15 عامًا من رحيل علييف.. زعيم خلد الموت تاريخه

1 min read

أبوبكر أبوالمجد صحفي وباحث في شؤون آسيا

لا شك أن الموت نهاية كل حي.. لكن بين الأحياء من البشر من يخفق الموت في طي صفحته من الحياة.
الموت يقبض الروح؛ لكنه لا يقبض الأثر، وحيدر علييف الزعيم الخالد لجمهورية أذربيجان، من العسير إن لم يكن من المستحيل محو أثره.
إن النطفة التي تخلق منها علييف هي مسحة من نطف الرجال الأشاوس، والأبطال الأماجد، والحكماء الأكارم والوطنيين العظام.

لا نسوق كلمات مقدمتنا من "لسان العرب" كي نطري بالعربية الفصحى على من لا يستحق الإطراء؛ بل من قلب المواقف الجليلة للرجل اجتهدنا في إيجاد من الكلمات ما يوصفه.

حيدر علي رضا أوغلو علييف الذي ولد في 10 مايو عام 1923م، في مدينة ناخيتشوان، وتخرج من كلية التاريخ بجامعة أذربيجان الحكومية، كما حصل على شهادة التخصص في مجال عمله في جهاز أمن الدولة الأذربيجانية. 

وفي العام 1964 تم تعيينه بمنصب نائب رئيس لجنة أمن الدولة، وبعدها بثلاث سنوات شغل منصب رئيس لجنة أمن الدولة لدى رئاسة الوزراء في جمهورية أذربيجان. 

ولأنه جاء من رحم التميز، فقد تم منحه في الحقبة السوفيتية رتبة لواء، ويعد ذلك حدثًا استثنائيًا لم يسبقه إليه أي أذربيجاني عبر تاريخ الاحتلال السوفيتي للأراضي الأذرية.

وفي يوليو عام 1969 جرى انتخاب حيدر علييف سكرتيرًا أول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأذربيجاني، ومنذ تلك اللحظة أصبح قائدًا لجمهورية أذربيجان بموجب الأنظمة والقوانين المتبعة في ظل الحكم السوفيتي وقتئذ، وقد استمر في قيادة الجمهورية حتى عام 1982.

في ديسمبر عام 1982 انتخب حيدر علييف عضوا للمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي، ثم نائبًا أول لرئيس مجلس الوزراء، ثم تم انتخابه عضوًا للقيادة العليا للحزب من بين 21 عضوًا. 

وفي 15 يونيو عام 1993 تم انتخاب الزعيم الأذري رئيسا لبرلمان أذربيجان وفي 24 من نفس الشهر وبقرار من البرلمان بدأ علييف بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، وفي أكتوبر من نفس العام أيضًا تم انتخابه رئيسا للجمهورية عبر استفتاء شعبي عام، كما تم إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية الثانية التي جرت في 11 أكتوبر عام 1998 لفترة رئاسية جديدة ليصبح رئيسا لخمس سنوات أخرى. 

ازدهار أذربيجان

كان عهد الزعيم الخالد حيدر علييف بحق عهد التغيرات والتحولات الجذرية في تاريخ أذربيجان على طريق بنائها الحديث ونهضتها المنشودة، حيث شرع في وضع أسس النهضة بتحديث وتطوير العمران فيها وبناء المراكز الصناعية العملاقة المتفردة حتى عن مثيلاتها في دول الاتحاد السوفيتي حينذاك، إضافة إلي افتتاح المراكز العلمية والثقافية وإنشاء المدن والقرى والمراكز الحضارية الحديثة. 

كذلك وضع الزعيم الملهلم استراتيجية وطنية في مجال الطاقة يكون بإمكانها تحقيق الاستفادة القصوى من ثروات البلاد نفطًا وغازًا، وتمكينها من لعب دور محوري في سوق الطاقة الدولية، باعتبارها جسرًا هامًا بين مناطق إنتاج الطاقة في منطقة بحر قزوين، وبين سوق الطاقة الرئيسي في أوروبا.

ولذلك شرعت أذربيجان في سبتمبر 1994، في توقيع ما يعرف بـ"عقد القرن" مع شركات النفط متعددة الجنسيات باستثمارات قدرت بنحو 50 مليار دولار أمريكي ، والذي هدف إلي تطوير حقول النفط البحرية في القطاع الأذربيجاني من بحر قزوين.

