بقلم السفير تورال رضاييف سفير جمهورية أذربيجان لدى القاهرة
تحيي جمهورية أذربيجان على مستوى الدولة 31 مارس كيوم إبادة جماعية للأذربيجانيين والتي حدثت سنة 1918 على أيدي القوميين المتعصبين الأرمن.
إن الحقيقة التي تنعكس في جميع الكتب المقدسة هي أن قتل شخص خلقه الله جريمة خطيرة مثل قتل البشرية كلها وإعاشة شخص هو ثواب مثل إعاشة البشرية كلها.
إن وقائع الإبادة الجماعية التي ارتكبت على أساس الانتماء القومي والعرقي والديني في تاريخ العالم تظل كـ”نقاط سوداء” في ذاكرة دم البشرية وتعتبر من الكبائر على الإنسانية والتي لا مغفرة عنها.
ويعتبر الشعب الأذربيجاني من الشعوب المعرضة لجرائم الإبادة الجماعية المأساوية ويجب على المجتمع الدولي أن يعرف الطبيعة التاريخية لهذه الأحداث الرهيبة وأنه تقيم تقييماً عادلاً.
وتعتبر الإبادة الجماعية للأذربيجانيين وتعرضهم للإضطهاد وطردهم وتشريدهم من ديارهم الأم من أروع وأسوأ الصفحات لدى تاريخ القرن العشرين. وتظهر في هذا التاريخ المأساوي للشعب الأذربيجاني بجلاء ووضوح آثار القوميين المتعصبين الأرمن الذين يهلوسون بوهم “أرمينيا الكبرى” ويلجؤون من أجل ذلك إلى جميع وسائل.
إن معاهدتي جولوستان وتركمانشاي (12 أكتوبر عام 1813 و10 فبراير عام 1828) اللتين أبرمتاهما روسيا (القيصرية) وإيران (القاجارية) عقب الحربين الأولى والثانية (1804-1813 و1826-1828) بينهما قد تسببتا في وقوع مآس في تاريخ الشعب الأذربيجاني وتقسيم أذربيجان، بحيث شمالها إلتحقت بروسيا القيصرية وجنوبها إنضمت إلى إيران.
وإثر معاهدة تركمانشاي أعلن الإمبراطور الروسي نيكولاي الأول من خلال مرسومه بتاريخ 21 مارس عام 1828 عن إقامة “ولاية أرمينية” على الأراضي التابعة لخاني إيريوان وناختشيوان. فقد دخلت في عداد الولاية مدينة إيريوان أيضا التي كان فيها 7331 أسرة أذربيجانية و2369 أسرة أرمينية.
ثم تم بمقتضى البند الخامس عشر من معاهدة تركمانشاي نقل الأرمن من إيران وتوطينهم بإيريوان وقاراباغ وناختشيوان.
وقد إستهدف ذلك تهجير الأذربيجانيين من ديارهم الأم. وحسب المصادر التاريخية فشهدت فترة 1829-1830 نقل 40.000 أرمنيا من إيران و84.600 أرمني من تركيا إلى القوقاز وتوطينهم أساسا بناختشيوان وقاراباغ وإيريوان.
إلى جانب ذلك، تم في سنوات الحرب الممتدة تدمير مئات المناطق السكنية وقتل ألوف الناس وإضطرار الناس إلى الهجرة من أوطانهم الأم.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر شرع الأرمن في تنظيم صفوفهم بهدف تحقيق وهمهم التعصبي حول “أرمينيا الكبرى” عن طريق إحتلال أراضي تركيا وجورجيتا وأذربيجان، حيث تم تشكيل الأحزاب على أمثال “قنجاق” (جنيف 1887) و”داشناق سوتون” (تفليس 1890) وكذلك منظمة “إتحاد الوطنيين الأرمن” (نيويورك 1895).
أعوام 1905-1907
في فترة ما بين أعوام 1905-1907 إرتكب الأرمن الإبادة الجماعية وأعمال النهب في حق الأذربيجانيين في باكو وزانجازور وإيريوان وناختشيوان وأوردوباد وإيتشميادزين وجاوانشير وقازاخ وشردوهم من ديارهم إستغلالا لتضاعف سيطرة السلطة المركزية على المقاطعات نتيجة التطورات الثورية في روسيا القيصرية، ما أسفر عن تدمير 200 قرية في مقاطعتي غنجه وقازاخ و75 قرية في شوشا وجبرائيل وزانجازور على أيد الأرمن فيما بين 1905-1906.
ومما يؤسف له أن المصادر التاريخية لا تمتلك إلا قلة الوثائق عن تلك الأحداث التي وجدت عكسها في كتابي “السنوات الدامية” ل م.س.أوردوبادي و”القتال الأرمني الإسلامي في عامي 1905-1906″ لـ م.م.نوّابي اللذين تم تأليفهما بناءً على المنشورات الدورية لتلك الفترة بما فيها شهادات وروايات المتضررين وشهود عيان.
