صالح الشرقاوي
انتقادات واسعة تتعرض لها الدولة المصرية سواء في أوروبا أو أمريكا بسبب القيود التي تفرضها على المنظمات الحقوقية والناشطين السياسيين، وهو الأمر الذي تنفيه السلطة والمنظمات القريبة منها، وتراها ضغوطًا الهدف منها النيل من كيان الدولة وزعزعة استقرارها.
ولطالما جاء على رأس منتقدي إدارة مصر للملف الحقوقي منظمتي «هيومان رايتس ووتش» و«العفو الدولية»، واللتان تراهما القاهرة غير حياديتين.
تقارير المنظمات المحلية بشان أوضاع حقوق الإنسان لا تنقطع، فلا يكاد تمر أيام دون أن تصدر عشرات المنظمات بيانات رسمية تنتقد الأوضاع الحقوقية والتي آخرها ذلك البيان الموقع عليه 14 منظمة وحزبًا سياسيًا انتقدت فيه إسقاط عضوية النائب محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، واعتبروا ما حدث انتهاكًا للدستور والقانون، واستهدافًا للمنظمات الحقوقية الناشطة.
وعلى الصعيد الدولى، وضعت منظمة مراسلون بلا حدود فى تقريرها لعام 2016، ترتيب مصر فى المرتبة 159 من بين 180 دولة، وهو الأمر الذى يكشف تدهور أوضاع الحريات بشكل عام، وحرية الصحافة بشكل خاص، خاصة عقب أزمة اقتحام نقابة الصحفيين فى نهاية أبريل 2016، والتى أثارت انتقادات واسعة من الجهات الدولية، بينما آخر التقارير الدولية كان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية التى وصفت الأوضاع بالسيئة.
مبعوث أوروبي
بدأ الحراك الدولى تجاه الأوضاع المصرية، مع زيارة ستافروس لامبرانديس، مبعوث الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان للقاهرة، فى أواخر فبراير الماضى، والتقى خلالها مسئولين مصريين، كان أبرزهم وزير الخارجية المصرى سامح شكرى، ووزيرة التضامن، الدكتورة غادة والى.
واختتم "لامبرانديس" لقاءاته مع وفد من المنظمات الحقوقية، ثم لقاء محمد فايق رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، حيث ذكر المجلس فى بيان رسمي، بتاريخ 23 فبراير الماضى، أن فايق قدم ملخصًا لأنشطة المجلس في نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان وضمان ممارستها ونشر الوعي بها ومدي التقدم في ظل التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في مصر.
فيما لم يعلن المبعوث الأوروبى من جانبه تفاصيل الاجتماعات السابقة، على غير عادة اللقاءات الدولية التى كانت تعلن تفاصيلها، فى مؤتمرات واسعة.
وزير الخارجية البريطاني
وما أن غادر "لامبرانديس" القاهرة، حتى وصل وزير الخارجية البريطاني برويس جونسون، فى 25 فبراير الماضى، وأجرى لقاءات مع الرئيس السيسي، ووزير الخارجية سامح شكرى، مختتمًا لقاءاته بعدد من الحقوقيين المصريين، حيث بحث تطورات حالة حقوق الإنسان في مصر، وما يواجهه المجتمع المدني المصري بشكل عام والمنظمات الحقوقية بشكل خاص من حملات تنكيل وانتقام مستمرة تعرقل من عملها بحسب ما أعلنه مركز القاهرة.
فذكر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أن اللقاء ركز على الملاحقات القضائية المستمرة للمدافعين عن حقوق الإنسان والأحكام الصادرة ضدهم مؤخرًا عقابا على عملهم الحقوقي أو دفاعهم عن الحق في حرية الرأي والتعبير.
زارع يكشف
وقال محمد زارع مدير المركز فى تصريحات خاصة لـ"المصرية" إن المداخلات من جانب المنظمات تناولت الحديث عن الهجمة الشرسة التى تتعرض لها المنظمات ونشطاء حقوق الإنسان، وآخرها غلق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب في 9 فبراير الماضى، ومنع أكثر من 17 حقوقي من السفر ومصادرة أموال عدد من المنظمات والمراكز الحقوقية مما أدى إلى تجميد نشاطهم.
وأضاف زارع أن الحقوقيين المصريين ركزوا على الهجمة الشرسة على منظمات حقوق الإنسان المصرية المستقلة على خلفية اتهامهم في القضية 137 لسنة 2011 المعروفة إعلامياً باسم قضية التمويل الأجنبي، والتي على إثرها تم منع عدد من المنظمات الحقوقية ومديريها من التصرف في أموالهم ومنعهم من السفر بسبب عملهم الحقوقي.
