أبوبكر أبوالمجد
في مثل هذا اليوم من كل عام ولأيام تالية يدندن الكثير من الدول الغربية على موسيقى الإبادة الجماعية السوداء، ليعزفوا لحنًا مله العالم من كثرة تكراره.. إنه لحن "الإبادة الأرمنية".
وتتزعم فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية أوركسترا العازفين للضغط على تركيا، إما لتحقيق مكاسب سياسية، أو نكاية فيها بحكم أنها رمز لتلك الامبراطورية الإسلامية التي أرعدتهم لقرون.
وكان المحامي البولندي اليهودي، رفايل ليمكن، هو أول من استخدم لفظ "إبادة جماعية" 1943.
الموقف الفرنسي
هذا اليوم، الرابع والعشرين من أبريل، أعلنته فرنسا يومًا وطنيًا لتخليد ذكرى المذابح التي قام بها الأتراك خلال الحقبة العثمانية ضد الأرمن.
وجاء الإعلان في بيان ألقاه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمس أثناء العشاء السنوي للمجلس التنسيقي للمنظمات الأرمنية في فرنسا، تنفيذا لوعد انتخابي كان قد قطعه على نفسه.
ودائما ما كانت مذبحة الأرمن محل خلاف بين تركيا وفرنسا، التي تعتبر إنكار مذبحة الأرمن جريمة تستوجب عقوبة السجن لمدة سنة وغرامة قدرها 45 ألف يورو، وذلك بموجب قانون أقره البرلمان الفرنسي في ديسمبر 2011.
جدير بالذكر أيضًا أن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، دخل في مشادة مع النائبة الفرنسية، سونيا كريمي، بخصوص هذا الأمر أثناء اجتماع الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي في تركيا، 12 أبريل الجاري.
كما تجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت وجهة للكثير من الأرمن الذين رحلوا عن أراضي الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين، وتضم حاليًا لوبي كبير تعداده يقارب النصف مليون أرمني، وهي جالية لها ثقلها في الانتخابات.
الولايات المتحدة
اعتادت الإدارة الأمريكية باختلاف مراجعها على اللعب بهذه الورقة هي الأخرى، فتارة يلتقطها البيت الأبيض نفسه، وأخرى يلتقطها الكونغرس، أو بعض العمد في بعض الولايات الأمريكية.
واليوم كان الدور على البيت الأبيض، حيث استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبارة "الكارثة الكبرى" لأحداث عام 1915، والتي يعتبر فيها يوم "24 أبريل" يوما لذكرى ما يسمى "الإبادة الأرمنية".
وقال ترامب، اليوم، في بيان حول أحداث 1915، "اليوم نتذكر ذكرى الذين عانوا في ميدس ييغرن "Meds Yeghern" (الكارثة الكبرى بالأرمنية)، أحد أعظم جرائم القتل الجماعي في القرن العشرين"، بحسب قول ترامب.
وأضاف الرئيس الأمريكي: "منذ عام 1915، تم ترحيل وتهجير وقتل 1.5 مليون أرمني، وساهم الكثير من الأمريكيين في بناء المجتمع الأرمني، ونحترم ذكريات الأرمن الأليمة" بحسب تعبيره.
وتابع ترامب "نعد بأن نأخذ العبرة من دروس الماضي حتى لا تتكرر تلك الأحداث مرة أخرة، ونرحب بجهود الأرمن والأتراك في التعامل مع تلك الأحداث وتقبلها".
الجدير بالذكر، أن عبارة "الكارثة الكبرى" الأرمنية استخدمها ترامب للمرة الثانية منذ تسلمه الرئاسة، كما استخدمها سابقا الرئيس باراك أوباما.
رد أردوغان
قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان: "من يحاولون تلقين تركيا دروسا في حقوق الإنسان عبر المزاعم الأرمنية، ماضيهم ملطخ بالدماء".
وتابع: "إننا نسمع إلى اليوم صرخات الأبرياء في صحراء ليبيا والجزائر، والمسلمون ليسوا مسؤولين عن تلك المجازر".
وأكد الرئيس أردوغان، أنه "لا يمكن لفرنسا التي قتلت المسلمين في الجزائر أن تعطي الدروس لتركيا".
جاء ذلك في كلمة ألقاها بالعاصمة التركية أنقرة، الأربعاء، خلال ندوة عن الأرشيف وتطويره ورؤيته ومساهماته في الدراسات التاريخية.
وأردف: "قلت للرئيس الفرنسي (أنت حديث عهد بهذه القضايا، نعلم المجازر التي ارتكبتموها في الجزائر وفي رواندا)".
وبيّن أن "القاتل الحقيقي لملايين المدنيين اليوم في العراق وسوريا وإفريقيا واضح للعيان".
وأضف أردوغان، أن "الكل يعلم من قتل 800 ألف شخص في إبادة جماعية برواندا قبل 25 عامًا ، وكان الجناة فرنسيين. والآن يعطوننا دروسا".
وأشار إلى أن الأتراك والمسلمين ليسوا مسؤولين عن مقتل أربعة ملايين شخص في الحملات الصليبية، كما أنهم ليسوا مسؤولين أيضاً عن قتل 50 مليون شخص قضوا بوحشية في كل أنحاء العالم من أجل تأسيس بعض البلدان رخاءها الاقتصادي عبر الاستعمار وإستغلال خيرات الآخرين.
