أبوبكر أبوالمجد
أعلن الرئيس الأمريكي اليوم الخميس، دونالد ترامب، عن قرار مشروط لإبرام اتفاق سلام مع طالبان في أفغانستان وفق ما كشفته شبكة “فوكس بيزنس”، بعد أن أبلغت مصادر وكالة رويترز أن من الممكن توقيع اتفاق هذا الشهر.
فيما لم يتسن للوكالة على الفور التحقق من صحة تقرير شبكة فوكس.
جدير بالذكر أن ترامب قد أوقف المحادثات مع طالبان، والتي تهدف إلى التوصل لاتفاق على سحب قوات أمريكية وقوات أجنبية أخرى مقابل ضمانات أمنية من طالبان، بعد أن نفذت الحركة تفجيرات في كابول خلال سبتمبر أودت بحياة 12 شخصًا، منهم جندي أمريكي.
وأكدت الولايات المتحدة أنها زادت وتيرة عملياتها ضد المتشددين في أفغانستان منذ انسحاب ترامب من محادثات طالبان.
حديث قديم
الحديث عن اتفاق سلام بين الأمريكيين والحكومة الأفغانية من جهة وحركة طالبان من جهة أخرى، ليس جديدًا، فقد دعت طالبان بومبيو له منذ العام 1996.
لكن مؤخرًا وبعد تسع جولات في العاصمة القطرية الدوحة، عاد الحديث بقوة عن هذا الاتفاق، وإمكانية خروجه للنور، حيث أعلن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أفغانستان، زلماي خليل زاده، في سبتمبر 2019، عن اتفاق سلام “من حيث المبدأ” مع طالبان.
ولربما الدافع الآن أقوى من كل الأعوام التي خلت، فالولايات المتحدة تحملت كلفة باهظة وكذلك القوات الأفغانية، وطالبان أصابها الكثير من الإرهاق.
فأما عن تكلفة الحرب الأمريكية في أفغانستان، فإن أرقامًا نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية مؤخرًا، تشير إلى أن مجموع ما أنفقه الأمريكيون عسكريًا في أفغانستان من أكتوبر 2001 إلى مارس 2019 بلغ نحو 760 مليار دولار.
بيد أن دراسة مستقلة أجراها مشروع تكلفة الحرب في جامعة براون الأمريكية خلصت إلى أن الأرقام الرسمية التي نشرتها الحكومة الأمريكية لا تعكس الواقع إلى حد كبير، ورفعت التكلفة إلى تريليون دولار (ألف مليار دولار).
وأشارت هذه الدراسة إلى أن الأرقام الرسمية لا تشمل تكاليف الإنفاق على العناية بالجرحى من العسكريين الأمريكيين ولا الأموال التي أنفقتها وزارات الدولة الأمريكية الأخرى والمتعلقة بالحرب في أفغانستان ولا الفوائد التي تكبدتها الحكومة بسبب القروض التي أخذتها لسد نفقات الحرب.
أما بالنسبة للتكلفة البشرية فتشير الإحصاءات الأمريكية الرسمية إلى أنه منذ اندلاع الحرب الأمريكية ضد حركة طالبان في عام 2001، تكبدت القوات الأمريكية 3200 قتيلًا ونحو 20.500 جريحًا.
ولكن هذه الخسائر الأمريكية لا تقارن بالخسائر التي تكبدها المدنيون والعسكريون الأفغان، حيث أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني، في وقت سابق من العام 2019، أن أكثر من 45 ألف من العسكريين الأفغان قتلوا منذ توليه منصبه في عام 2014.
وبحسب بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، قتل أكثر من 32 ألف مدني أفغاني وأصيب أكثر من 60 ألف بجروح منذ بدئها في تسجيل الخسائر بصفوف المدنيين الأفغان في عام 2009.
من الاتفاق
وأشارت مصادر أمريكية وأفغانية، لم تكشف عن هويتها، إلى أن ذلك الاتفاق ينص على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول نوفمبر 2020 إذا أقدمت طالبان على ثلاثة أمور:
فتح مفاوضات مع حكومة كابول المدعومة من الولايات المتحدة.
كبح العنف قرب القواعد التي تسيطر عليها قوات أمريكية.
إبقاء المقاتلين الأجانب خارج المناطق التي تسيطر عليها طالبان.
وقد أعرب مسؤولون عسكريون ودبلوماسيون واستخباراتيون عن انزعاجهم من أن ثمن السلام قد يكون باهظًا، ويشمل التراجع عن الخطوات التي أنجزت في أفغانستان على صعيد حقوق الإنسان والمرأة والحقوق المدنية، وضعف الحكومة المركزية وإدارات الأقاليم، وتدهور الحملة العسكرية ضد طالبان، وانتشار الفساد فضلًا عن أن انسحاب القوات الأمريكية سيكون خطوة يصعب النكوص عنها.
وبالنسبة للمسؤولين الأفغان فإن هذه الاتفاقية بمثابة نقطة تحول سوداء في العلاقات مع واشنطن بل وإهانة.
وسبق أن نقلت مجلة التايم الأمريكية عن مصادر لم تسمها أنه قد سمع صياح متبادل خلال اجتماعات الرئيس والمبعوث الأمريكي خليل زاده الذي أبلغ غني أنه يقبل الاتفاق لأن أفغانستان تخسر الحرب.
