هيأت النزاعات السياسية والتردي الأمني في ظل هشاشة الدولة على مدار سنوات مضت الطريق أمام مجموعات إسلامية متشددة أهمها تنظيمي "القاعدة" و"داعش"،للتوسع ومحاولة السيطرة على عدة مناطق.ورغم هزيمة التنظيمين في معاقلهم في ينغازي وسرت فإن خطر العودة لازال قائما مع سعيهم لاستغلال الانقسامات السياسية في ليبيا لترتيب صفوفهم.
ففي معركة فاشلة استمرت أشهر عديدة للدفاع عن معقله الساحلي في ليبيا،فقد التنظيم قيادات بارزة وتراجع نفوذه بشكل ملحوظ.لكن وفي ظل تقارير تؤكد إن مئات من مسلحي الدولة الإسلامية ربما فروا قبل بداية معركة سرت، في مايو آيار أو خلال مراحلها الأولى،بقيت هناك علامات على أن التنظيم سيحاول العودة للقتال من خلال خلايا نائمة وسرايا صحراوية.
وتشير الأنباء إلى إن مقاتلي التنظيم انتقلوا إلى وديان صحراوية وتلال تقع جنوب شرقي طرابلس ويصل عددهم إلى المئات،حيث يحاولون إشاعة الفوضى من خلال قطع إمدادات الكهرباء والماء ويحاولون تحديد المجتمعات المحلية التي قد تتجاوب مع أفكارهم.وفي تصريحات لوكالة "رويترز"،قال إسماعيل شكري، قائد المخابرات العسكرية فى مصراتة،الجمعة الماضي،إن عناصر داعش يسعون لإعادة تشكيل صفوفهم مرة أخرى بعد هروبهم للصحراء، لكنه استبعد سهولة استهدافهم إلا من خلال دعم أمريكي.
ولفت شكري، إلى وجود مجموعة من المتشددين التابعين لتنظيم داعش، تتراوح أعدادهم بين 60 و80 مقاتلا تنشط حول مدينة "قرزة" التى تبعد 170 كيلومترا غربى سرت بينما توجد مجموعة أخرى قوامها نحو 100 متشدد حول حقلى زلة ومبروك النفطيين الواقعين على بعد 300 كيلومتر جنوب شرقى سرت وهناك تقارير عن مجموعة ثالثة موجودة فى العوينات قرب الحدود مع الجزائر.وأكد المسئول الأمنى الرفيع، أن تلك العناصر تتحرك فى مجموعات صغيرة حتى لا يتم كشفهم، كما أن تحركاتهم تكون ليلًا مما يصعب رصدهم.
وكانت قوات التحالف الدولى بقيادة أمريكا قصفت فى 19 يناير الماضي،معسكرًا كاملًا للتنظيم يقع على مسافة 45 كيلومترًا جنوب غرب سرت بقاذفات "بى 2" المتطورة، وقتلت 80 عنصرًا من قياداته الأمر الذى شل حركة التنظيم بالكامل وجعلت بقاياه يسارعون للهروب إلى الأودية والصحراء القريبة.
ولفترة زادت عن العام سيطر داعش على سرت بالكامل وجعلها قاعدته الأولى في شمال أفريقيا لكن بحلول ديسمبر الماضي أجبر على الخروج من المدينة بعد حملة عسكرية استمرت أشهر.وفقد التنظيم المتشدد الكثير من مقاتليه في معركة سرت ولا يسيطر حاليا على أراض في ليبيا لكنّ متشددين هاربين وخلايا نائمة يعتبرون مصدر تهديد في البلاد الممزقة بشدة والتي يغيب فيها حكم القانون إلى حد بعيد منذ 2011.
ويحاول داعش تدعيم مراكزه بصورة مختلفة فى ليبيا، التى يعتبرها عاصمة الخلافة فى شمال إفريقيا، عبر استقطاب عناصر جدد من الدول المجاورة، والتواصل مع فروعه فى دول الجوار. وشهد العام الماضى تواصلا دائما بين التنظيم وجماعة بوكوحرام النيجيرية التى أمدت "داعش" بعناصر تابعة لها من الجنوب، مستغلة فى ذلك حالة الفراغ الأمنى التى تعانى منها ليبيا نتيجة الصراع بين الفرقاء وعدم وجود رقابة كبيرة على الصحراء التى سهلت دخول تلك العناصر.
هذا وكانت الأجهزة الأمنية التونسية قد تمكنت من ضبط خلية إرهابية تستقطب المقاتلين وتعمل على تسفيرهم إلى سوريا عبر ليبيا.وكشفت وزارة الداخلية التونسية ،السبت 11 فبراير 2017، أن عدد أفراد الخلية 6، وأعمارهم بين 19 و51 عاما، وبالتحقيق معهم اعترفوا بالتواصل مع عناصر إرهابية متواجدة بليبيا.كما اعترفوا أيضا بالولاء لتنظيم داعش الإرهابي, وبالقيام بتدريبات قتالية في أماكن نائية بمنطقة البقالطة بعيدا عن المراقبة الأمنية, وقالوا إنهم كانوا ينوون التوجه إلى مالي وليبيا.
وفي سياق متصل كشفت استخباراتية وأمنية أن ميليشيات ليبية بعضها مرتبط بتنظيمات متطرفة،انخرطت أخيرا في تجارة المخدرات والعملات المزيفة بالتعاون مع شبكات اجرام دولية في محاولة منها لتوفير موارد للسلاح ورواتب لعناصرها.وكشف تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية أن تنظيمات تدعي سعيها لـ"إقامة الدين"، و "الجهاد ضد الغزاة" قد انخرطت عن طريق مليشيات مسلحة في الاتجار بالبشر، وتجارة المخدرات، وكذلك سرقة الآثار، إضافة إلى تجارة العملات المُزورة انطلاقا من سواحل غرب ليبيا.
وبحسب الصحيفة اللندنية، فإن أجهزة أمنية أوروبية تُخطّط للعمل "أمنيا واستخباريا" ضد هؤلاء انطلاقا من الأراضي الليبية، خصوصا وأن المهمة تحتاج إلى تضافر جهود أمنية، بسبب ما أسمته التقديرات الأمنية التي استند إليها تقرير الصحيفة بأن ليبيا تمتلك سواحل بحرية طويلة، وأراض صحراوية شاسعة، وهو أمر يُسهّل عمل هذه المليشيات.ويؤكد الرائد محمد حجازي، وهو خبير أمني وعسكري ليبي بحسب تقرير صحيفة "الشرق الأوسط" أن الوضع في بلاده أصبح مأساويًا، لأن ليبيا مفتوحة على مصراعيها، وأنها تحولت إلى ما أسماه "مرتعا للمافيات".
على صعيد آخر، تحاول قوات الجيش الوطني الليبي توسيع نطاق سيطرتها غربًا عقب تحريرها منطقة قنفودة غرب بنغازي بشكل كامل،وتحقيقها انتصارات كبيرة في مدينة بنغازي شرق البلاد.حيث شنَّت مقاتلات سلاح الجو الليبي غارات جوية مكثفة على مواقع المجموعات الإرهابية المتطرفة في بقايا محاور القتال في مدينة بنغازي،وذكرت الصفحة الرسمية لرئاسة أركان سلاح الجو الليبي أن الغارات استهدفت بقايا الجماعات الإرهابية المحاصرة بمحور العمارات بمنطقة بوصنيب غرب بنغازي.وأوضحت الرئاسة أن المقاتلات استهدفت أيضا مواقع الجماعات الإرهابية بمحور الصابري وسوق الحوت وشارع الشريف وتدمير آليات ومراصد الجماعات الإرهابية هناك.
من جهته،أكد المتحدث باسم "القوات المسلحة" التابعة للحكومة المؤقتة، أحمد المسماري، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على شبكة التواصل الإجتماعي "الفايسبوك"،الأحد 12 فبراير 2017، أن "مقاتلات السلاح الجوي" شنت ستة غارات جوية على تنظيم القاعدة في محيط حقل المبروك جنوب رأس الانوف بحوالي 100كم، مما أوقع خسائر بشرية ومادية كبيرة في صفوف التنظيم، مؤكدا سلامة طاقم المقاتلات.
يأتي هذا فيما كشف العميد ركن "محمد المنفورعلي" آمرغرفة عمليات القوات الجوية العربية الليبية في أتصال هاتفي مع بوابة أفريقيا الإخبارية،عن اطلاق القوات الجوية العربية الليبية عملية نوعية من قبل غرفة عمليات المنطقة الوسطي، ونفذتها تشكيلات " شاهين" وتشكيلات " نسر"في المنطقة غرب حقل المبروك النفطي، ضد مجموعتين ارهابيتين احداها 40 عربة والثانية 30 عربة، تم استهدافهم في نفس الوقت، حيث تم تدمير اكثر من 40 عربة ولاذت البقية بالفرار.مؤكدا تعهد قوات الغرفة بتوجيه ضربات اخري لكل مكان يهدد سلامة وامن ووحدة ليبيا معلناً ان ليبيا لكل الليبيين وبكل الليبيين.
ورغم هزائمها في معاقلها الرئيسية،لازالت التنظيمات الارهابية تشكل تهديدا كبيرا في ليبيا، فوجود هذه الجماعات عائق أمام بناء مؤسسات الدولة.حيث تمنع هذه الجماعات أي مبادرة للتسوية، بوصفها المتضرر من أي مسار لبناء الدولة والاستقرار، فنشاطها لا يمكن أن يستمر إلا في مناخ الفوضى وغياب الدولة،كما قد يشكل وجودها ذريعة لعديد من القوى الغربية للتدخل العسكري مرة أخرى في ليبيا، في إطار "الحرب على الإرهاب".
+ There are no comments
Add yours