وأردف: "إن القضاء على الحضارات والشعوب القديمة في قارة أمريكا ليس من تراث أجدادنا، كما أن الكل يعلم من أشعل فتيل الحربين العالميتين الأولى والثانية التي أودت بحياة قرابة 70 مليون شخص، وهما أكبر مذبحتين في التاريخ".
وتابع: "إن الذين يتحدثون عن إبادة الأرمن المزعومة، يبدوا أنهم نسوا حملات صيد اليهود التي بدأؤها قبل 80 عاماً، ومعسكرات الاعتقال لليهود".
وقال: "كما أننا لم ولن ننسى الذين قاموا بتهجير الملايين من أتراك التتار، وأتراك الأهسكا في جنح الليل من خلال إجبارهم على ركوب القطارات، وإرسالهم إلى الموت".
وأضاف: "ونعلم جيداً كيف ارتكبتم المجازر في إفريقيا من خلال هبوط مروحياتكم لتجمع الألماس والذهب هناك".
وأكد أن مُدعي المزاعم الأرمنية ومتبنيها يقومون بتضليل إعلامي كبير كي يصدق العالم بأنهم أناس جيدون، ووجه خطابه إليهم قائلا: "من تخدعون ؟".
وبيّن "لو قمنا بإعداد قائمة بالمأساة التي عشناها كأمة، لما أستطاع كل هؤلاء رفع رؤسهم من الخجل".
واستطرد قائلا: "قتل خلال الفترة 1912 -1919 فقط مليونا تركي ومسلم في البلقان، كما قتل عدد مماثل في مناطق شرق وجنوب شرق تركيا خلال نفس الفترة، ليس لأجل شيء سوى أنهم أتراك ومسلمون".
ولفت إلى أن العصابات الأرمنية قتلت المسلمين في مناطق شرق الأناضول، دون أي تمييز بين النساء، والأطفال والشيوخ.
وشدد أردوغان أنه لم تتمكن أي دولة أو مجموعة لغاية اليوم من إثبات المزاعم الأرمينية بوثائق أرشيفية.
وشدّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أن أرشيف بلاده مفتوح حتى النهاية لكل من يريد معرفة الحقيقة بشأن مزاعم "إبادة الأرمن".
وقال أردوغان: "التهجير شيء، والمجازر شيء آخر، وعلى العالم أن يُدرك بأن أرشيفنا مفتوح لكل من يريد معرفة الحقيقة".
الرئاسة والخارجية التركية
نددت الرئاسة التركية بالقرار الفرنسي، ونشر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين بيانًا اليوم، قال فيه، إن ماكرون يواجه مشاكل داخلية في بلاده ويلجأ إلى "تحويل وقائع تاريخية إلى قضية سياسية لإنقاذ وضعه".
ومن جانبها، قالت الخارجية التركية في معرض ردها على ترامب، إن بيان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حول المزاعم الأرمنية من أحداث عام 1915، "غير مقبول ولا قيمة لها".
وجاء في بيان الخارجية التركية، الأربعاء، "نرفض بيان الرئيس الأمريكي ترامب، حول أحداث 1915، المستند إلى أسس غير موضوعية، ونعتبره لا قيمة له، ومن غير المقبول أبدًا تشويه التاريخ لاعتبارات سياسية داخلية".
وأضاف البيان، "وفي نفس الفترة، نذكر ترامب، بأن أكثر من 500 ألف مسلم قتلوا على أيدي متمردين من الأرمن، وندعو ترامب لأن يكون عادلا".
ودعا لإنشاء لجنة تاريخية مشتركة للبحث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية.
وتابع بيان الخارجية التركية، "إننا وبهذه المناسبة نستذكر بحزن الضحايا الذين فقدوا أرواحهم من المسلمين والمسيحيين واليهود خلال فترة انهيار الإمبراطورية العثمانية".
حسن النية
وإضافة إلى المطالبات التركية المتكررة لكل الباحثين عن حقيقة ما جرى في مثل هذا اليوم من العام 1915، بتشكيل لجنة محايدة لتقصي الحقائق، مبدية استعدادها الكامل فتح أرشيف الدولة العثمانية لها، إضافة لذلك كانت خطوات أخرى تبرز حسن النية من جانب تركيا.
ففي عام 2014، قدم رئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب أردوغان، عزاء غير مسبوق للأرمن عشية ذكرى المذبحة.
وأصدر بيانا باللغة التركية والأرمنية وسبع لغات أخرى، قال فيه إن ترحيل الأرمن إبان الحرب كان له "تبعات غير إنسانية"، وإن الملايين "من جميع الاديان والأعراق" قتلوا في الحرب.
كذلك في ذكرى مئوية المذبحة عام 2015، حضر رئيس الوزراء التركي حينها، أحمد داود أوغلو، مراسم تأبين الضحايا "لمشاركة الأرمن في آلامهم". إلا أنه أكد على موقف تركيا من استخدام لفظ "المذبحة".
غير أن الـ20 دولة أوروبية الذين تقودهم فرنسا وأمريكا يأبون إلا أن تظل هذه الرواية ورقة يلعبون بها كلما اقتضت الحاجة لذلك، على أن يفصلوا في القضية بإصدار حكم نهائي وبات فيها.
+ There are no comments
Add yours