وقالت مصادر مطلعة أن الخلافات بين الطرفين وصلت حد رفض خليل زاده تقديم نسخة من الاتفاق لغني.
ولكن بالنسبة للجانب الأمريكي ربما بدت تلك الاتفاقية أفضل تسوية للولايات المتحدة وحلفائها للخروج من أفغانستان قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2020 بعد 18 عامًا من حرب مازال الرأي العام الأمريكي لا يفهم: لماذا مازالت قواتهم هناك؟
موعد الاتفاق
وفي 12 يناير الماضي الموافق الإثنين، كشف مصدر في طالبان أن ممثلي حركة طالبان والولايات المتحدة ناقشوا في العاصمة القطرية الدوحة موعد توقيع الاتفاق بين الطرفين لتبادل الأسرى، وأضاف أن الحركة وافقت على وقف الهجمات الانتحارية، وأن القوات الأمريكية تعهدت في المقابل بوقف المداهمات الليلية في أفغانستان.
وفي 17 يناير الماضي، الموافق الجمعة، أعلنت طالبان أن المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان سهيل شاهين أن الملا عبد الغني برادر نائب الشؤون السياسية للحركة، التقى في الدوحة بالمبعوث الأمريكي زلماي خليل زاده، لمناقشة توقيع اتفاقية السلام.
وأكد شاهين أن الطرفين ناقشا توقيع اتفاقية السلام والقضايا المتعلقة بالتوقيع، وأن المفاوضات ستستمر في الأيام المقبلة.
كما كشف مصدر أن قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال سكات ميلر انضم إلى خليل زاد في مفاوضات الدوحة.
وفي وقت سابق وتحديدًا يوم الخميس 16 يناير الماضي، قال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي، في واشنطن، خلال كلمة ألقاها بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية “لا تكرروا ما حدث الثمانينيات.. حتى لو تم إبرام اتفاق ناجح، فإن التحديات ستبقى ماثلة، لذلك يتعيّن على الولايات المتحدة أن تقوم مع أصدقائها وشركائها في التحالف بانسحاب أكثر مسؤولية”.
وأضاف قريشي أنه من الخطأ إهمال أفغانستان مجددًا كما حدث عقب انسحاب القوات السوفيتية منها، مطالبًا بأن يواصل الأمريكيون انخراطهم هناك بعد انسحاب قواتهم، ولكن “ليس في القتال وإنما في إعادة البناء”.
كما قال قريشي إنه لمس لدى طالبان استعدادًا للحد من العنف، معتبرًا “أنهم براغماتيون وليسوا حمقى، وهم أيضا مرهقون”.
الرئيس الأمريكي
لكن يبدو أن الرئيس الأمريكي يراوغ، وهو الأمر الذي أعاد القتل بين الجانبين مؤخرًا.
فعلى الرغم من إعلانه رفضه أي اتفاق مع طالبان، إلا أنه استأنف المفاوضات في أكتوبر، ثم عاد في نوفمبر 2019، وأعلن، في قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان استئناف مباحثات السلام مع حركة طالبان، إنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
كما عقد الرئيس ترامب اجتماعا ثنائيا مع الرئيس الأفغاني أشرف غني أعلن فيه أنه استأنف مفاوضات السلام مع طالبان، ونقل تقرير إعلامي لصحفيي البيت الأبيض عن ترامب حينها قوله، إنه يعتقد أن طالبان تريد وقف إطلاق النار.
ونقل التقرير عن الرئيس الأمريكي قوله: “حركة طالبان تريد عقد اتفاق ونحن التقينا بهم وقلنا إنه يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار ولم يريدوا الاتفاق حول وقف إطلاق النار، وهم الآن يريدون وقف إطلاق النار.. أعتقد أن القضية ستنجح بهذه الطريقة”.
لكن أعلنت الولايات المتحدة يوم الخميس 13 ديسمبر 2019 عن “توقف قصير” في المفاوضات التي تجري في الدوحة مع حركة طالبان بعد الهجوم الذي استهدف قاعدة باغرام العسكرية الجوية الأمريكية في أفغانستان.
وعاد الرئيس الأمريكي وأعلن في 27 يناير الماضي، بأنه لن يستأنف أي مفاوضات مع طالبان قبل أن توافق دون قيد أو شرط على “الحد من العنف”، الأمر الذي أصاب حركة طالبان بالإحباط، وعبرت عن انزعاجها من مطالب إضافية واتهمت الولايات المتحدة بـ”إضاعة الوقت”.
ومما يزيد من الصعوبات، يأتي في تقارير لطالبان بأن محادثاتهم الأولية مع المفاوض الأمريكي زلماي خليل زاده قد تعثرت بشدة في محاولة لوضع تعريف لما يمكن أن يعنيه “الحد من العنف” إذا كانت طالبان ستوافق على ذلك.
ونظرًا لهذه المماطلة عادت عمليات طالبان ضد القوات الأمريكية والحكومية في أفغانستان، فهل تستمر بعد إعلان ترامب اليوم مجددًا عن قرب توقيع اتفاق سلام هذا الشهر مع الحركة؟
هذا ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة.
+ There are no comments
Add yours