لقاء ميركل
الزيارة البريطانية لم تكن الأخيرة أوروبيا، حيث أعقبتها زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والتى زارت مصر الخميس الماضى، وافتتحت مع الرئيس السيسي المرحلة الأولى من محطة كهرباء البرلس والتى تعتبر الأكبر فى الشرق الأوسط، وتنفذها شركة سيمنز الألمانية.
والتقت "ميركل" والتى تخوض الانتخابات في سبتمبر المقبل، وتلقى معارضة يصفها محللون بأنها غير هينة، وفدا من رؤساء المنظمات الحقوقية، بمنزل السفير الألمانى بالقاهرة، على رأسهم جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومحمد لطفي مدير المفوضية المصرية لحقوق الإنسان، وآخرين لم يتم الإعلان عنهم.
19 سجن بعد يناير
وعلق "عيد" على اللقاء عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى، بقوله: "حين تحدثت ذكرت الصعوبات الاقتصادية والإرهاب الذي تواجهه مصر، وبالرغم من ذلك هناك ضرورة ألا نضع الحريات السياسية والديمقراطية في مواجهة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بل أن نعمل على تطويرهما معًا، جنبًا إلى جنب؛ لأن أحدهما لا يغني عن الآخر، وإنني سوف ابدأ بطرح بعض المعلومات، ثم أقول رأيي".
وتابع: "أما عن المعلومات، ذكرت التوسع في بناء السجون لتبلغ 19 سجن عقب ثورة يناير، والرحيل الواسع لكفاءات مصرية خارجها غالبيتهم من الشباب والأكاديميين والصحفيين، والكثير منهم غير متهمين في قضايا ما يعني أنهم ليسو إرهاربيين ولكنهم هربوا من مناخ يعادي أحلامهم، ويتوسع في استخدام الحبس الاحتياطي لسنوات بشكل مخالف للقانون، وضربت مثال بالصحفيين شوكان وهشام جعفر، وعن العدد غير المسبوق من الصحفيين السجناء والتوسع في المنع من السفر دون إخطار من يتم منعه، والتضييق على الإعلاميين المستقلين ولجوء العديد منهم لإعلام دولي بحثًا عن مناخ يرحب بحرية التعبير".
وأضاف مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: "وعن رأيي، تكلمت عن وعينا بصعوبة الأوضاع في مصر بعد الثورة وأنه لا ينبغي توجيه النقد فقط؛ بل تقديم مبادرات الإصلاح، وإننا قدمنا مبادرات لإصلاح الداخلية والإعلام، تم الترحيب والاحتفاء بها عقب الثورة، ثم سقطت من اهتمامات المختصين.
ولفت عيد: "أن إقرار العدالة ومحاربة الفساد أولى خطوات محاربة الإرهاب؛ لكننا نرى التعلل بالأزمة الاقتصادية ومحاربة الإرهاب لحرماننا من الديمقراطية، التي اعتقد أنهم يكرهونها، رغم ضرورتها للمجتمع المدني بكل تنوعاته لإنقاذه من مصير دول مثل سوريا والعراق".
وأردف: "إن حرية التعبير لا تعني الكلمة الواحدة والرأي الواحد؛ بل لابد من التنوع والحوار، والتضييق على المجتمع المدني وإغلاق المؤسسات إلى حد إغلاق مكتبات عامة تخدم الفقراء والشباب، لا يخدم الدولة أو المجتمع بأي شكل".
"ثم كررت التأكيد على ضرورة سيادة القانون والعدالة ومكافحة الفساد، كوسيلة تحد من الغضب الواسع، خاصة لدي الشباب".
"واختتمت المستشارة ميركل بقولها، إن الشعوب تسعى للحرية وإنها تتفهم ذلك، وأن هناك ضرورة لدعم من يعملون لدعم المجتمع المدني؛ لأن الشعور بالخطر يؤدي لفقدان الثقة، وإنها شخصيًا تعرف ذلك باعتبارها من ألمانيا الشرقية سابقًا" بحسب "عيد".
تقرير الخارجية الأمريكية
وما إن انتهت"ميركل" من زيارتها حتى صدر تقرير الخارجية الأمريكية بشأن أوضاع حقوق الإنسان فى 200 دولة على مستوى العالم من بينها مصر، والذى انتقد الأوضاع الحقوقية بها وسرد كثير من الوقائع واصفًا إياها بالخلل.
ومصر ترد
وأصدرت وزارة الخارجية بيانًا للرد على تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بشأن أوضاع حقوق الإنسان على مستوى العالم. وقال المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث باسمها، إن الخارجية الأمريكية دأبت على إعداد مثل تلك التقارير الدورية عن أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأخرى، وهو ترتيب أمريكي ينطلق من اعتبارات داخلية ويعكس وجهة النظر الأمريكية، ولا يرتبط بأي حال بالأطر القانونية التعاقدية التي تلتزم بها مصر أو منظمات الأمم المتحدة التي تتمتع مصر بعضويتها.
وأكد أبوزيد أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر ترتبط بالتزامات دستورية واضحة، ويتم مراقبتها من جانب المؤسسات الوطنية المصرية الحكومية أو المستقلة، مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان، ومجلس النواب الذي يراقب ويتابع أداء السلطة التنفيذية في كل مناحي عملها.
البرلمان يتدخل
ومن جهتها أصدرت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، بيانًا ردت فيه على تقرير الخارجية الأمريكية، جاء فيه "بنظرة تحليلية بسيطة يمكننا أن نلحظ أن كاتبي الجزء الخاص بمصر استقوا معلوماتهم من مزاعم جماعة الإخوان المسلمين، وذلك دون تدقيق أو استقصاء الحقيقة، وهو الأمر الذي جعل التقرير يبتعد بقوة عن الموضوعية، والغرض الأساسي لمثل هذه التقارير، والأكثر من هذا أن التقرير جاء متناقضا في كثير من نقاطه".
مستقبل المجتمع المدنى
من جهته قال محمد زارع مدير المنظمة العربية، الموجود فى جينيف، إنه منذ سنوات ونحن نعانى من تقلص المجتمع المدنى فى مصر ويواجه هجمة شديدة الهدف منها تقويضه وأصبح الخطر يواجه الحقوقيين وأسرهم.
وأضاف زارع فى تصريحاته الخاصة بنا: "للأسف الشديد المجتمع المدنى يواحه حملة غير مسبوقة، وأصبح نشاطًا مشبوهًا والعاملين فيه يتم طعنهم فى وطنيتهم وانتمائهم للبلد، وباعتبارى أحد الأشخاص الذىن تعرضوا للتحفظ على أموالهم، فوجئت أن المنظمة متهمة بإشاعة أخبار كاذبة وهى إدانة التعذيب فى مصر على غير الحقيقة".
وتابع مدير المنظمة العربية: "فى الأربع سنوات الماضية، حصلت على أحكام بتعويض لصالح الضحايا قدرها 35 مليون جنيه، عن طريق قضايا رفعتها على وزارة الداخلية ونفذت كتير من الأحكام منها".
ورأى زارع أنه فى الفترة الأخيرة المجتمع المصري يشهد تراجعًا ملحوظًا، وذلك لأن المجتمع المدنى المصري سببا فى تحريك الثورة على حسنى مبارك، ومن هذه اللحظة بدأت التحركات ضد المجتمع المدنى، وبدأوا بتشويهه والإجراء التانى محاولة إلهاء الجتمع المدنى فى بالإجراءات، مثل قضايا الناشطين وتلفيق قضايا لهم كقضية نجاد البرعى ومركز النديم.
وأبدى "زارع" رغبته أن يملك الغرب استراتيجية للمستقبل، وتتغير نظرته للشعب المصري، وهى"الشعب المصرى مش هيقدر يعيش غير تحت السيطرة الأمنية" مطالبا بعدم نسيان سيناريو سوريا التى تعانى حربا أهلية فى الوقت الحالي، وكانت فى السابق تملك جيشا قويا وأجهزة أمنية تقمع الجميع، قائلا: "أرجو ألا تصل الأمور في مصر إلى هذا الطريق" خاصة مع وجود فرص لإقناع الحكومة المصرية.
أوباما وليس ترامب
ومن جانبها، رأت الناشطة الحقوقية داليا زيادة، أن تقرير الخارجية الأمريكية تضمن إدعاءات سبق دحضها مراراً، سواء التى تستهدف الأداء الأمني لوزارة الداخلية والقوات المسلحة تحديداً، بدءاً من تشديد القبضة الأمنية على المدافعين عن حقوق الإنسان ووجود حالات الاختفاء القسري بالمئات وسوء ظروف الاحتجاز.
وأضافت زيادة فى تصريح خاص لـ"المصرية" إن التقرير تجاهل حقيقة أن مصر تخوض حرب ضارية ضد الإرهاب، وأن حماية وضمان الحقوق المدنية وحقوق الإنسان في ظل هذه الأمور في غاية الصعوبة، متجاهلاً الحرب الدائرة فى سيناء، أو أن يلوم التقرير القيادة السياسية في مصر على العمليات الإرهابية التي وقعت في حق المواطنين المسيحيين وممتلكاتهم، متجاهلين تماماً ما قامت به الدولة لإصلاح ما دمره الإرهابيون.
وأكدت زيادة أن هذا التقرير كتب في السنة الأخيرة من عهد الرئيس أوباما، وهذا ما يجعلنا إلى حد كبير متفهمين ما وراؤه من دوافع جعلته يخرج بهذا الشكل الهزيل وهذا الكم من المغالطات، ونأمل أن تكون بداية العهد الجديد في العلاقات المصرية الأمريكية سبيلاً لفهم أعمق لما تمر به مصر من تحديات.
+ There are no comments
Add yours