وجدان عبدالرحمن خبير الشؤون الإيرانية يكشف مستقبل علاقة طهران وواشنطن والدولة الأحوازية

1 min read

أبوبكر أبوالمجد

لا شك أن النظام الإيراني أحد أكبر الأخطار التي تهدد استقرار الدول العربية على الصعيد العسكري والسياسي والاجتماعي، ويعود سبب خطورته على النسيج الاجتماعي توظيفه للدين في لعبته السياسية القذرة، والتي من شأنها تعميق الخلافات المذهبية والطائفية ومن ثم تهديد الأمن والسلم الاجتماعي.

ولقد حل فيروس كورونا كوباء على العديد من بلدان العالم صغيرها، وكبيرها؛ لكنه كان بالنسبة لإيران أكثر من مجرد وباء يضرب اقتصاد دولة مصاب بالهزال قبل مجيئة، حيث حد من قدرة نظام الملالي على تمويل مشروعاته الإجرامية التوسعية في المنطقة العربية، ودعم وكلائه أحزابًا وجماعات وأفراد على الصعيدين المادي والعسكري، أو ما يسمى بالدعم اللوجيستي بوجه عام.

ولقد أصابت العقوبات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة على النظام الإيراني وكثيرًا من الموالين له حول العالم مؤسسات وأشخاص القدرة الصحية الإيرانية على مواجهة أثر كورونا المستجد، حتى باتت إيران إحدى أبرز البلاد الموبوءة على مستوى العالم، الأمر الذي وضع تساؤلًا، كيف ستكون العلاقات الأمريكية الإيرانية في قابل الأيام.

وفي ظل الانحسار المؤقت للمشروع التوسعي الإيراني في المنطقة العربية، هل يستغل الأحوازيون الوضع الدولي والإيراني للتعجيل بتبني مطالبهم العادلة في وممارسة الضغوط خرجيًا وداخليًا لاستعادة دولتهم؟

للإجابة على كل هذه التساؤلات كان لنا هذا الحوار الخاص مع وجدان عبدالرحمن القيادي بحزب التضامن الديمقراطي الأحوازي، والخبير في الشؤون الإيرانية.

— كيف أثر فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد الإيراني الهزيل؟

 اكتشفت رسميًا، أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد، في إيران، بتاريخ 19 فبراير الماضي، لتنتقل في أقل من أسبوع إلى واحدة من أكبر دول الشرق الأوسط تضررًا من الوباء، وثمة شكوك حول صحة أرقام الإصابات المعلنة، بعد إشراف الحرس الثوري الإيراني على إحصاء المصابين في المستشفيات.

وفي وقت سابق خلال شهر إبريل الجاري، أكد تقرير للمعهد الدولي للأبحاث النووية، أن تفشي الفيروس التاجي وجه ضربة قاسية للاقتصاد الإيراني الذي انخفض بالفعل إلى مستوى قياسي في أعقاب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة، إضافة إلى تراجع أسعار النفط.

وأضاف أن الأثر الاقتصادي للوباء شديد لأنه يضر القطاعات الأقل تأثرا بالعقوبات، مثل السياحة والتجارة الداخلية، وأن الفيروس تفشى بشكل كبير في شهر مارس قبل احتفالات رأس السنة الإيرانية “عيد النيروز” وهي فترة الذروة للأعمال التجارية.

والاعتراف بتأثير جائحة كورونا المستجد على الاقتصاد الإيراني نبع من أعلى المستويات بالدولة الإيرانية، مثل الرئيس حسن ورحاني، والمتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة والاقتصاد الإيرانية، حتى أن وزير التجارة أمر بعودة المؤسسات الاقتصادية للعمل نظرًا للآثار السلبية الوخيمة على الاقتصاد الإيراني جرّاء الغلق المحدود لبعض المؤسسات الاقتصادية.

وفي تصريح سابق للمتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة قبل أيام، أفاد بأن نسبة التأثير السلبي لكورونا المستجد على الاقتصاد الإيراني، بلغت 15%، وهذا دليل آخر على حجم التأثير الاقتصادي للجائحة في إيران.

ومن بين التأثير الاقتصادي للجائحة لم يحصل الكثير من الأطباء الإيرانيين على رواتبهم منذ أشهر، كما أن الأزمة الاقتصادية كشفت عوار المؤسسة الصحية الإيرانية في مواجهة كورونا، وهو ما يفسر استمرار تضاعف الحالات المصابة بالفيروس مع زيادة عدد الوفيات في إيران.

