نكشف تفاصيل معركة “نافالني” الأوروأمريكية الروسية

1 min read

كتب- أبوبكر أبوالمجد

ألكسي نافالني.. هو ناشط في مكافحة الفساد وأبرز معارض روسي في السنوات الخمس الأخيرة.

مُنع من الترشح للانتخابات الرئاسية في 2018، بسبب إدانته في محكمة روسية بتهمة الاختلاس؛ لكنه قال حينها إن مشاكله القانونية كانت انتقامًا من الكرملين منه بسبب انتقاداته الشديدة للنظام الروسي.

أحدث نافالني جدلًا واسعًا في الأيام القليلة الماضية، وقبلها في أغسطس الماضي حين تعرض للتسمم بحسب الحكومة الألمانية.

ثم عاد بعد تمام شفائه إلى موسكو، وتم اعتقاله في مطار العاصمة واقتياده للتحقيق معه، وسجنه في خطوات متسارعة قد تبدو مقدمة لأحداث في سبيلها إلى التصاعد خلال الأيام والأسابيع المقبلة، خاصة وسط ضغوط أوروأمريكية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تطالبه بضرورة الإفراج الفوري عنه، وكذلك احتمالات خروج أنصاره وكثير من المعارضين إلى شوارع موسكو السبت المقبل.

من هو؟

أليكسي أناتولييفيتش نافالني من مواليد 4 يونيو 1976.

محام ومدون ومناهض للفساد ومعارض روسي، وعضو مجلس تنسيق المعارضة الروسية، والزعيم غير الرسمي لحزب التحالف الشعبي، وهو حزب لم يتم بعد تسجيله رسميًا.

تم تسجيله رسميًا كمرشح (بدعم من ر.ب.ر بارناس) في انتخابات عمدة موسكو التي جرت يوم 8 سبتمبر 2013.

وفي سبتمبر 2020، أصدرت المحكمة العليا في روسيا قرارًا يقضي بحل حزب “روسيا المستقبل” الذي أسسه نافالني، فيما كانت وزارة العدل بالبلاد، قد رفضت تسجيله قبل ذلك، بسبب وجود حزب آخر مسجل بالاسم نفسه.

استغل مدونته على موقع لايف جورنال لتنظيم مظاهرات واسعة النطاق لمعالجة هذه القضايا.

كما أنه يكتب مقالات بانتظام في العديد من المنشورات الروسية، مثل فوربس روسيا.

وفي مقابلة عام 2011 مع رويترز، ادعى نافالني أن نظام بوتين السياسي يضعف بسبب الفساد لدرجة أن روسيا قد تواجه تمردًا على غرار الربيع العربي في غضون خمس سنوات.

اتهم بالتخطيط لسرقة 16 مليون روبل من شركة أخشاب مملوكة للدولة أثناء عمله مستشارًا لحاكم منطقة كيروف عام 2009، وطالب ممثلو الادعاء توقيع عقوبة السجن لمدة ست سنوات لهذه التهمة.

في 18 يوليو من نفس العام حكمت إحدى محاكم كيروف بسجنه 5 سنوات مع دفع غرامة قدرها 500 ألف روبل.

هذه القضية التي اتهم فيها أليكسي أثارت ردود فعل داخل روسيا وخارجها، فقد قال ميخائيل جورباتشوف آخر زعيم للاتحاد السوفيتي إن “استخدام القضاء في الخلاف ضد خصوم سياسيين غير مقبول”.

وقال أن مجمل القضية “تؤكد مع الأسف أنه ليس لدينا قضاء مستقل”. وقالت كاثرين آشتون مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي إن الحكم يطرح أسئلة خطيرة حول وضع حكم القانون في روسيا.

في 20 أغسطس 2020، وبينما كان نافالني يستقل طائرة من سيبيريا إلى موسكو، فقد وعيه واضطرت الطائرة للهبوط حيث نقل نافالني إلى مستشفى الطوارئ بمدينة أومسك الروسية وُوضع بعدها على جهاز تنفس اصطناعي، وتحدثت ناطقة باسمه عن شبهة تسمم تعرض لها. وذكر نائب مدير المستشفى بأن الأطباء يفعلون ما بوسعهم “لإنقاذ حياته” وأنه لم يتم تشخيص حالته بالتسمم بعد ولكنها وصفت بالخطيرة، وفي 21 أغسطس 2020، سمح أطباء المستشفى بنقل نافالني على متن طائرة إلى ألمانيا لتلقي العلاج، وذلك بناءً على طلب من زوجته يوليا نافالنا تقدمت به إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث تم نقله على متن سيارة إسعاف من المستشفى ترافقها سيارات الشرطة إلى المطار، وكان في استقبالهم حينذاك أطباء ألمان لنقله إلى عيادة “شاريتيه” بمدينة برلين، حيث مكث في فترة نقاهة بعد تقارير بتسميمه بغاز الأعصاب “نوفيتشوك” واتهام موسكو بمسؤوليتها عن الحادث.

