الهند.. هذا العملاق الاقتصادي الناشئ، يسابق الريح من أجل إزاحة التنّين الصيني المتربّع على عرش القارة الإفريقية، وذلك عبر تعزيز تعاونه مع ساحل العاج (كوت ديفوار) وتعبيد الطريق نحو دول “الإتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا”، بحسب سيرافن براو ياو، الأستاذ والباحث في جامعتي “الحسن واتارا” و”فيليكس هوفويت بوانيي، بأبيدجان الإيفوارية.
الخبير الاقتصادي أوضح، في حديث مع الأناضول، أنّ زيارة الرئيس الهندي برناب موخرجي إلى كوت ديفوار، والتي يستهلّها اليوم الثلاثاء وتتواصل حتى غد الأربعاء، تكشف نية هذا البلد الناشئ المتوجّهة نحو حجز مقعد له في عمق المشهد الإقتصادي الإفريقي.
“براو ياو” يعتبر أنّ ساحل العاج صاحبة أهمّ إقتصاد في “الإتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا”، تمثّل بالنسبة للهند، بوّابة الولوج إلى بقية دول المنظمة الإقليمية، لافتا إلى أنّ الهند باعتبارها “إحدى أعتى الاقتصاديات الناشئة والواعدة في العالم، تمتلك الحظوظ الكاملة لكسب الرهان”.
ووفق خبراء اقتصاديين، فإن الطموح الجامح نحو زعزعة عرش الصين في إفريقيا، لا ينبغي بأّي حال، أن يحجب صعوبة المهمّة بالنسبة للهند نظرا للهوة العميقة الفاصلة بين مستويات التبادل التجاري “الصيني- الإفريقي” و”الهندي الإفريقي”.
وبحسب وثيقة نشرت بمناسبة انعقاد قمّة “الهند- إفريقيا”، في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، بالعاصمة الهندية نيودلهي، بلغت قيمة المبادلات التجارية بين الهند والقارة السمراء نحو 70 مليار دولار، مقابل 210 مليار دولار لنظيرتها بين الصين وإفريقيا.
هوّة شاسعة تفصل الرقمين، غير أنها لم تنجح على ما يبدو في التخفيض من منسوب “الطموح” الهندي الرامي إلى تقويض عرش منافسه المهيمن اقتصاديا على إفريقيا.
“براو ياو” لفت، في سياق متصل، إلى أنّ “زيارة رئيس الهند برناب موخرجي تأتي في هذا الإتجاه، وتؤيّد التوجّهات الإقتصادية لبلاده، علاوة على أهميتها بالنسبة لتطلّعاته وأهدافه في القارة السمراء”.
طرح يلقى تأييدا من قبل سوما مانوج الرئيس المؤسّس لـ “رابطة الجالية الهندية في ساحل العاج”، والذي رأى أنّ العلاقات الإيفوارية- الهندية الممتدة على أكثر من نصف قرن (انطلاقا من 1962)، ينبغي أن “تتخذ منحى جديدا مع زيارة الرئيس الهندي”، التي تعدّ الأولى من نوعها على هذا المستوى.
وعلاوة على صبغتها الإقتصادية، قال مانوج إنّ “الزيارة ستمكّن سكان البلدين من التعرّف على بعضهم البعض بشكل أفضل، بما أنها ستسلّط الضوء على ساحل العاج التي لا يعرفها الكثير من أبناء بلدي، إضافة إلى دورها في تقديم لمحة عن فرص الإستثمار بالنسبة لرجال الأعمال الهنود من الراغبين في بعث مشاريع في هذا البلد الإفريقي الواعد”.
ولفت مانوج في حديث للأناضول، إلى أنّ رئيس بلاده سيكون مرفوقا خلال زيارته بوفد يضمّ نحو 20 من رجال الأعمال، من المنتظر أن يشاركوا في المنتدى الإقتصادي الإيفواري- الهندي المقرر ليوم غد الأربعاء بأبيدجان.
وبخصوص الشراكة الاقتصادية بين البلدين، أشار “براو ياو”، إلى أنّ “الهند باعتبارها بلدا ناشئا، فإنّ لديها احتياجات طاقية كبيرة، ولذلك، فإنّ مدّ أواصر التعاون الأمثل في هذا الشأن مع ساحل العاج عبر إبرام اتفاقيات للتنقيب عن النفط، من شأنه تغطية ولو جزء من تلك الإحتياجات”.
وإضافة إلى التعاون في المجال الطاقي، أضاف الخبير أن ساحل العاج الرائدة في انتاج وتصدير الكاجو في العالم، توفر مجالا محوريا آخر للتعاون بين البلدين، خصوصا وأنّ شركتي “أولام” و”سوريس” الهنديتين، والناشطتين في كوت ديفوار، “تشتريان أكثر من 80 % من الكاجو الإيفواري الخام”، بحسب وثيقة صادرة عن الخارجية الإيفوارية، تلقت الأناضول نسخة منها.
وتعدّ ساحل العاج أوّل منتج في العالم للكاجو الخام بـ 702 ألف طن عام 2015. مانوج سوما، الناشط في مجال تجارة الكاجو الخام منذ سنوات عاد ليوضح أنّ “الإنتاج الهندي من الكاجو يتراوح بين 450 ألف و500 ألف طن، في حين أن السوق تحتاج 1.5 مليون طن”.
أما في ما يتعلّق بالمزايا التي تتمتّع بها الهند، لفت الباحث الإيفواري إلى أنّ الأخيرة سجّلت تقدّما ملحوظا في التكنولوجيات الجديدة، ما أهّلها لأن تصبح شريكا بارزا لساحل العاج في هذا المجال. شراكة تبلورت، بحسب وثيقة الخارجية الإيفوارية حول العلاقات الثنائية بين البلدين، من خلال “تقديم بنك إكسيم الهندي، في يونيو/ حزيران 2008، لقرض بقيمة 20 مليون دولار لتمويل مشروع التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات “ماهاتما غاندي بارك” في ساحل العاج.وتشهد العلاقات الاقتصادية بين ساحل العاج والهند، في السنوات الأخيرة، طفرة حقيقية، وفق مانوج، دفعت بحجم التبادل التجاري الثنائي من 179 مليون دولار العام 2004 إلى 571 مليون دولار في 2013، بحسب الخارجية الإيفوارية.ففي أبريل/ نيسان 2008، وقّع البلدان، في إطار “المقاربة التقنية والإقتصادية من أجل حركة إفريقيا- الهند” (برنامج تعاون بين البلدين)، اتفاقيات تمويل مشاريع لصالح ساحل العاج.وفي 2010، قدّمت الهند 60 مليون دولار لدعم “برنامج إنتاج الأرز الوطني” في ساحل العاج، و30 مليون دولار لتمويل مشروع ربط كهربائي بين البلد الأخير ومالي.وفي العام نفسه “انتفعت الحكومة الايفوارية بتمويل هندي لبناء مصنع لتحويل الكاجو، ومصنع آخر لتحويل زيت النخيل والمانيوك إلى منتجات شبه نهائية ونهائية، ووحدة لتصنيع رقائق المانيوك والبطاطا البرية”، وفق المصدر نفسه.حضور هندي “بارز” تجسّد على وجه الخصوص من خلال وجود 18 شركة ناشطة في كوت ديفوار، على رأسها شركة “أولام” العملاق المتخصص في تجارة الكاكاو والأرز والكاجو، و”كوهينور مانو” (الكاجو)، و”دارني سامبدا”، إضافة إلى كلّ من “تورين للمنغنيز والسبائك الحديدية” و”تاتا ستيل” الناشطة في مجال الحديد، و”كينغ إيفوار” و”كومكاست”، وغيرها..
وعلاوة على ما تقدّم، تدعم الهند مشاريع أخرى لا تزال قيد الإنجاز، بينها “القرية الإيفوارية لتكنولوجيات المعلومات والتكنولوجيا الحيوية” بمنطقة “غراند باسام” في أبيدجان ، وإنتاج الأرز، و”الشبكة الإفريقية للخدمات عن بعد”، ومشروع صيد الأسماك في “غراند باسام” أيضا.
من جهتها، تصدّر كوت ديفوار إلى الهند “الفواكه الاستوائية والخشب والمنتجات النفطية، والورق المقوى والكاكاو المعالج والقطن المحلوج والكاجو”، في حين تستورد منها المنتجات الصيدلانية واللحوم وبقايا اللحوم الصالحة للأكل والسيارات والحبوب والمواد البلاستيكية، بحسب عدد من الفاعلين الإقتصاديين.
+ There are no comments
Add yours