“من رحم المعاناة يولد الإبداع”، مقولة ربما تنطبق على حال قصار القامة أو “الأقزام” في مصر، بعد تغلبهم على أزمة ندرة الملابس التي تناسب أجسادهم الصغيرة، عبر إنشائهم مصنع حياكة يفي بالغرض، بجهودهم الذاتية.
فبأنامل صغيرة وعقول واعية، استطاع أقزام اجتياز عقبة ندرة الملابس المناسبة لهم، في وقت قياسي، بعد إتقانهم الحياكة وشغفهم بتلك المهنة، مع تحدٍ للظروف والرغبة في إثبات الوجود.
فكرة إنشاء مصنع الحياكة، طرأت على بال بعضهم، قبل نحو 6 أشهر، ففتحت طاقة أمل للأقزام في مصر الذي يقدر عددهم بنحو 75 ألف، بحسب عصام شحاته، رئيس جمعية الأقزام المصرية (أهلية/ تهتم برعاية قصار القامة).
ويقول شحاته إنهم "دشنوا مشروع مصنع الحياكة، قبل ستة أشهر بمدينة الإسكندرية (شمالي مصر)؛ لحل أزمة عدم توافر ملابس لهم".
ويوضح شحاته أن الدافع وراء المصنع تمثل في اضطرارهم لشراء ملابس لا تناسبهم في الطول أو شراء ملابس أطفال، وبالتالي تحملهم لتكاليف مالية إضافية نظير إعادة حياكة تلك الملابس من جديد لتناسب أجسادهم الصغيرة.
ويضيف أن “هذا العمل هو الأول من نوعه، بدأنا في التنفيذ بإحضار مدربين لتعليم المتطوعين فنون الخياطة بعدما حصلوا على سبع ماكينات تبرعت بها إحدى الجمعيات الخيرية بالإسكندرية (شمال)”.
فترة التدريب استغرقت حوالي ثلاثة أشهر تحمل تكاليفها متبرعون، ثم حضر طلاب من الجامعة الفرنسية بالقاهرة وقدموا للمتدربين بعض الدعم الفني والمهني، بالتعاون مع السفارة الفرنسية، ومن بعدها عمل الأقزام دون توجيهات في صناعة ملابسهم، وفق شحاته.
وكانت المشكلة الأكبر بالنسبة لغالبية الأقزام هي الحصول على ملابس قطنية جاهزة تناسب أجسامهم، لصعوبة تعديلها وإعادة حياكتها مرة أخرى، لذا ركزوا في عملهم على أن تكون غالبية المنتجات من هذا النوع.
وبحسب شحاته، نجح الأقزام في إنتاج ملابس منزلية (بيجامات) كما أنتجوا ملابس نسائية للصلاة (إسدال)، لم تقتصر حياكتها على الأقزام فقط، بل أنتجوا أيضًا ملابس للأصحاء بيعت لجيران الجمعية الذين أعجبوا بالمنتج.
ويطمح شحاته إلى عمل مراكز لإنتاج الملابس في عدد من محافظات مصر، التي يتواجد بها فروع للجمعية التي يرأسها، إلا أن الإمكانيات المادية لا تسمح له بذلك حاليًا، وفق تعبيره.
ويلفت رئيس جمعية الأقزام إلى أن المشكلة التي تواجههم تتمثل في عدم وجود دعم مادي كافٍ لتشغيل المصنع بكل طاقته، حيث إن الملابس التي أنتجوها لم يبع منها إلا القليل، كما أنهم يحتاجون لتوفير رواتب مجدية للعاملين بالمشغل (مصنع صغير لحياكة الملابس).
ومؤخرًا عقد المصنع الصغير التي تديره، نسرين حامد، مسؤولة المرأة بالجمعية، وإحدى العاملات فيه ضمن 10 أقزام آخرين يشكلون طاقم العمل، صفقة لإنتاج ملابس وتوريدها لمصانع أخرى لطرحها في السوق، وهو ما يعد أولى خطوات تحقيق الحلم التي يطمح إليها القائمون على المشروع.