في 17 يناير 2021، اعتقلته مصلحة إنفاذ القانون الروسية فور وصوله مطار شيريميتييفو الدولي في العاصمة الروسية موسكو قادمًا من ألمانيا بموجب مذكرة سابقة صادرة بحقه بتهمة الاحتيال، وقال نافالني «أنا لست خائفا. أنا أعرف أني على حق.. وأن القضية الجنائية المرفوعة ضدي ملفقة».

تحضيرات العودة

عودة نافالني إلى موسكو سبقتها سلسلة من التحقيقات التي حرص على إعدادها المعارض الروسي البارز، في إطار نشاط “صندوق فضح الفساد” في صفوف النسق الأعلى للسلطة في روسيا، بما في ذلك ما قال إنه جمعه حول سابق حياة بوتين في دريزدن بألمانيا الشرقية، إبان سنوات خدمته في جهاز “كي جي بي” في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي.

ومما توقفت الأنظار والمتابعات عنده، وما تلقفته كثير من الأجهزة الإعلامية الغربية، ذلك التحقيق المثير الذي اختار له اسم “قصر بوتين”، وقال إن أصدقاء الرئيس الروسي من أبرز رموز المرحلة وأثرياء العصر، شيّدوه لحسابه، وسجلوه تحت أسماء أخرى على مقربة من سوتشي على ضفاف البحر الأسود، وهو ما نفاه المتحدث باسم الرئيس بوتين، دميتري بيسكوف، يصف ما أعده ونشره نافالني وفريقه من تحقيقات حول “قصر بوتين” في جيليندجيك على ضفاف البحر الأسود، بـ “الهراء”.

كيف تم اعتقاله؟

اتخذت الطائرة “بوبيدا DP936” منحنى مفاجئًا، الأحد الماضي، قبل دقائق من وصولها مطار فنوفكو بالعاصمة الروسية موسكو، حيث انتظر عدد من أنصار المعارض أليكسي نافالني، منتظرين وصوله، إلا أن الطيار أعلن عدم تمكنه من الهبوط وفقا للمسار المخطط.

الركاب سمعوا الطيار وهو يعلن عبر سماعته أن هناك “مشاكل تقنية”، مضيفا بابتهاج “عوضا عن الوجهة الأصلية سنحط في مطار شيريميتيفو، حيث الطقس رائع!”.

وبعد أن حطت الطائرة، جلس نافالني في مقعده قرب النافذة، محدقا بالممشى المغطى بالثلوج وموظفي المطار بستراتهم اللامعة، وأمسك بصمت يد زوجته يوليا.

وصل نافالني إلى المدخل “D” بخطوة واثقة، ليتوقف أمام واجهة مضيئة تحمل صورة الكرملين والعلم الروسي، وقال إنه لم يفر أبدا بعدم العودة لبلاده.

وفي حديث للصحفيين، شكر المعارض الروسي الأطباء والممرضين الذين أشرفوا عليه في ألمانيا، إلا أنه قال إن اليوم وبوصوله لبلاده كان أفضل يوم عاشه منذ خمسة أشهر، مضيفا “هذا وطني.. لستُ خائفا”.

لكن، وبمجرد وصوله نقطة التفتيش لدى حرس الحدود، اقترب منه أحد المسؤولين في المطار وطلب منه التنحي جانبا “لتوضيح ظروف” دخوله البلاد.

ورغم أن زوجة نافالني ومحاميته كانتا بالقرب منه، إلا أن الحواجز الحديدية حالت دون اللحاق به، وسألت المحامية عن أساس منع دخوله البلاد، إلا أنها لم تتلق أي إجابة.

بعدها، أتى أربعة رجال شرطة مرتدين أقنعة سوداء إلى المكتب الأمني في المطار، وأمروا نافالني بالقدوم معهم، وخاطبهم المعارض قائلا: “هل تقومون باحتجازي؟.. إذا كان الوضع كذلك أود أن تأتي محاميتي معنا”.

وبعد نقاش دام حوالي ثلاث دقائق، التفت نافالني إلى زوجته وعانقها من فوق الحواجز الحديدية وغادر برفقة الشرطة.

زوجة نافالني توجهت نحو أحزمة الحقائب وطلبت من الصحفيين بهدوء منحها بعض الوقت لاستجماع أفكارها، بعدها وصلت قاعة الاستقبال حيث كان أنصار نافالني بانتظارها، وسط تصفيق وتشجيع صارخين “يوليا.. يوليا!” و”روسيا ستصبح حرة!”، البعض وقف على شرفات صالة المطار وأحدهم أعطاها باقة من الورود.

تظاهرات السبت

المعلق السياسي لقناة “روسيا اليوم” الناطقة بالعربية، ألكسندر نزاروف قلّل من الوزن السياسي لنافالني كمعارض سياسي، وعزا ما خلص إليه من استنتاجات حول أنه لا يتمتع سوى بشعبية لا تتعدى نسبتها اثنين في المئة، مقابل 55 في المئة للرئيس بوتين، بحسب ما نشرته مؤسسة ليفادا لقياس الرأي العام من نتائج استطلاع للرأي أجرته بهذا الصدد.

وقال معارضون إن التظاهرات التي دُعي إليها، ومن المرتقب أن تخرج إلى شوارع موسكو السبت المقبل، ستكون معيارًا للحكم على مدى شعبية وثقل نافالني السياسي، ومستقبل التحركات الأوروأمريكية خلال الفترة القريبة المقبلة.

التدخل الغربي

تضامن الدول الغربية يظل محدود الأثر، بحسب كثيرين، لأن روسيا ترفض ما تعتبره تدخلًا في شؤونها الداخلية، حتى أن تقارير صحفية في فرنسا تحدثت عن تعرض الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، لرد فعل مهين للغاية، عندما حاول أن يثير مسألة حقوق الإنسان في روسيا، خلال لقاء مع بوتن.

وثمة أحاديث أخرى عن رشاوى سياسية يقدمها النظام الروسي لكبار الشخصيات السياسية في أوروبا، وبموجبها يصمتون على الكثير من ملفات الفساد في روسيا، ومنها غسيل الأموال.

ومن جانبه، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل اليوم الجمعة اتصالا هاتفيًا تناول خاصة قضية المعارض الروسي أليكسي نافالني.

وأكدت الرئاسة الروسية (الكرملين) في بيان له أن بوتين ناقش مع ميشيل الوضع حول نافالني بطلب من الجانب الأوروبي، دون الكشف عن المزيد من التفاصيل بشأن فحوى الحوار بهذا الشأن.

وذكر الكرملين أن بوتين وميشيل بحثا بالتفصيل واقع العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي، مع التركيز على ضرورة إقامة التعاون العملي في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

من جانبه، ذكر رئيس المجلس الأوروبي على حسابه في “تويتر” أنه جدد في الاتصال مع بوتين إدانة الاتحاد لاعتقال نافالني ودعا إلى الإفراج عنه فورَا.

وأبلغ المسؤول الأوروبي بوتين بــ”القلق الشديد” من جانب الاتحاد الأوروبي إزاء وضع المعارض، ودعا إلى “الاحترام الكامل وغير المشروط لحقوقه”، بحسب بيان نشر بعد المكالمة بين الرجلين.

وبادر ميشال بالاتصال بالرئيس الروسي غداة قمة أوروبية، بهدف تجديد مطالبات قادة دول الاتحاد الـ27 بالإفراج الفوري عن المعارض الروسي.

وتطالب العديد من الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي بفرض عقوبات أوروبية جديدة على موسكو.

ويفترض أن يدرس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الاثنين التدابير التي ينوون اعتمادها لدعم مطالب الإفراج عن المعارض الروسي. لكن ليس من المقرر أن يجري اتخاذ أي قرار خلال هذا اللقاء الافتراضي، كما أكد مصدر دبلوماسي.

وفي وقت سابق في 17 يناير الجاري، أكد، جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، أنه “ينبغي الإفراج فورًا” عن المعارض الروسي أليكسي نافالني، في العاصمة الروسية، موسكو.

وكتب سوليفان على تويتر أن “هجمات الكرملين على نافالني، ليست انتهاكًا للحقوق الإنسانية فحسب؛ بل إهانة للشعب الروسي الذي يريد أن يكون صوته مسموعًا”.

كما دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، السلطات الروسية إلى “احترام حقوق نافالني مطالبًا أيضا في تغريدة “بالإفراج عنه فورًا”.

وقال بوريل إن “تسييس النظام القضائي غير مقبول”.

لكن هل يخضع الرئيس الروسي، لهذه الضغوط والمطالبات الأوروأمريكية، خاصة وأن ثمة تهديدات بعقوبات أوروبية على رجال مقربين من الرئيس الروسي؟!

أم أن أوروبا ستتجاهل القضية في ظل احتياجها لروسيا في العديد من الملفات الاستخباراتية والاقتصادية، وعلى رأسها مشروع “السيل الشمالي-2”.

هذا ما ستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours