جزيرة جبل طارق هي إحدى المواقع المتنازع عليها منذ قرون بين بريطانيا وإسبانيا، والاستفتاء الذي أجري بالأمس وأسفر عن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، جعل الأسبان يجددون الحديث عن استفتاء مماثل لأجل إعادة النظر في وضع الجزيرة.
فقبل أيام من الانتخابات الإسبانية العامة (المقررة الأحد المقبل)، نال قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، انتقادات واسعة من قبل الساسة وقادة الرأي في البلاد، فيما برزت إلى السطح قضية السيادة على شبه جزيرة “جبل طارق”، الخاضعة للمملكة المتحدة منذ 1713، والمتنازع عليه بين لندن ومدريد.
وأظهرت النتائج الرسمية صباح اليوم، لاستفتاء البريطانيين على عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي، تصويت 52% من الناخبين لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد، مقابل 48% منهم لصالح البقاء فيه. وتبع نتائج الاستفتاء، إعلان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، اعتزامه تقديم استقالته خلال مؤتمر حزب المحافظين الذي يرأسه، المقرر عقده في أكتوبر/ تشرين أول المقبل.
وأعرب القائم بأعمال رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، في تصريح صحفي، عقب صدور نتائج الاستفتاء في بريطانيا صباح اليوم، عن “حزنه الشديد للقرار (البريطاني)”، داعيًا الدول المتضررة فعليًا من ذلك، إلى “التحلي بالهدوء والسكينة”.
وتعليقًا على الخروج البريطاني من المنظومة الأوروبية، قال القائم بأعمال وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل جارثيا مارجايو، في تصريحات صحفية، إننا “سنسعى لسيادة مشتركة على جبل طارق”.
وأضاف أنه “بموجب نتائج الاستفتاء، اقترب رفع العلم الإسباني على الصخرة”، في إشارة إلى جبل طارق، المعروف بهذا الاسم بين سكانه، البالغ عددهم 30 ألفًا.
وأردف جارثيا مارجايو قائلًا إن “مدريد ستضغط باتجاه إجراء محادثات ثنائية مع لندن، أملًا في سيادة مشتركة، وصولًا لسيطرة كاملة على شبه الجزيرة بنهاية المطاف”، مشددًا على تمسك بلاده بتجنب أي مفاوضات مستقبلية مع الاتحاد الأوروبى بهذا الخصوص.
يشار أن استطلاعات للرأي، أجريت مؤخرًا، أظهرت أن حزب الشعب، المنتمي إليه “راخوي”، من المرجح أن يكون الحاصد الأكبر للأصوات في الانتخابات العامة المقررة الأحد المقبل.
وتعتبر شبه جزيرة “جبل طارق”، الواقعة قبالة الساحل الجنوبي لإسبانيا، والخاضعة للسيادة البريطانية منذ 1713، نقطة خلاف محوري في العلاقات الثنائية، البريطانية – الإسبانية.
مضيق جبل طارق
مضيق جبل طارق هو أحد الممرات المائية التي تُذكرنا بواحدة من أهم الأحداث التاريخية في عهد الفتوحات الإسلامية، والتي مازالت ذكراها باقية حتى اليوم تحت اسم هذا المضيق، حالياً يُطلق لقب “جبل طارق” على أحد المستعمرات أو المناطق التابعة لبريطانيا أي تقع تحت حكم التاج البريطاني رغم وقوعها على أطراف إسبانيا.
اكتسبت هذه المنطقة أهميتها في التاريخ الإسلامي بسبب عبور الأمير طارق بن زياد عبر المضيق البحري الذي يقع بين المغرب وإسبانيا لفتح إسبانيا وضمها للدولة الإسلامية؛ لكن لماذا تقع هذه المنطقة تحت الحكم البريطاني في الوقت الحالي؟ ولماذا سُميت بجبل طارق؟ لماذا يُسمى جبل طارق بهذا الاسم وأين يقع؟
ما هو مضيق جبل طارق؟
مضيق جبل طارق هو أحد المضايق البحرية التي تربط بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، كان يُعرف قديماً باسم بحر الزقاق، وهو أقصر نقطة بين دولتي المغرب وإسبانيا، يقع حالياً تحت حكمهما بالإضافة لمنطقة جبل طارق التي تقع تحت حكم التاج البريطاني، طوله حوالي 51 كم، وعرضه يتراوح بين 14 و32 كم، أي أن أقصر نقطة بين ضفتيه هي 14 كم، وعمقه يصل لحوالي 300 متر، يحتوي المضيق على صخور ضخمة تقع على الجانب الغربي منه، عُرفت قديماً باسم أعمدة هرقل وذلك لاعتقادهم بأن مدينة أطلانطس الأسطورية كانت تقع خلفه.