أعوام 1918-1920
ما انقطعت المخططات الماكرة للأرمن ضد الأذربيجان حتى بعد أحداث أعوام 1905-1907 وتواصلت بصورة خفية. وحسب الإحصائيات لعام 1916 فازداد عدد السكان في 5 مناطق تابعة لمقاطعة إيريوان بالمقارنة مع عام 1831، 40 ضعفا، يعني من 14300 نسمة إلى 570.000 نسمة، لكن عدد السكان من الأذربيجانيين في تلك الفترة قد إرتفع بواقع 4.6 مرة ليشكل 246.600 نفس.
وحاول الأرمن تحت الراية البولشيفية الإستفادة من الوضع السياسي الذي قام في روسيا بعد الحرب العالمية الأولى وثورتي فبراير وأكتوبر. وأخذت بلدية باكو (Baku commune) في مارس عام 1918 في تحقيق المخطط الإجرامي الرامي إلى إبادة كاملة للأذربيجانيين في مقاطة باكو تحت شعار النضال ضد المعاكسين للثورة، حيث ترسبت الجرائم التي إرتكبوها الأرمن في تلك الأيام في ذاكرة الشعب الأذربيبجاني.
لقد لقي آلاف الأذربيجانيين حتفهم بسبب إنتمائهم الوطني وتم إحراق البيوت والناس إلى جانب تدمير الآثار المعمارية الوطنية والمدارس والمستشفيات والمساجد وغيرها من الأبنية وتحول جزء كبير من باكو إلى أنقاض.
وتحققت مجزرة الأذربيجانيين في باكو وشامآخي وقوبا وقاراباغ وزانجازور وناختشيوان ولنكران وما إلى ذلك بوحشية خاصة.
وتعرض أهالي تلك المناطق للإبادة الجماعية وأُحرقت ودُمرت القرى والأبنية والآثار الوطنية المتوافرة فيها. في شهري مارس-أبريل عام 1918 قتل الأرمن في باكو وشامآخي وقوبا وموغان ولنكران 50.000 أذربيجاني ونهبوا البيوت وشردوا ألوف الأذربيجانيين من بيوتهم. ففي باكو وحدها قُتل 30.000 أذربيجاني بوحشية خاصة، فيما قُتل 7 آلاف أذربيجاني، منهم 1653 إمرأة و965 طفلا ودُمرت 58 قرية وسُويت 122 قرية في قوبا و150 قرية في قاراباغ و115 قرية في زانجازور بالأرض ولاقى أهاليها معاملة قسوى وعنيفة رغم أجناسهم وأعمارهم، بينما دمروا 211 قرية أذربيجانية في مقاطعة إيريوان (جريدة “أشخادافور” (عامل)، 2 نوفمبر عام 1919).
كما احتلت أرمينيا التي اتبعت سياسة عدوانية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات 20 % من أراضينا المعترف بها دولياً وهي قره باغ الجبلية وسبع مناطق مجاورة جراء لعمليات عسكرية واسعة النطاق وطردت أكثر من مليون أذربيجاني من أراضيهم الأصلية.
إن أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها القوات المسلحة الأرمينية في خوجالي وأغدابان ودشالتي في عام 1992 هي أمثلة مثيرة للاشمئزاز على فظائعها.
شنت وحدات من الجيش الأرميني ليلة 25-26 فبراير 1992 هجوماً مسلحاً مفاجئاً على مدينة خوجالي وارتكبت فيها مجزرة وحشية بحق المدنيين والعزل راح ضحيتها 613 شخصاً بينهم كبار السن والأطفال والنساء الحوامل.
تعد مأساة خوجالي التي يرافقها اختفاء 150 شخص وأسر1275 شخص وتعرضهم للتعذيب واحدة من الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الهولوكوست وهيرنيكا وخاتين وسريبرينيتشا ورواندا وينبغي أن يعترف العالم بها كإبادة جماعية.
وقامت القوات المسلحة الأرمنية باستفزازات عسكرية جديدة في يوليو – سبتمبر 2020 على الحدود الأذربيجانية الأرمنية وفي أراضي قره باغ الأذربيجانية وفي 27 سبتمبر شنت عدواناً عسكرياً واسع النطاق وحاولت توسيع الأراضي المحتلة بقصف مدفعي ثقيل والضربات ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية. نتيجة لذلك، توحد الشعب الأذربيجاني حول الرئيس الأذربيجاني والقائد الأعلى للقوات المسلحة إلهام علييف ونهض للنضال على حقه و جيشه حرّر أراضيه من الاحتلال خلال الحرب الوطنية التي استمرت 44 يوماً.
وبالتالي، تم تنفيذ متطلبات القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 822 و853 و874 و884 واستعادة وحدة أراضينا.
+ There are no comments
Add yours