تحكي نسرين عن تجربتها في تعلم مهنة الحياكة، هي وزملائها وغالبيتهم من النساء، قائلة للأناضول إن “الأمر في البداية يبدو صعبًا للغاية، لأن أصابع الأشخاص الأقزام صغيرة ولا تصلح لإدخال الخيوط في آلة الخياطة، مما كان يسبب حاجزًا نفسيًا أمامنا، ويصعب المهمة الجديدة المكلفين بها”.
وتضيف: “للمرة الأولى نجد ملابس دون عناء، كما أن المنتجات التي ننتجها في المصنع سترحمنا من تهكم العاملين في أسواق الملابس”.
وبلهجة قوية تؤكد نسرين: “نجحنا منذ جلسات التدريب الأولى في إنتاج قطع ملابس مميزة وتصلح للعرض وبالفعل بعنا منها للأقزام وغيرهم”.
وأنتج المصنع كمية كبيرة من الملابس، باع منها بالفعل نحو 100 بيجامة (ملبس منزلي) و700 قميص (تي شيرت)، وعدد ليس بالقليل من قمصان الأطفال وملابس منزلية للنساء غالبيتها كان مخصص للأقزام فقط، وفق نسرين.
وبالعودة إلى عصام شحاتة مؤسس جمعية الأقزام، يشير إلى أن إشكالية الحصول على عمل تعد أصعب تحدٍ يواجه الأقزام، إلا أنه أشار إلى نجاحهم في وضع مادة في الدستور الحالي، ضمت الأقزام لذوي الإعاقة.
وبموجب النص الدستوري، أصبح من حق الأشخاص الأقزام التعيين في الوظائف العامة والخاصة، وذلك ضمن نسبة الـ5 %، من الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أن ذلك لم يطبق بشكل فعَّال حتى الآن.
هبة هجرس، وكيل لجنة شئون التضامن الاجتماعي بمجلس النواب (البرلمان) المصري، توضح أن “القانون الجديد المنتظر تطبيقه لا يفرق بين الأقزام وذوي الإعاقة، فكل الحقوق الممنوحة للمعاقين تساوى معهم فيها قصار القامة”.
وفي حديثها لـ”الأناضول”، تشير “هبه” إلى أن “اللائحة التنفيذية للقانون الذي يعد حاليًا بمجلس النواب ألزمت الدولة والقطاع الخاص على تشغيل ذوي الإعاقة، ووضعت نصوصًا محددة لمعاقبة من يخالف ذلك”.
وعن آليات تغير نظرة المجتمع للأشخاص الأقزام، يقول الخبير النفسي، أحمد ثابت، إن “الأفعال السلبية التي يقوم بها البعض ضد الأقزام وذوي الإعاقة راجع للتربية والتنشئة الاجتماعية للأفراد”، مضيفًا لـ”الأناضول” أنه “لتغيير هذه الأفعال يجب إعادة النظر في بعض الموروثات الثقافية، وتصحيح بعض المفاهيم، حتى يتعامل المجتمع بشكل صحي معهم (الأقزام)، بجانب الاهتمام بالثقافة الدينية لترسيخ فكرة عدم السخرية من الآخر”.
وبحسب مسح سكاني أجرته وزارة الصحة المصرية في ديسمبر/ كانون الأول 2015، فمن بين كل 3 أطفال دون سن الخامسة يعاني طفل من التقزم (قصر حاد في الطول)، بسبب سوء التغذية، إلا أن بحثًا آخر أجرته الوزارة قبل 5 سنوات يشير إلى أن 29% من الأطفال المصريين من سن يوم وحتى 4 سنوات مصابون بالتقزم، لنفس السبب. –
+ There are no comments
Add yours