سبب تسميته بمضيق جبل طارق؟
سمي مضيق جبل طارق بهذا الاسم نسبة للأمير طارق بن زياد الذي عبره في القرن الأول الهجري، عام 711م، وكان أميراً على طنجة آن ذاك، كان السبب وراء عبوره للمضيق هو رغبته في مواصلة الفتوح الإسلامية والوصول لأسبانيا التي كانت تقع خلفه، في اللغات الأوربية حالياً يُسمى المضيق بـ “جبرلطار” وهو تحريف لجبل طارق.
تاريخ جبل طارق
كان أول من سكن مستعمرة جبل طارق هم الفينيقيون وكان ذلك في عام 950 ق.م، بعد ذلك انتقلت لحكم الرومان وظلت كذلك حتى إسقاط الإمبراطورية الرومانية فتم ضمها إلى إسبانيا وبقيت تحت حكمها حتى عام 711م وهو عام الفتح الإسلامي.
جبل طارق والفتح الإسلامي
ظل جبل طارق تحت الحكم الإسلامي طيلة سبع قرون ونصف، وذلك بداية من عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك في عام 711م، وظلت المدينة مُحتفظة بشكلها وعمارتها دون أي تغيير حتى عام 1150م، إلى أن تم إنشاء مدينة محصنة مازالت آثارها باقية وواضحة حتى اليوم في القصر المغاربي، في عام 1309م تعرضت المدينة للغزو على يد القوات الإسبانية وتم ضمها إلى مدينة غرناطة، واستمرت هكذا حتى عام 1333م، حيث تم تحريرها على يد بني مرين، لكن تمكنت القوات الإسبانية من استعادتها مرة أخرى عام 1374م لينتهي بذلك الحكم الإسلامي على مدينة جبل طارق بعد 750 عام.
جبل طارق تحت الحكم الإسباني
بعد ضم جبل طارق للحكم الإسباني قامت مجموعة من اليهود الذين تحولوا للديانة المسيحية بالانتقال إلى جبل طارق وإعلانه دويلة صغيرة لهم، لكن هذه الدويلة لم تستمر إلى لثلاثة أعوام فقط قبل أن تعود للحكم الإسباني ويتم إعادة اليهود لغرناطة مرة أخرى.
جبل طارق تحت السيادة البريطانية
في أوائل القرن الثامن عشر كونت أسبانيا وفرنسا تحالف كان من شأنه أن يقلب ميزان القوى الأوربي، لذلك وقفت كلاً من انجلترا وهولندا والنمسا في وجه هذا التحالف وقاموا بشن هجوم على جنوب وغرب أسبانيا استمر لمدة ست ساعات أسفر عن سقوط جبل طارق، وتم السماح لسكانها بالخروج دون إيذائهم.
حاولت إسبانيا جاهدة أن تستعيد شبه جزيرة جبل طارق لكن دون فائدة حتى انتهى الأمر إلى توقيعها على تنازل مؤبد عن جبل طارق لإنجلترا وبذلك أصبحت خاضعة لحكم التاج البريطاني.
لم تنته محاولات إسبانيا حتى بعد توقيع المعاهدة بل استمرت في محاولات استعادة جبل طارق لأهميتها الإستراتيجية فقامت بحصارها لمدة ثلاث سنوات بمساعدة الجيش الفرنسي؛ لكن بريطانيا تمكنت من إحباط محاولتهما وإلحاق خسائر شديدة بالجانبين.
بعدها أقامت بريطانيا قاعدة بحرية في جبل طارق للحفاظ مصالحها في مياه البحر المتوسط خاصة بعد شق قناة السويس.
في عام 1967 حاولت فرنسا مرة أخرى استعادة سيطرتها على جبل طارق فقامت بعمل استفتاء حول ضمها لسيادتها أو بقائها تحت الحكم البريطاني، لكن كانت النتيجة ساحقة لصالح بريطانيا وذلك لأن معظم أهلها بريطاني الأصل، لكن أسبانيا لم تيأس وقامت بعمل استفتاء آخر عام 2002م لكن لم تتغير النتيجة.
جبل طارق حالياً
تعتبر شبه جزيرة جبل طارق من المناطق السياحية حالياً وذلك لما تتمتع به من مناخ معتدل وطبيعة خلابة، بالإضافة لإطلالتها على البحر المتوسط، وهي تابعة للمملكة البريطانية، لذلك بريطانيا هي المسئولة عن علاقاتها الخارجية وتعاملها مع دول العالم، أما الشئون الداخلية فيكون المسئول عنها هو رئيس الوزراء والوزراء الذين يتم انتخابهم بواسطة السكان وتعقد الانتخابات كل أربع سنوات.
+ There are no comments
Add yours