مدبولي عتمان كاتب صحفي مصري
اعتاد كثيرون الربط بين الصبر وبين المصائب، ودائمًا ما يدعون لمن أصابه مكروه أن يصبر حتى يحصل من الله سبحانه وتعالى على الأجر، فقد قال تعالى في الآية 10 من سورة الزمر (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
واختلف المفسرون في تفسير بغير الحساب فقال البعض أنه أجر عظيم بلا نهاية ولا مكيال ولا ميزان، وذهب آخرون أنه الدخول إلى الجنة مباشرة دون المرور بمراحل الحساب يوم القيامة.
ولكن بالبحث عن الصبر وجدت له أوجها متعددة، وأبوابًا واسعة، تخص الجميع.. المصاب وغير المصاب.. السليم والسقيم.. الغني والفقير.. القوي والضعيف، وتوقفت كثيرًا عند رأي الإمام على بن أبوطالب والذي ربط فيه بين الصبر والإيمان، فقال رضي الله عنه: “ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له”.
وتوقفت أيضًا عند تعريف شامل ورد في كتاب روضة العقلاء لابن حيان البستي، قال أبو حاتم الرازي: “الصبر جماع الأمر، ونظام الحزم، ودعامة العقل، وبذر الخير، وحيلة من لا حيلة له، وأول درجته الاهتمام، ثم التيقظ، ثم التثبت، ثم التصبر، ثم الصبر، ثم الرضا، وهو النهاية في الحالات”.
وهناك أيضًا تعريف جامع للراغب الأصفهاني بأن “الصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع”.
وعـرفه ذو الـنون المصـري الصبر بأنـه: “التـباعد عـن المخالفـات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة”.
أما بن القيم فعرف الصبر بأنه: “حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش”.
وأوضح ابن القيم في كتابه (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين) أهمية الصبر في حياتنا قائلًا في مقدمه الكتاب: “ولما كان الإيمان نصفين.. نصف صبر ونصف شكر، كان حقيقًا على من نصح نفسه واحب نجاتها وأثر سعادتها، أن لا يهمل هذين الأصلين العظيمين.. فلذلك وضع هذا الكتاب للتعريف بشدة الحاجة والضرورة إليهما، وبيان توقف سعادة الدنيا والآخرة عليهما”.
ولأهمية الصبر في حياتنا ورد ذكر الصبر ومشتقاته 103 مرات في القرآن الكريم، وذكرت الموسوعات القرآنية أن ذكر الصبر ورد في 45 سورة تمثل بمجموعها 40% من مجموع سور القرآن الكريم البالغ عددها 114 سورة. أما السور التي يتكرر فيها ذكر كلمة الصبر عدة مرات فهي، البقرة (9 مرات)، آل عمران (8 مرات)، الكهف (8 مرات) النحل (7 مرات).
هنا يظهر أمامنا تساؤلًا هامًا.. هل الصبر صفة موروثة في الإنسان، أم هو سلوك يجب أن نتعلمه؟!
ويجمع علماء النفس والاجتماع أن الصبر صفة مكتسبة نتيجة البيئة؛ ولكن بعض الأفراد لديهم استعداد شخصي أكبر، وبالتالي يكتسبونها أسرع من الآخرين، ويرون “أن الصبر نتاج للتربية والتنشئة في البيت والمدرسة والمجتمع، ثم هو قرار ذاتي للإنسان بأن يتحكم في انفعالاته ودوافعه وأن يرتقي في مراتبه عن وعي وإدراك حتى يصبح الصبر جزءًا من طبيعته وخلقه وسلوكه”.
فالصبر حقيقة إيمانية تكسبنا رضا الله سبحانه وتعالى وطريقنا إلى الجنة في الآخرة، وهي أيضًا ضرورة حياتية تعيننا على تجاوز المخاطر والصعوبات وتحقيق أهم الإنجازات، والتاريخ يسجل أن صاحب الإنجازات الكبرى في مسيرة الإنسانية هم الصابرون وفي مقدمتهم الأنبياء والرسل ثم المصلحين ثم المخترعين والباحثين.
Aboalaa_n@yahoo.com
+ There are no comments
Add yours