قرار إصدار جواز السفر الإفريقي الموحّد خلال الدورة العادية الـ 27 لرؤساء دول وحكومات الإتحاد الإفريقي، اختطف الأضواء في هذا الحدث القاري الهام، وحاز على الاهتمام، باعتباره سيؤشر في حال تنفيذه على أنّ إفريقيا تتقدّم بخطوات ثابتة نحو الوحدة والتكامل، غير ان خبراء أعربوا عن تشككهم في امكانية تفعيل هذا القرار على الأرض.
الباحث المالي درامان لاسانا تراوري اعتبر أنّ “مبادرة مماثلة تكرّس تفعيل عملية التكامل الإفريقي، من خلال تعزيز حرية تنقّل الأشخاص والبضائع، ومن دون شكّ، فإن جواز السفر سيكون إحدى رموز الاندماج والتكامل بين بلدان القارة”.
وثيقة السفر الإفريقية التي من المتوقع تسليمها للأفارقة الراغبين في الحصول عليها بحلول عام 2020، وفق ما تأمله مفوضية الإتحاد الإفريقي، سيتيح حرية التنقل في كامل بلدان القارة السمراء، إضافة إلى تسهيل نقل البضائع.
ويرى الباحث أن جواز السفر هذا يعد “نقلة حقيقية”، على اعتبار أن 13 دولة إفريقية فقط من أصل 54 تسمح للمسافرين الأفارقة من الدخول إلى أراضيها دون الحاجة إلى الحصول إلى تأشيرة سفر “فيزا”، وفق أحدث تقارير البنك الإفريقي للتنمية.
ويأتي “تعزيز حرية تنقل الأشخاص والبضائع”، في وقت باتت فيه فكرة تعزيز الوحدة الإفريقية المحور المهيمن في كافة المواعيد القارية والإقليمية، بحسب تراوري.
ومن جانبه، قال رئيس وزراء مالي السابق، موسى مارا، في تصريح للأناضول إن “العلاقات الاقتصادية بين الدول الإفريقية تتراوح بين 5% و20% من اجمالي حجم مبادلات الدول، على حسب المناطق، وهذا الأمر غير عادي.
يجب أن تمتد (النسبة) نحو 50% على غرار آسيا أو 70% مثل أوروبا”، مضيفا “لا نستطيع التحدث عن إفريقيا والوحدة إذا كانت كافة البلدان منفتحة (على الفكرة) وتجهل كل شيء تقريبا عن جيرانها”.
أستاذ الاقتصاد المالي تابع، في هذا الخصوص قائلا: “عبر هذه الوثيقة (جواز السفر)، تنتفي جميع عوائق حرية التنقل بين البلدان”، في ظل “التخفيض في تكلفة السفر من خلال حذف التأشيرة”، ما من شأنه أن يصب في مصلحة “الأسر والشركات”، إضافة إلى ضمان ربح الوقت بـ “تبادل العمل والكفاءات”.
وعلاوة على ما تقدم، استطرد درامان لاسانا تراوري قائلا: “نأمل، أيضا، انخفاض نسبة البطالة لأن عديد القطاعات ستنتفع من تدفق الاستثمارات من أجل امتصاص اليد العاملة”.
وفي صورة تجسيد المبادرة على أرض الواقع “من المنتظر أن يجد الأفارقة أنفسهم في إطار وحدة إفريقية تعزز شعور الانتماء إلى مجال اقتصادي موحد ومتكامل”، وفق الباحث.
“حماس” لم يجد طريقه إلى خبراء آخرين، من بينهم جوفري كواو جوليان، أستاذ القانون بجامعة المغرب في أبيدجان، عاصمة كوت ديفوار الاقتصادية.
كواو جوليان أبدا خشيته من سن جواز سفر إفريقي محدود الإستخدام قد يجعل منه “غير مجدي”.
“لماذا نسن جواز سفر إفريقي، إذا كان جواز السفر الإيفواري والتشادي والجزائري يعتبرون بالفعل جوازات سفر إفريقية، على اعتبارها أنها تسلم من دول إفريقية؟”، تسائل الخبير الإيفواري.
في المقابل، يعد “الإندماج” بالنسبة لبيير دوغبو داغبو، مدير مدرسة العلوم السياسية في جامعة فيليكس هوفويت بوانيي في أبيدجان “حلما مشروعا”، الذي أشار إلى أن الوحدة الإفريقية لا يمكن أن تتحقق “إذا كنا غير متفقين على مبادئ مثل حرية تنقل الأفارقة داخل فضاء خاص بهم”.
دوغبو داغبو أضاف أن القارة الإفريقية “لن تعيد اختراع العجلة من جديد بما أن أوروبا فعلت ذلك”، متابعا في الإتجاه ذاته: “من الضروري دراسة السبل التي مكنت من إرساء حرية التنقل في أوروبا، هذه القارة التي تصغر (من حيث المساحة) إفريقيا بعشر مرات، غير أن العملية التي انطلقت في خمسينيات القرن الماضي، تطلبت عقودا قبل الوصول إلى (منطقة) الشنغن (ألغت جواز السفر وضوابط الهجرة في القارة العجوز)”.
“ومن أجل وضع المحراث أمام الحصان” وتحقيق انطلاقة فعلية دعا عمر بارو الدبلوماسي المالي في السعودية إلى البدء “بضمان حرية تنقل الأشخاص والبضائع عن طريق إزالة تصاريح الإقامة بين الأفارقة”.
ومن بين مختلف المنظمات الإقليمية في القارة الإفريقية، أتاحت قلة من بينهم، على غرار الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (تضم 15 دولة)، حرية تنقل الأشخاص عن طريق ضمان، وحدة جمركية.
غير أنه حتى في مثل هذه الحالات أيضا، فاعلية هذه التدابير توضع على المحك في حالات الأوبئة، من قبيل فيروس “ايبولا” الذي ضرب عامي 2014 و 2015 دول غرب افريقيا، عقب تعرض عديد المسافرين إلى حالات “تحرش” وإزعاج، في كثير من الأحيان.
جان جيف موانزا، الأمين العام للحزب الكونغولي (الكونغو الديمقراطية) المنضوي صلب تحالف الديمقراطيين لجمهورية جديدة (معارضة) قال للأناضول، من جانبه، أن جواز السفر القاري يمثل “رسالة قوية” لقارة حريصة على إعادة تأسيس “مثل أعلى للوحدة الإفريقية”، دون اخفاء عن ريبته من المشروع، متخذا منطقة وسط إفريقيا مثالا.
“إذا تطرقنا إلى مثال الكونغو الديمقراطية، تتمركز عشرات الجماعات المسلحة على نطاق واسع من حدودنا الشرقية، بالإضافة إلى الحدود التي تجمعنا ببوروندي التي تعيش منذ أكثر من عام أزمة سياسية وأمنية”، تابع زعيم المعارضة الكونغولية متسائلا عن كيفية تطبيق “حرية حركة البضائع والأشخاص في مثل هذه الحالة، دون أن يعمل جواز السفر الإفريقي على تعقيد الوضع الراهن”.
وعلاوة على ماذكر، لفت موانزا إلى الجريمة العابرة للحدود المتفشية في شريط الساحل والصحراء، مضيفا أن “النقص في الخزائن العمومية الوطنية”، قد يشكل عائقا أمام انتشار حرية تنقل الأشخاص.
ولمواجهة هذه الصعوبات التي قد تطرأ، أشار الخبيبر الاقتصادي درامان تراوري لاسانا إلى ضرورة اتخاذ التدابير الاقتصادية المصاحبة من قبل الدول الإفريقية، علاوة على تقديم مساعدات للبلدان من أجل تعزيز الإجراءات الأمنية من قبل الاتحاد الافريقي.
في المقابل، أردف الخبير المالي ان “فوائد سن جواز سفر إفريقي لن تكون على حد سواء بالنسبة لجميع البلدان. يجب تقديم دفعات في شكل مساعدات”، مشددا على ضرورة “التوعية” لقبول هذا الإجراء.
“من المؤكد أن التدابير التي تتعلق بالمخاطر الأمنية المتعلقة بتدفق الاشخاص والبضائع ستتخذ، من قبل لجنة السلام والأمن التابعة للاتحاد الأفريقي، وهذا هو دورها” وفق تراوري، الذي أكد على أن “جواز سفر إفريقي سيعطي الشعور بالإنتماء إلى فضاء اقتصادي واحد متكامل”.
+ There are no comments
Add yours