تعيش دولة أفغانستان منذ ما يقرب من ثلاثة عقود حربًا أهلية، إضافة إلى حروب ضد محتلين سوفييت وغربيين، تارة بقيادة روسية وأخرى بقيادة أمريكية بريطانية. واليوم باتت أفغانستان التي وعدها الغرب الكاذب بالسلام والدولة المستقرة أكثر عرضة للدمار والخراب حيث لم تعد مقسمة بين أحزابها وتحالفاتها مع المحتل الغربي وحسب، وإنما فيما بين أعراقها أيضًا.
البداية أمريكية
عقب هجمات الـ11 من أيلول، حينما رُفضت طلب أمريكا بتسليم زعيم القاعدة آنذاك، باشرت الأخيرة مع بريطانيا دون انتظار قرار حلف شمال الأطلسي "ناتو"، باحتلال أفغانستان بشكل فعلي عبر إرسالها المقاتلات.
وبدأ التدخل الرسمي لـ "ناتو" في أفغانستان، في 20 ديسمبر/كانون الأول 2001، عبر تشكيل قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان (إيساف) المكونة من 49 دولة.
وبدأت أمريكا حربها في أفغانستان بـ 100 ألف جندي عام 2001، فيما تواصلها في الوقت الراهن بـ 8400 جندي، ورغم تبدل 3 رؤساء أمريكيين إلا أنها "لم تتمكن من جلب الحرية إلى أفغانسان".
ويتفق خبراء السياسة الخارجية على دخول استراتيجية الولايات المتحدة بأفغانستان إلى طريق مسدود، لاسيما في الظروف الراهنة التي اكتسبت حركة طالبان القوة في عموم البلاد، وتعمق التفكك بين المجموعات العرقية، وابتعاد بعثة الناتو عن دورها الحاسم.
كما يرى الخبراء أنه ليس هناك الكثير من الخيارات أمام واشنطن فيما يتعلق بأفغانستان.
ووفقا لتقارير صحفية دولية، فان مسؤولي المخابرات الامريكية يرفضون تقديم المزيد من الوحدات الأمريكية التدريب لقوات الأمن الأفغانية وتجهيزها، والتحرك بغية دعمها في بعض الحالات.
ثغرة الاستراتيجية الأمريكية
ومن أهم النواقص التي تكتنفها الاستراتجية الأمريكية وحلفائها المتعلقة بعملية السلام في أفغانستان، هي عدم الأخذ في الحسبان تأثير السياسيين والمقاتلين في الساحة على الشعب، كما ينبغي أن يكون.
وتعد أفغانستان موطن الكثير من المكونات العرقية، وعلى رأسها البشتون والطاجيك والأوزبك. وينبغي الأخذ في الاعتبار الديناميات الاجتماعية للمكونات المذكورة ودور طالبان، لإرساء السلام الداخلي في البلد.
وفي 15 أغسطس/آب كشفت حركة "طالبان" عن فحوى رسالتها التي وجهتها إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مطلع العام الجاري، المتضمنة دعوة للولايات المتحدة لسحب قواتها في أفغانستان.
وشددت رسالة طالبان على ضرورة إعلان ترامب وجوب انسحاب القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية التي تتواجد فيها منذ 16 عاماً.
وهذه الرسالة بمثابة مؤشر على أن إرساء السلام في أفغانستان بدون طالبان غير ممكنة.
عودة حكمتيار
وقد يكون عودة زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني، قلب الدين حكمتيار، صاحب التأثير الكبير على البشتون، إلى البلاد وإبرام اتفاقية مع إدارة رئيس البلاد، أشرف غني، بعد قتاله للحكومة طوال 14 عاما، بمثابة مؤشر على دخول طالبان إلى العملية السياسية بطريقة أو أخرى.
ولعلّ في تصريح حكمتيار للأناضول في يونيو/ حزيران الماضي، دليلا يدعم المؤشرات الأخيرة، حيث تحدث عن "سلام بدون الناتو في أفغانستان".
وأوضح حكتميار، أنه بالرغم من انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، إلا أنهم تركوا الحرب ميراثا للأفغانيين، وبيّن أن الحرب التي كانت تقودها موسكو في أفغانستان، تتواصل في يومنا الحالي تحت قيادة واشنطن، مؤكدا على ضرورة ترك تقرير مصير البلاد لأبنائها.
وأعرب حكمتيار عن اعتقاده بإن الحرب الأفغانية، التي تغذيها بعض القوى الخارجية والدول الإقليمية منذ عقود، "تقترب من نهايتها"، وأن الجميع أصيبوا بالتعب جراء الحرب، وأعرب أيضا عن اعتقاده بأن الأفغانيين قادرون على حل مشاكلهم بعد تفاهمهم بين بعضهم.
وأضاف زعيم الحزب الإسلامي: "الجميع لديه ذكريات سيئة للحرب في الماضي، ولهذا السبب لا يرغبون في إعادتها، ونحن سنسعى إلى إيجاد حل لأزمة البلاد عبر عقد مباحثات مع جميع الأطراف؛ وقد تواصلنا بالفعل مع بعضهم، ورأينا أنهم بالمقابل أيضا في الاتجاه الذي نحن فيه"؛ وهو ما يؤكد نظيرية رغبة حكمتيار في إشراك الجهات الفاعلة في عملية السلام.
العنف والبطالة
وعلاوة على التوجهات السياسية الرامية إلى إرساء السلام بجهود محلية؛ فإنه لا أن نأخذ بعين الاعتبار قوة أكبر من تلك التوجهات، والمتمثلة بحالة الغليان التي تشهدها الأوساط الشعبية، لا سيما وأن البلاد غارقة في العنف منذ 30 عاما، الذي أدى إلى رفع معدلات البطالة إلى 40 بالمئة، ومن غير المعلوم أين ستنفجر هذه الحالة وكيف.
فالعنف، والتفجيرات التي تحول دون ممارسة الحياة الطبيعة، والبطالة، والفساد المستشري ببعض مسؤولي البلاد، جميعها عوامل تدفع الشعب الأفغاني إلى البحث عن سبل وبدائل جديدة لحل أزمة بلادهم، وتبني بعض السياسيين الأفغان وعلى رأسهم حكمتيار خيار "حل الأزمة محليا"، هو انعكاسا لمطالب المجتمع في ظل الأوضاع الراهنة التي يريد الأفغان الخروج منها بأي وسيلة.
يمكن أن نعتبر تصريح الرئيس الأفغاني، أشرف غني، حيال إعلان "أحمد برمك" يوم 15 أغسطس الحالي، ترشيح نفسه لمنصب وزير الداخلية، بقوله إن "مكافحة الفساد مطلب رئيسي للبلاد"، على أنه نوع من الاستثمار السياسي الهادف إلى استمالة دعم الشعب، فيما إذا وضعنا في الحسبان الانتخابات التي ستشهدها البلاد عام 2019.
فرص السلام
وفيما إذا وضعنا بالحسبان، إجراء عملية سلام في أفغانستان دون تدخل من حلف شمال الأطلسي، فإن أبرز من يمكن أن يعوّل عليه في هذا الأمر، هما الرئيس غني، ونائبه الأول عبد الرشيد دوستم، ذوي الأصول الأوزبكية.
عبد الرشيد دوستم، ذوي الأصول الأوزبكية، له مساهمات كبيرة في نيل الأوزبك الأفغانيين الاعتراف السياسي، ولديه شعبية كبيرة لدى أبناء جلدته في أفغانستان لهذا السبب، وبالمحصلة يحظى بأصوات كثيرة في الانتخابات، وقد انتشرت شائعات في الأوساط السياسية عن اتفاق "غني" و"دوستم" حول الانتخابات المقبلة.
بدوره أيضا، تشير تصريحات الرئيس التنفيذي لأفغانستان عبد الله عبد الله، الذي يعتبر هو الآخر من بين أبرز المنافسين في الانتخابات، إلى ميوله في إيجاد حل سياسي من دون الناتو في أفغانستان، كباقي نظرائه السياسيين.
وفي تصريح سابق له، قال عبد الله عبد الله، إن الفساد وصل بقوات الأمن إلى درجة بيع أسلحتهم ومعداتهم العسكرية.
إن أفغانستان الدولة تمتلك العديد من المقومات التي تمكنها من أن تكون دولة رائدة، فلديها شبابها الذين تزيد نسبتهم من إجمالي السكان عن 60%، وكذلك موقعها الاستراتيجي، والمعادن المتنوعة؛ لكن ثمة من يترصد دائما ببلاد العالم الإسلامي ويسعى للسيطرة على قرارها وثرواتها
+ There are no comments
Add yours