أكد المحافظ الأسبق لديالى العراقية، عبد الناصر المهداوي، مشروعية تواجد تركيا في بلاده لحماية أمنها القومي ودفع المخاطر عنها لاسيما أنه جاء بعد دعوة من حكومة بغداد قبل أن تغير موقفها، كما شدد على أن أنقرة ليس لها مطامع في العراق سوى دحر الإرهاب.
جاء ذلك في حوار مطول مع المهداوي في إسطنبول، تناول فيه الوضع في مدينة الموصل التي يسيطر عليها "داعش"، شمالي البلاد، والمخاوف التركية التي اعتبرها "مشروعة" لقرب المدينة من حدودها.
وأشار في الوقت نفسه إلى “ضبابية” الموقف الأمريكي من الأطراف المشاركة في عملية التحرير، وكذلك الحديث عن تأثير أطراف خارجية على العراق لاتخاذ موقف رافض للتواجد التركي.
المهداوي الذي يترأس حاليا مركز دراسات وأبحاث “نصر” في إسطنبول، أكد أن “الأتراك هم أخوة، وهناك علاقات جيدة حكوميا، فيمكن حل الخلافات بالحوار الهادئ، والتفاهم، وبضمانات للطرفين، بأن تضمن تركيا مثلا أنه لا مطامع لها ولا هدف لها سوى تأمين حدودها، وهي ما أعطته وأكدته بالفعل مرارا”.
وطالب المهداوي الحكومة العراقية “بالثبات على موقفها الأول بدعوتها لتركيا، التي ضحت وهوجمت من داعش، وأن تغير مواقفها وترجع للمبدأ وحل المسألة دبلوماسيا”.
وأضاف أنه “يجب أن تتعاون العراق مع تركيا لدحر الإرهاب من هذه المناطق (الموصل)، وتحريرها من قبل القوات العراقية، وبإسناد أهلها بحيث نضمن عدم وجود استهداف طائفي بالمنطقة”.
كما شدد على أن “أهل الموصل يريدون التعاون مع حكومتهم، والتحالف الدولي لتحريرها من الإرهاب، ومن أي جهة تستهدفهم، فتنظيمات (داعش) و(بي كا كا) إرهابية، وكذلك بعض الميليشيات غير المسلحة تعتبر غير قانونية وإرهابية”.
وبدأت تركيا تدريب متطوعين من سكان الموصل في معسكر “بعشيقة” الذي يبعد 12 كلم شمالي مدينة الموصل، بطلب من السلطات العراقية نهاية 2014، وذلك بعد أن تحولت المدينة إلى معقل لتنظيم “داعش” عقب استيلائه عليها في العام نفسه.
وتلقى الآلاف من أهالي المدينة تدريبات عسكرية على يد 600 عسكري تركي حتى اليوم.
ومؤخراً، جدّد البرلمان التركي تفويضه للحكومة بإرسال قوات مسلحة خارج البلاد، للقيام بعمليات عسكرية في سوريا والعراق عند الضرورة، من أجل التصدي لأية هجمات محتملة قد تتعرض لها الدولة من أي تنظيمات إرهابية، وهو ما رفضته بغداد.
ويطالب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بخروج القوات التركية التي تقوم بتدريب متطوعين عراقيين في معسكر بعشيقة، برغم أن هذا الأمر جاء بناء على طلب العبادي نفسه في وقت سابق.
موقف أمريكي “ضبابي”
وعن معركة تحرير الموصل من “داعش” التي بدأت ليلة أمس، أوضح محافظ ديالى الأسبق أن “هناك حشود عراقية الآن من ٣ جبهات، وحركة للقوات العسكرية الخاصة”.
ومنذ مايو/ أيار الماضي، تدفع الحكومة العراقية بحشود عسكرية قرب الموصل، التي يسيطر عليها “داعش” منذ يونيو/ حزيران 2014، ضمن خطط لاستعادة السيطرة عليها من التنظيم الإرهابي، وتقول الحكومة إنها ستستعيد المدينة قبل حلول نهاية العام الحالي.
ومجيبا عن الموقف الأمريكي من القوات المشاركة في العملية، قال المهداوي إن “أمريكا عادة لا تكون واضحة في مواقفها ومآربها، ولا تفصح عن نواياها، قد تكون لها أهداف حقيقية، لكنها حشدت من أجلها أكثر من ٦٠ دولة (في إشارة إلى التحالف الدولي)، لذا موقفها ضبابي ومتذبذب”.
ويشارك في عملية تحرير “الموصل” الجيش العراقي وقوات الإقليم الكردي والميليشيات الشيعية، فضلًا عن حرس نينوى (الحشد الوطني سابقًا وتم تدريب عناصره من قبل عسكريون أتراك بمعسكر بعشيقة)، ووحدات أمريكية خاصة.
وفيما يتعلق بالتحذيرات التركية من تداعيات معركة الموصل، وصفها المهداوي بأنها “حقيقية ومشروعة، ويقينا هناك سيناريو في العراق يتكرر، وهو دخول داعش في المحافظات السنية، وبعدها يصبح تحشيد وتدمير المحافظة”.
واعتبر أن “الذي يدفع الثمن هم أهل المنطقة التي دخلها داعش، فعندما يدخل المنطقة وينسحب منها يترتب عليها تفخيخ البيوت، وهجوم أعمى بكل أنواع الأسلحة الثقيلة (من ميليشيات)، والمتضرر الحقيقي هم أهل المنطقة”.
واستشهد بأن الأمر حصل في تكريت (وسط) وشمال ديالى (شرق بغداد)، لافتا إلى أن “هناك أجندة أخرى، فمناطق مر عليها ٦ أشهر أو وسنة على تحريرها من داعش، لا يستطيع المواطنون العودة إليها، ليس فقط لأن البنية التحتية هدمت، بل لأسباب أخرى تتعلق بسياسات وأجندات خارجية”.
تواجد تركي “مشروع”
وفي نفس الإطار، قال المحافظ الأسبق مجيبا على سؤال حول التواجد التركي في “بعشيقة”، إنه “ليس مشروعا فقط ، وإنما بدعوة من الحكومة العراقية”.
وتابع: “أنا بعيني تابعت تصريحات العبادي عندما طلب من رئيس الحكومة التركية السابق أحمد داود أوغلو (عندما كان في منصبه)، التدخل لمساعدة العراقيين في الخلاص من داعش”.
وتعليقا على تغير الموقف الحكومي العراقي، قال إنه “يثير علامات استفهام كبيرة جدا، والمتضرر الأكثر من الوضع الحالي هي تركيا، باعتبار أن الموصل قريبة من حدودها بشكل كبير”.
وأوضح: “فقط مدينة الموصل فيها ما يزيد عن مليون مواطن، وهذا ما ينذر بموجة نزوح كبيرة جدا، لا يستطيع إقليم شمال العراق، ولا تركيا استيعابه، لذلك مخاوف تركيا حقيقية”.
ووصف مواقف تركيا بأنها “مشرفة”، واستذكر موقفا في هذا السياق حيث قال “تعرضت محافظة الأنبار لأزمة شديدة عقب سيطرة داعش عليها (قبل عامين) مما تسبب في موجة نزوح كبيرة، وفيما لم يسمح لسكانها بدخول بغداد إلا بكفيل، صرح (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان، بأن المواطن الأنباري يدخل حتى دون جواز سفر”.
ولفت إلى أنه “في تلك المرحلة بالفعل مئات المواطنين دخلوا بدون جوازات سفر، ورتبت لهم أوراق قانونية، وكان استيعاب واستضافة تركيا للعراقيين محط شرف للعراقيين قبل الأتراك”.
أجندات خارجية
ومضى المهداوي متحدثا عن معركة الموصل والمخاوف المحلية والدولية من تداعياتها، بالقول إن “المحافظة يقطنها العرب السنة، والتركمان وبعض الأقليات الأخرى، والذي حدث سابقا في بعض المواطن المختلطة، تغيير ديموغرافي حيث أفرغت من سكانها الأصليين، بعد تحريرها من داعش”.
واعتبر أن “هذا سيناريو يتخوف منه كثيرا، وفي أحداث الفلوجة والصقلاوية والعامرية (غرب)، مئات الأفراد غيبوا بسبب وجود الحشد الشعبي (الشيعي) وهو ليس مؤسسة رسمية، ولا يخضع لمراقبة حكومة، ويرتكب جرائم”.
وذهب إلى أن “الحديث عن أن تركيا متطفلة، ودخلت بشكل غير مشروع، كلام غير سليم، ولا يقبله العقل الصحيح، مواقف تركيا مشرفة، ومخاوفها حقيقية، فالعراق بلد مكونات والعنصر الأضعف هم العرب السنة والتركمان، بينما الكرد لهم رعاية دولية، والشيعة يحكمون”.
كما لفت إلى أن “التركمان يشتركون مع الأتراك كثيرا، ولا حامي لهم، فمن الطبيعي أن تهتم تركيا بهم، فهي لا تتعامل بشكل مذهبي وطائفي”، متسائلا بدهشة أنه “إذا كانت محافظة الأنبار قد نزح منها الآلاف لتركيا وهي بعيدة، فكيف الموصل القريبة منها؟”.وشدد أنه “ليس مقبول من رئيس وزراء يطلب في يوم المساعدة من الأتراك، ويبذلون الغالي والنفيس بتدريب العشائر، وبعدها يتنكرون لهم، فلماذا الاختلاف؟ (..) الهدف قد يكون استهداف لأهل الموصل، واستهداف البنية التحتية والاجتماعية للمدينة”.
أما عن مغزى الطلب الحكومي العراقي من تركيا بالخروج، واعتبار التواجد التركي غير مشروع، وجد محافظ ديالي الأسبق أن “هذا دليل على أن الحكومة العراقية مسلوبة الإرادة، وهناك طارئ بالموضوع، وهو يعني وجود إرادة خارجية، تفرض أجندتها على الحكومة العراقية”.
كما أوضح أن “الحديث عن الاستقلال والسيادة من قبل الحكومة العراقية، يتوجب الحديث عن الكل، فلماذا ٦٠ دولة (يقصد التحالف الدولي) تخوض وتلعب بالعراق، والحديث يكون فقط عن تركيا الدولة المسلمة الجارة المخلصة، وهي تريد أمنها القومي، وحماية حدودها، واستهدفت مرات عديدة من الإرهاب”.
ووصف المهداوي “وجود (بي كا كا) و(داعش) في شمال العراق بأنه “نذير خطر، فالمفروض أن تتعاون الحكومة العراقية مع تركيا، وهذا الذي كان معقود عليه الآمال في الاتفاق الأولي”.
وعن الأطراف التي لها أجندات وتدفع الحكومة العراقية للموقف الحالي، أفاد بأن “إيران لها أجندة في العراق، والحشد الشعبي (الشيعي) يحاول أن يتشكل بطريقة الحرس الثوري الإيراني”.
وشدد على أن “هذا لا يقبله العراقيون السنة والشيعة، بوجود قوات خارج إطار الجيش والشرطة، ومحاولة تقنين الحشد مرفوض، وخاصة بعد رصدنا أنه مخترق، وارتكبت جرائم”.
وتساءل المهداوي بقوله “لماذا لا يستفاد من الحشد السني من أهل المنطقة، وهناك تجربة ثرية، ويمكن قتال داعش من الداخل دون القنابل المدمرة”.
كذلك استنكر “التصريحات الصادرة من فصائل الحشد الشعبي، عن الثأر من قتلة الحسين في الموصل”، مبينا “من قتل الحسين هم من بايعوه ومن ثم خذلوه، وليس أهل الموصل”.
ولم يستبعد المهداوي وجود “أجندات خارجية وسياسات، فلماذا مثلا سقطت الموصل وانسحب الجيش، وتمكن داعش من هذه المحافظات (قبل عامين) ، كلها مخطط لها، إما تغيير ديموغرافي، أو إعادة رسم المنطقة من جديد، وهذا قد تكون أمريكا وراءه بالمحصلة”.
+ There are no comments
Add yours