واستكمالًا لتقوية المؤسسات الأذرية، حرص علييف على إعداد جيش قوي يحفظ لأذربيجان قوتها ويصون أراضيها ويدافع عن حقوقها، وخاصة أنها كانت تمر بأصعب الفترات الزمنية في تاريخها، فقد كان الزعيم حريصًا على خلق جيش قوي يدافع عن قضية بلاده العادلة في استرداد الجزء السليب من أراضيه الغالية التي تحتلها أرمينيا دون أي وجه حق.

وبالفعل أصبح جيش أذربيجان اليوم أحد أقوي جيوش منطقة القوقاز قوة ومنعة وتطورًا وتسلحًا ، كما رسخ في نفوس أبناء الوطن أن الجيش القوي الوطني ليس للحروب والاعتداء، بل للردع والحفاظ علي السلام والاستقرار.

وفي مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لأذربيجان، حدد حيدر علييف خط سير بلاده في الركب العالمي، وبنى أسس سياسات بلاده الخارجية على إعادة بناء الروابط التاريخية لأذربيجان مع العالمين العربي والإسلامي، إضافة إلى بناء علاقات قوية مع دول العالم المختلفة، وهذا ما مكنه من عرض مشكلات بلاده في المحافل الدولية وكسب تأييد دول العالم الحرة له خصوصًا بالنسبة لقضية أراضي بلاده المحتلة "قره باغ الجبلية"، فكوفئ بإصدار مجلس الأمن الدولي أربعة قرارات تطالب أرمينيا بالانسحاب الفوري وغير المشروط من أراضي أذربيجان التي تحتلها.

ولم يكن بإمكان الزعيم الملهم تطوير الحجر بمعزل عن البشر، فاهتم بالبنية التعليمية لأجل خلق أجيال رائدة في علوم الحياة المختلفة يكون بإمكانها قيادة مسيرة النهضة الأذرية. 

فأنشأ العديد من المدارس والمعاهد والجامعات المتطورة، وأوفد الكثير من الدارسين إلي أعرق الجامعات في الاتحاد السوفيتي السابق، وهؤلاء كانوا الأساتذة المؤسسين لتعليم أرقى وأفضل في أذربيجان الحديثة.

تم إعادة انتخاب علييف في الانتخابات الرئاسية الثانية التي جرت في 11 أكتوبر عام 1998 لفترة رئاسية جديدة. لقد عمل الرئيس حيدر علييف طوال فترة حياته على تعزيز سيادة واستقلال ووحدة أراضي بلاده، وبذلك دخلت أذربيجان بقيادته مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر وأصبحت دولة فاعلة في المجتمع الدولي ولفتت أنظار العالم إليها لما باتت عليه كنموذج حي للسلام الداخلي والتعايش بين مختلف الأعراق والأطياف والمعتقدات والأديان التي أصل لها علييف بوعيه وحكمته، فهو صاحب المقولة الشهيرة: "لكل شعب عاداته و تقاليده و قيمه القومية-المعنوية و الدينية، و إننا نفتخر بقيمنا القومية-المعنوية و الدينية و عاداتنا و تقاليدنا".

أذربيجان والعالم الإسلامي

هذا الاعتزاز العلييفي بدينه الإسلامي، وجذوره الثقافية، واحترامه لها، هو ما أسس لعلاقات متينة بين جمهورية أذربيجان ودول العالم الإسلامي كافة ومن بينها الدول العربية و منظمة التعاون الإسلامي ومؤسساتها المختلفة، وكذلك المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو). 

وفي المقابل دعمت منظمة التعاون الإسلامي ولا تزال أذربيجان، وأصدرت مؤتمراتها قرارات قاطعة بشأن النزاع الأرميني – الأذربيجاني حول قراباغ الجبلية، و نددت تلك القرارات بعدوان أرمينيا على جمهورية أذربيجان، ودعتها إلى سحب قواتها المسلحة بشكل فوري و كامل و دون شروط من الأراضي الأذربيجانية المحتلة.

رحيل الزعيم

وما اكتمل شيئ إلا وتبعه نقصان.. رحل الزعيم حيدر علييف في 12 ديسمبر 2003، بعد أن أتم وضع أذربيجان على الطريق نحو مستقبل مزهر.

رحل بعد أن بنى مؤسسات وطنية مهابة في كل مجالات وشؤون الحياة وبناء الدولة.

رحل بعد أن صارت بلاده مؤهلة لتحقيق الرفاهية والازدهار ولعب دور إقليمي ودولي معتبر.

رحل بالموت لكن بقيت آثاره تطلق روحه في سماء أذربيجان وبين أبنائها تسري أنفاسه وفي عقولهم وضمائرهم تسبح مبادئه وأفكاره.

إنه رجل خلق للخلود.. نطفة من نطف أولاء المخلدين أبدًا.
 

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours