صدر تقرير الكونغرس حول طرق الاستجواب التي اعتمدتها وكالة الاستخبارات المركزية والذي أكد على أن “الوكالة تجنبت الرقابة وكذبت في ما يتعلق بجدوى التعذيب، ولكن لم يعاقب أي شخص تورط في ذلك“.
والأكثر من ذلك أن التقرير بدا وكأنه يؤكد على أن المثل الأمريكية لم يلحق بها أي ضرر، فقد قال باراك أوباما حينها: “لا توجد دولة مثالية ، ولكن إحدى نقاط القوة التي تجعل أمريكا استثنائية هي استعدادنا لمواجهة ماضينا بشكل علني، ومواجهة عيوبنا، وإجراء التغييرات والقيام بعمل أفضل“.
وتتوقع نسرين أن يحدث نفس الشيء إذا خسر ترامب في وقت لاحق من هذا العام.
أما صحيفة الاندبندنت فنشرت هي الأخرى تقريرًا، لـ”غريفين كونولي”، بعنوان “ثمانية من بين كل 10 أمريكيين يعتقدون أن البلد يسير في اتجاه خاطئ“.
يرى كونولي أن نسبة الأمريكيين المتشائمين بشأن توجهات بلادهم خلال رئاسة دونالد ترامب باتت أكثر من أي وقت مضى، حيث تواصل الولايات المتحدة التعامل مع أزمة فيروس كورونا، بينما تحولت الاحتجاجات ضد وحشية وعنصرية الشرطة ضد السود في بعض الأحيان إلى أعمال عنف، كما كشفت الانتخابات الرئاسية عن انقسام سياسي عميق.
ويستشهد الكاتب باستطلاع جديد أجرته وكالة أسوشيتد برس ومركز NORC لأبحاث الشؤون العامة، يقول أن حوالي ثمانية من بين كل عشرة أمريكيين يرون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ.
ويضيف الاستطلاع أن 38% فقط ممن شملهم الاستطلاع الأخير، يقولون إن حالة الاقتصاد الوطني جيدة، قياسًا بـ 67% ممن شملهم استطلاع أجري في يناير، قبل وصول “كوفيد 19” إلى الأراضي الأمريكية.
وبحسب الكاتب، فإن أرقام الاستطلاع لا تبشر بالخير بالنسبة إلى ترامب، إذ يرى 32% فقط من المشاركين في الاستطلاع أن ترامب نجح في مواجهة الوباء.
لكن الاستطلاع يرى أن الرئيس ما زال يتمتع بميزة على بايدن في مدى ثقة الناخبين في قدرة كل مرشح على إدارة الاقتصاد.
وقالت كيت بيدنجفيلد، نائبة مدير حملة بايدن في بيان لوكالة أسوشييتد برس، إن ما يشعر به الناس هو أنهم يحصلون من ترامب في الوقت الحالي على فوضى عابرة في الحديث السياسي المهتم بالذات، ويخلص التقرير إلى أن الأمريكيين سئموا وتعبوا من حكومة منقسمة غير قادرة على إنجاز الأمور.
+ There are no comments
Add yours