— وهل هذا الأثر السلبي الكبير على الاقتصاد الإيراني حد من قدرات النظام التوسعية في المنطقة العربية؟

في تقرير للمعهد الدولي للأبحاث النووية، صدر قبل أيام، أن تفشي الفيروس التاجي وجه ضربة قاسية للاقتصاد الإيراني الذي انخفض بالفعل إلى مستوى قياسي في أعقاب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة، إضافة إلى تراجع أسعار النفط.

وكشف التقرير، أن التأثير الاقتصادي لأزمة فيروس كورونا المستجد على إيران، من المرجح أن يؤدي إلى خفض كبير في تمويلها للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، بقدر يتجاوز تأثير العقوبات الأمريكية حتى الآن، وفقاً لصحيفة “جيروزالم بوست” الإسرائيلية.

إن هذه الخسائر الاقتصادية بسبب جائحة كورونا المستجد ستؤثر قطعًا على التمويل الإيراني للجماعات والكيانات الموالية لها، والتمويل يظل اللاعب الأهم في تمدد أذرع النظام الإيراني في دول الشرق الأوسط وخاصة المنطقة العربية، ودعم الموالين له حول العالم.

وليست كورونا وحدها السبب في الحد من استمرار تغلغل وتوغل إيران في المنطقة العربية تحديدًا، وإنما التدخل السافر للنظام الإيراني في الدول العربية هو ما أحيا روح الانتماء والاعتزاز بالذات لدى الشيعة العرب، فأيقظ غيرتهم على بلادهم مما جعلهم اليوم حجر عثرة أمام المشروع التوسعي الإيراني.

ودليل على ذلك أبناء العراق من الشيعة، وهم من هموا بإعلان احتجاجهم بصورة قوية، حيث أحرقوا القنصليات الإيرانية في المدن العراقية.

— إذا العقوبات الاقتصادية الأمريكية كان لها دور في مضاعفة آلام الاقتصاد الإيراني، فكيف تتوقع مستقبل العلاقات بين البلدين؟

ما كادت تمضي الأيام الأولى من يناير 2020، حتى صار الشرق الأوسط على حافة بركان المواجهة الأمريكية الإيرانية، بعد مقتل اللواء قاسم سليماني، والذي ردت عليه إيران بقصف صاروخي لقاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق؛ غير أن خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثامن من إبريل أخمد فوران البركان، ونزع فتيل الانفجار.

وباستعراض سريع لبداية منحنى الانحدار في العلاقات بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق منذ احتجاز سكان السفارة الأمريكية في نوفمبر 1979.

البداية كان انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو 2018، ثم الاستفزازات الإيرانية في منطقة الخليج بعد سلسلة من الأحداث المتواصلة شملت الاعتداء على ناقلات النفط أمام السواحل الإماراتية يوم 12 مايو 2019، ثم الاعتداء على ناقلتي نفط في خليج عمان في 13 يونيو، ثم إسقاط طائرة درونز أمريكية يوم 20 يونيو، وأخيرًا الهجمات التي تعرضت لها منشآت أرامكو السعودية في بقيق وهجرة خُرَيص يوم 18 سبتمبر 2019.

ثم انتقلت المواجهات إلى داخل الأراضي العراقية، بضربات عسكرية متبادلة بين المليشيا الشيعية الموالية لإيران، والقاعدة الأمريكية في العراق، وبلغت ذروة الأحداث بين الجانبين بقيام متظاهرين تابعين لميليشيات “حزب الله” العراقي، يوم الاثنين 31 ديسمبر، باقتحام السفارة الأمريكية في بغداد في مشهد كاد أن يقترب من سيناريو احتلال السفارة الأمريكية في طهران يوم 4 نوفمبر 1979 بعد الثورة الإيرانية. وبعد ذلك قامت الولايات المتحدة يوم 2 يناير 2020 بتنفيذ عملية عسكرية لاغتيال “قاسم سليماني”، ردت عليها إيران يوم الأربعاء 7 يناير بقصف قاعدتين عسكريتين في العراق تتواجد بها قوات عسكرية أمريكية.

واليوم وبعد أزمة فيروس كورونا المستجد المتفاقمة في إيران، وتساقط الضحايا بالعشرات يوميًا، وتضاعف عدد المرضى، وساهم في تضخم الأزمة الحصار الاقتصادي الشديد الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على النظام الإيراني ورجالاته والموالين له حول العالم سواء أفرادًا أو حكومات أو جماعات أو أحزاب.

وعن مستقبل العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد كورونا وأثر العقوبات الاقتصادية الأمريكية على النظام الحاكم في إيران، فلطالما امتازت العلاقات الأمريكية الإيرانية بوجود مساحات من التوافق والاختلاف تسمح باستمرارها، بالرغم مما يطفو على سطحها من حين لآخر، والذي يبدو منه في أغلب الأحيان ما ينذر بمواجهة يستحيل معها استمرارها.

ولا يجب أن ننسى أنّ السياسات التي طالما اتبعها النظام الإيراني، كانت سببًا رئيسًا في تبرير الوجود الأمريكي في الخليج سواء سياسيًا أو عسكريًا، وهذا في حد ذاته كان من شأنه تقديم فوائد عديدة للولايات المتحدة على مدار عقود خلت، خاصة على الصعيدين العسكري والاقتصادي.

وساعدت إيران الولايات المتحدة ودعمت مشروعها في أفغانستان، وكذلك في العراق، وفي المجمل مكن النظام الإيراني للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط أكثر من أي نظام صديق آخر.

إن طبيعة العلاقات الإيرانية الأمريكية من المرونة والمصالح المشتركة بمكان يجعل آفاق التعاوم دوما ممكنة وقابلة للاستمرار مهما كانت الواجهة التي تبدو معقدة أو سوداوية.

— كيف ترى مستقبل الأحواز العربية في ظل هذا الهوان الذي يمر به النظام الإيراني؟

في البداية نريد أن يعرف القارئ العربي، من أين بدأت قضية الأحواز..

الأحواز.. أو عربستان، أو الدولة المشعشعية العربية، التي ابتلعتها إيران عام 1925م، حين خشيت بريطانيا من قوة الدولة الكعبية، فاتفقت مع إيران على إقصاء أمير عربستان، وضم الإقليم الغني بالنفط إلى إيران.

إقليم الأحواز العربي الجذور والتاريخ والجغرافيا كان ضمن دولة حمورابي، ويعود وجود العرب فيه إلى سنة 311 قبل الميلاد، وكان تحت حكم الخلافة الإسلامية يتبع ولاية البصرة، إلى أن نشأت الدولة المشعشعية العربية، واعترفت بها الدولة الصفوية والخلافة العثمانية دولةً مستقلةً، إلى أن نشأت الدولة الكعبية (1724 – 1925م)، وحافظت على استقلالها حتى سقوطها.

طمأنت بريطانيا الدولة الكعبية على ضمان استقلالها بعد أن قسمت الدولة الإيرانية بين روسيا وبريطانيا، بموجب معاهدة 1907م.

واشتركت الدولة الكعبية في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م) إلى جانب الحلفاء، وأصبح دورها فاعلاً في المنطقة، مما شجع أميرها على ترشيح نفسه لتولي عرش العراق.

لكن الإنجليز كانوا أكثر ميلًا في فيصل بن الحسين. وبعد عام 1920م، باتت بريطانيا تخشى من قوة الدولة الكعبية، فاتفقت مع إيران على إقصاء أَمير عربستان وضم الإقليم إلى إيران، ووضع الأمير خزعل تحت الإقامة الجبرية في طهران.

وأصدر رضا خان، حاكم إيران، بيانًا أعلن فيه تنازل أمير عربستان، خزعل المحيسن، عن الحكم لابنه جاسب المحيسن، وإشراف إيران على الحكم الداخلي في عربستان، وقطع عربستان لعلاقتها الخارجية مع الدول الأخرى.

ولكن الكعبيين أجبروا القوات الإيرانية التي احتلت المحمرة في يوليو 1925م على الانسحاب بعد يومين، إلا أن القوات البريطانية ساعدت الإيرانيين على بسط سيطرتهم على إقليم عربستان، الذي فقد كيانه العربي كإقليم مستقل، ليصبح ولاية إيرانية تعرف باسم خوزستان.

وعانى الأحوازيون عبر عقود تحت وطأة الأنظمة الإيرانية المتعاقبة، وتعرضوا لكل صنوف التنكيل والتعذيب والتضييق، وقاموا بالعديد من الانتفاضات والثورات؛ لكنهم لم يجدوا السند الحقيقي الذي يمكنهم من حسم المعركة لصالحهم.

ونضال الشعب الأحوازي وما قدمه من قوافل الشهداء والسجناء جدير ببعث الأمل في الوصول إلى الاستقلال المستحق واستعادة بلدهم المحتل.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours