الواقع الصحي بالموصل على شفير كارثة والمدنيين “الضحية الأكبر”

0 min read

وقوع كارثة صحية حقيقية، في مدينة الموصل العراقية، لم يعد بالأمر البعيد أو المستبعد، بعد عامين ونصف من الحصار، وأكثر من شهر من القتال الضاري الدائر فيها.

وتشهد الموصل حملة عسكرية لاستعادتها من تنظيم “داعش” الإرهابي منذ 17 أكتوبر الماضي، فيما تواجه مستشفياتها ومراكزها الصحية خطر نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية، التي تعتبر الملاذ الأخير للمدنيين من أجل مداواة مرضاهم وجرحاهم جراء الحرب.

كارثة خطيرة تطرق أبواب المدينة، في ظل مساع حكومية لتدارك الأمر، بما هو متوفر من امكانيات وفرص، تزامنا مع التضييق الصحي الكبير الذي يفرضه عناصر “داعش” على المراكز الصحية والمستشفيات الموجودة في مناطق سيطرة التنظيم.

فارس البريفكاني، رئيس لجنة الصحة النيابية في مجلس النواب العراقي، قال إن “الأوضاع الصحية في مدينة الموصل شهدت خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، تدهوراً خطيراً بعد تعذر وصول شاحنات الأدوية إلى المدينة”.

وأكد “البريفكاني” للأناضول أن “أغلب الأدوية الإسعافية، ومحاليل غسل الكلى، قد نفدت من مخازن مشافي المدينة ومراكزها الصحية، وباتت عملية إعادة تأمينها تعد صعبة للغاية”.

وفي محاولة لتدارك ولو جزء بسيط من الأزمة، أوضح النائب، أنه “تم تهيئة مراكز صحية متنقلة على تخوم مدينة الموصل” لخدمة النازحين الهاربين من المعارك وحرب الشوارع التي تشهدها مناطق عديدة من الموصل، بين القوات الحكومية المدعومة بميليشيات مختلفة من جهة، وعناصر تنظيم “داعش” من جهة ثانية.

وتابع أنه “تم إعادة افتتاح بعض المراكز الصحية في المناطق المحررة من الموصل، مثل مركز السماح في منطقة كوكجلي شرق المدينة”.

وعن الحلول المطروحة لحل هذه الأزمة المتفاقمة، رأى البريفكاني أن “المشاكل والأزمات التي يعاني منها الواقع الصحي في نينوى (المحافظة التي تتبع لها الموصل) لا يمكن حلها بسهولة، خاصة وأنها تتطلب الكثير من الوقت وتظافر الجهود، كون أن البنى الصحية مدمرة وأغلب أجهزتها الإلكترونية سرقت أو تعرضت للتلف”.

من جانبه، كشف مصدر طبي في مستشفى “الجمهوري” بمدينة الموصل، الذي ما زال تحت سيطرة “داعش” ويعمل بصعوبة وإمكانيات بسيطة، أن هذا المستشفى “يعد من أكبر مستشفيات المدينة، إلا أنه عاجز منذ نحو شهرين عن تأمين احتياجاته من الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية”.

وأوضح المصدر، الذي تمكنت الأناضول من الاتصال به، وفضل عدم ذكر اسمه خوفا من التعرض لأذى من “داعش” أن “المستشفى، ونتيجة ما يعانيه من وضع مزر، لا يقدم اليوم للمرضى الذين يستقبلهم، إلا خدمات صحية بسيطة جدا، لا تتلاءم أبدا مع حالاتهم”.

وأكد أن “أغلب المرضى، الذين لا خيار لهم إلا هذا المستشفى، يعانون من أوضاع صحية صعبة للغاية، تتطلب بالعادة عناية دقيقة وخاصة، ونحن عاجزون عن تقديم مثل هذه العناية والرعاية لهم”.

ونتيجة لهذا الواقع، أعرب المصدر الطبي في مستشفى “الجمهوري” عن أسفه لـ”حدوث حالات وفاة بين المرضى، لاسيما الأطفال وكبار السن، بسبب نقص الدواء والعناية الطبية”.

وختم بالإشارة إلى أن “أغلب الجهد الصحي في المستشفى، انصب خلال الأيام الماضية، على عناصر التنظيم (داعش) الجرحى الذين يسقطون خلال المعارك الجارية على تخوم المدينة (الموصل) وأطرافها، وذلك بسبب إجبار التنظيم جميع الأطباء ومساعديهم على إيلاء جرحاه عناية خاصة وإلا يتم قتلهم على الفور في حال خالفوا التعليمات”.

أما حال مستشفى “السلام”، الذي مازال يخضع أيضا لسيطرة “داعش” في الموصل، فحاله لا يختلف كثيرا عن “الجمهوري”، لناحية قلة الخدمات الصحية التي يقدمها لمرضاه، ومعاناته الكبيرة جراء النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية المتوفرة لدى كادره الطبي.

أحد الأطباء في المستشفى، أوضح أن “تنظيم داعش أوقف توزيع وجبات الطعام على العاملين والمرضى في المستشفى، الأمر الذي أدى الى اضطرار مئات الحالات المرضية على المغادرة، بسبب صعوبة توفير الأطعمة التي تتناسب مع حالتهم الصحية، فضلا عن تعذر تأمين الأدوية الضرورية أيضا”.

وتابع الطبيب حديثه للأناضول، مفضلا عدم ذكر اسمه خوفا من “داعش” أن “ما قام به التنظيم حقق له أحد أهدافه، حيث أن غالبية الأقسام الطبية في المستشفى باتت شبه خاوية، وبات بإمكانه نقل عناصره الجرحى الذين ارتفعت أعدادهم بشكل لافت، في الفترة الأخيرة، جراء القصف الذي تتعرض له مواقعه”.

واقع مؤلم يمر فيه القطاع الصحي في الموصل، تتلخص صورته أيضا بالوضع الصحي لـ”عبير”، تلك الفتاة التي تعاني من مرض الفشل الكلوي، مع عجز والدها عن تقديم أي خطوة تساعدها على علاج مرضها، أو على تخفيف آلامها بالحد الأدنى.

أبو زينب، والد عبير ابنة الـ 16ربيعاً، أوضح “الفشل الكلوي الذي تعاني منه ابنتي، يتطلب الكثير من العناية الخاصة، وهذا الأمر غير متوفر في مستشفيات المدينة أبدا، ولذلك فإنني أواجه صعوبات كبيرة في توفير العلاج لعبير التي تواجه الموت بشكل شبه يومي”.

ولفت أبو زينب للأناضول، أنه اعتمد في الأشهر الثلاثة الأخيرة، في علاج ابنته، على المساعدات الصحية التي تقدمها بعض الجهات الخيرية.

وختم قائلا “أصبحت أتمنى لها الموت، بسبب تفاقم ألمها، وعدم قدرتي على إنقاذها من هذا الواقع الصعب الذي تمر به”.

وعن التدابير الحكومية لتدارك هذا التدهور، قال قتيبة منصور، المسؤول في دائرة صحة نينوى إن “كوادر وزارة الصحة العراقية في المنطقة المحيطة بالموصل تعمل في حالة انذار قصوى”.

وأوضح منصور للأناضول، أن المعنيين يعملون على تهيئة وصيانة المراكز الصحية في المناطق والبلدات المحيطة بالموصل، والتي استعادتها القوات الحكومية”.

وأشار إلى أن “مراكز وزارة الصحة وبالتنسيق مع منظمات دولية تتولى معالجة المدنيين النازحين فور وصولهم إلى المخيمات، وكذلك الأطفال يتلقون على الفور اللقاحات اللازمة نظرا لعدم حصولهم عليها منذ سيطرة تنظيم داعش على المدينة”.

وأكد منصور على “صعوبة مهمة كوادر الصحة في الوصول إلى المدنيين الذين بحاجة لتلقي العلاج داخل الموصل نظرا لشدة المعارك وخطورة الوضع، ولذلك نحن نخشى من تدهور الوضع الصحي في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش بالمدينة، والتي تعاني من شح كبير في الأدوية”.

ويوجد في الموصل 5 مستشفيات رئيسية هي “ﺍﻟﺴﻼ‌ﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ”، و”ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻱ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ”، و”ﺍﺑﻦ الأثير للأﻃﻔﺎﻝ”، و”ﺍﻟﺨﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ”، و”ﺍﻟﺒﺘﻮﻝ ﻟﻠﻮﻻ‌ﺩﺓ”.

وفي 17 أكتوبر/تشرين أول الماضي، انطلقت معركة استعادة الموصل، بمشاركة 45 ألفاً من القوات التابعة لحكومة بغداد، من الجيش والشرطة، مدعومين بالحشد الشعبي، وحرس نينوى، إلى جانب “البيشمركة ” (قوات الإقليم الكردي).

وتحظى الحملة العسكرية بغطاء جوي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours