مكالمة لـ15 دقيقة ومحادثات مكثفة.. هكذا استثنى ترامب العراق من حظر السفر

1 min read


أظهرت قضية حظر السفر رئيساً أثبت أنه على استعداد للاستماع وحتى الإذعان لمجموعة من المستشارين الذين يضغطون نحو توجه مختلف.
أورد فريق الأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أسبابًا كثيرة تدعوهم للشعور بالقلق من قرار حظر السفر إلى الولايات المتحدة، والذي استهدف سبع دول ذات أغلبية مسلمة.

وأعربوا عن مخاوفهم من عدم تمرير القرار التنفيذي بشكل قانوني، غير أنهم اختلفوا مع بعض أحكام القرار، وأبرزها إدراج العراق، التي تعد حليفًا رئيسيًا في الحرب ضد تنظيم داعش، بين الدول التي تم منع مواطنيها من دخول الولايات المتحدة.

وعندما حكمت المحكمة الفدرالية بتوقيف العمل على القرار التنفيذي في شباط/ فبراير الماضي، رأى فريق الأمن الوطني في ذلك فرصة لاختبار نفوذهم الجماعي، كما وجدها قادة العراق فرصة للدفاع عن قضيتهم.

وخلال اجتماعات في بغداد وواشنطن وميونيخ ناقش مسؤولون من بينهم وزير الدفاع جيم ماتيس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الأمن الداخلى جون كيلي، الأمر التنفيذي وعرضوا أدلة تدعم تعديله بشكل كبير بحيث يصبح بإمكانه معالجة مخاوف ترامب حول الإرهاب مع المواءمة بشكل أفضل مع استراتيجيات الأمن القومي ويظل صالحاً بنظر المحكمة الفيدرالية.

وحافظ المسؤولون على سرية نقاشاتهم مع القادة العراقيين ومع الرئيس ترامب المتقلب حتى لا يزيدوا من ضغط الرأي العام عليه، بينما يحثونه على العمل.

الانتقال إلى أمر مخفف

وللمرة الأولى في فترة عمله القصيرة، انتقل ترامب من خياره المفضل إلى شيء أقل اجتياحاً.  لكنه اشتكى إلى موظفيه بأن الأمر التنفيذي البديل قد تم “تخفيفه”. وبعد أيام من موافقته عليه، أخبر أنصاره في تجمع في ولاية تينيسي، أنه اتبع “المحامين” لكنه يعتقد أن الأمر التنفيذي الأصلي الذي أصدره كان أفضل.

وتعتبر إحدى أكثر الأمور المجهولة عن إدارة ترامب، هي كيفية تفاعل رئيس لا يملك أي خبرة في الحكم ولا سيما الخبرة العسكرية والخبرة في الشؤون الخارجية، مع مستشارين مخضرمين في هذه المجالات.

وأظهرت قضية حظر السفر رئيساً أثبت أنه على استعداد للاستماع وحتى الإذعان لمجموعة من المستشارين الذين يضغطون نحو توجه مختلف، لكنه لا يزال واثقاً من غرائزه ورغباته الخاصة.

وكان ترامب وقع الأمر التنفيذي بعد أسبوع واحد فقط على رئاسته. وقد منع الأمر اللاجئين السوريين من دخول الولايات المتحدة لأجل غير مسمى، وأوقف جميع المهاجرين القادمين من إيران والعراق واليمن والصومال والسودان وليبيا وسوريا من دخول الولايات المتحدة لمدة 90 يومًا.

وكانت الدول السبع اختيرت من قبل الكونغرس وإدارة أوباما لتلقى معاملة خاصة مما فرض قواعد أكثر صرامة على بعض الأجانب الذين يتطلعون للقدوم إلى الولايات المتحدة.

وكان ماتيس -الذي تضمنت مهنته في مشاة البحرية الأمريكية الإشراف على الحروب في العراق وأفغانستان باعتباره رئيس القيادة المركزية الأمريكية- قد ذهب إلى البنتاغون في ذلك اليوم وهو يتوقع رؤية ترامب عند توقيعه أمرًا تنفيذيًا حول الاستعداد العسكري.

استياء شديد

وقبل بدء مراسم التوقيع بـ 15 دقيقة، تم إبلاغ ماتيس أنه سيتم توقيع أمر تنفيذي ثانٍ، وهو أمر منع المترجمين الفوريين العراقيين من السفر للولايات المتحدة، وهم ممن يعدون أصحاب أهمية قصوى للجيش الأمريكي في العراق.

ولم تتم استشارة الجنرال السابق، غير أنه وقف هادئاً بينما وقع الرئيس الأمر التنفيذي.

وأمضى السفير الأمريكي في العراق دوغلاس سيليمان، ساعات في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادي، في اليوم التالي، بينما كان يكافح من أجل فهم النطاق الكامل للحظر.

وتواصل سيليمان مع وزارة الخارجية وقال إن ” تأثير الأمر التنفيذي سيشعر بأنه غير عادل هنا”. وقال إن المشرعين العراقيين والضباط العسكريين شعروا بالارتباك بسبب إدراج العراق وحذر من أنه ” سيزيد من استياء العالم الإسلامي تجاه الولايات المتحدة”.

ورفض سيليمان التعليق على تفاصيل المناقشات، قائلاً إنه كان على اتصال متكرر بالمسؤولين العراقيين وواشنطن.

وقال شخص مطلع على المحادثات إن بريت ماكغورك منسق حركة وزارة الخارجية المخصصة لهزيمة تنظيم داعش، وعد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بحل مشكلة إدراج بلاده في حظر السفر.

وذكر أن ماكغورك، وهو أحد المعينين من قبل أوباما، والذي بقي ضمن فريق إدارة ترامب، قال إن ماتيس سيزور العراق قريبًا، وحث العبادي على عدم اتباع توصية برلمانية عراقية بمنع المواطنين الأمريكيين من دخول العراق.

وفي الولايات المتحدة، احتشد المتظاهرون في المطارات ورفعت دعاوى قضائية تتحدى الحظر، منها دعوى قضائية في بروكلين وأخرى فى سياتل، قدمتها ولاية واشنطن.

وبعد أسبوع من توقيع الأمر التنفيذي، أوقف قاضي المقاطعة الفيدرالية فى الدعوى القضائية المرفوعة في واشنطن، تنفيذ الأمر على مستوى البلاد. كما رفضت، بعد حوالي أسبوع، هيئة محكمة استئناف فيدرالية في سان فرانسيسكو الإطاحة به وإعادة الحظر.

15 دقيقة على الهاتف

وتحدث ترامب والعبادي في يوم حكم الاستئناف، عبر الهاتف لمدة 15 دقيقة. وأثار العبادي قضية الأمر التنفيذي في نهاية المحادثة. وفقًا لشخص مطلع على المكالمة، وأخبر العبادي ترامب أن تقييد سفر العراقيين من شأنه أن يقوض الهدف المشترك لإنشاء عراق آمن ومزدهر.

وأشار المصدر إلى أن العبادي أخبر ترامب أن “الأمر التنفيذي سيؤثر على تدريب الطيارين وزيارات الضباط العسكريين للولايات المتحدة ودراسة الطلاب العراقيين في الجامعات الأمريكية”، مضيفًا أن الرئيس أجاب بأنه سيتكلم مع تيلرسون، وسيعثرون على حل.

وبعد مرور أسبوع ونيف، التقى العبادي نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس خلال مؤتمر أمني في ميونيخ، وحث العبادي نائب الرئيس على نقل استيائه إلى ترامب بسبب حظر السفر.

وأكد أحد مساعدي بينس مؤخراً لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن العبادي أثار مسألة إزالة العراق من الدول المشمولة في حظر السفر خلال اجتماع ثنائي في ميونيخ. واستمع بينس للمطالب لكنه لم يقدم أي تعهدات لرئيس الوزراء، ونقل مخاوف العبادي إلى الآخرين في إدارة ترامب، حيث تم تشكيل أمر تنفيذي معدل.

ولم يذكر أي من الملخص العراقي للمحادثة ولا الملخص الذي صدر عن البيت الأبيض أي مناقشة لقرار الحظر المفروض على السفر.

مرحلة التصحيح

وقال شخص مطلع وعلى دراية بهذه المناقشات أن ماتيس أكد للرئيس العبادي في زيارته التي قام بها إلى العراق، بأنه يمكن تصحيح هذه المسألة.

وقال عبدالباري الزيباري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي:  “أصبح من الواضح أن الدوافع الأمريكية الرئيسية لإزالة العراق من قائمة الحظر كانت تلك التي تتعلق بالشؤون  الخارجية والأمن القومي والدفاع”.

وتحدث تيليرسون أيضا هاتفياً مع العبادي بعد ثلاثة أيام، وأقر بالتزامه بمواصلة دعم العراق في كفاحه ضد تنظيم داعش، ودعم الجهود الرامية إلى استقرار العراق بمجرد هزم المتطرفين، كما جاء في بيان صحفي صادر عن مكتب العبادي.

ولكن الذي لم يتم ذكره في البيان بأن تيليرسون استمع أيضا إلى اهتمامات العبادي المتعلقة بقرار حظر السفر، وفقًا لشخص على دراية بالمكالمة الهاتفية. ووصف هذا الشخص وزير الخارجية الأمريكي بالمستمع “المتعاطف”.

وقال أحمد الجمل، المتحدث باسم وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، إن الجعفري صرح للسفير الأمريكي بعد وقت قصير من قرار حظر السفر بأن العراقيين “لا يفهمون السبب وراء هذا القرار، فهم ضحايا الإرهاب، وليسوا مرتكبين له”.

وظل معظم أعضاء فريق الأمن القومي لترامب بعيدين عن عناوين الصحف، ولكن كان كل من تيليرسون وماتيس وكيلي، زائرين دائمين إلى المكتب البيضاوي. وفي تلك الزيارات، قدم كل منهم  رأيه إلى الرئيس ترامب لتجديد قرار حظر السفر.

وفي 4 آذار/ مارس، تحدث كل من سيشنز وكيلي بصوت واحد خلال جلسة استغرقت حوالي ساعتين تقريبا مع ترامب في منتجعه في “مار لاغو” في ولاية فلوريدا.

وفي الجلسة، قام المدعي العام جيف سيشنز يرافقه كبير موظفيه بتقديم عرض للرئيس ترامب، يتضمن مقترحات لقرار حظر سفر جديد ، قام بإعداده مكتب مستشاري البيت الأبيض بالتشاور مع مكتب المستشار القانوني في وزارة العدل وغيرهما.

الكشف عن الأسباب

وفي مناقشات أخرى، قال تيليرسون وآخرون إن “العراق لا ينتمي إلى قائمة الحظر لثلاثة أسباب رئيسية هي أن العراق لم يكن دولة راعية للإرهاب، وتوجد في العراق سفارة أمريكية فاعلة، وإن العراق يقوم وبشكل روتيني بتقاسم الاستخبارات الأمنية مع الولايات المتحدة منذ 2008”.

إضافة إلى ذلك، فإن الأساس المنطقي لقيام ترامب بفرض قرار الحظر كان لإتاحة الوقت لرفع مستوى التحقق من المسافرين، ولكن بالنسبة للعراقيين كان الأمر سهلًا نسبيًا، لأنهم مضطرون لتقديم وثائق هوية تتضمن أدلة حيوية للحصول على جوازات السفر.

وهكذا تم استثناء العراق من قرار حظر السفر الجديد، على الرغم من أن بغداد وافقت على تقديم وثائق السفر المحسنة وقبول عودة أي مواطن من المبعدين من الولايات المتحدة.

بيد أن ترامب لم يكن راضيا تماماً عن فكرة تغيير القرار. وفي اليوم السابق لموافقته على ذلك، قام بإجراء محادثة مع مستشاره العام “دون ماكجاهن” حول ما اعتبره استخفافاً بأوامره، وفقا لأشخاص على دراية بهذه المسألة.

وفي اليوم التالي انضم مكجاهن إلى مجموعة السياسيين في “مار لاغو” لتناول العشاء والمضي بمشروع القانون.

وبعد الاجتماع في “مارلاغو”، أيد ترامب على مضض قرار الحظر الجديد المنقح، الذي سرعان ما واجه عقبات كبيرة مع المحاكم لا زالت دون حل.

ووقع ترامب النظام المنقح في 6 آذار/مارس.، حيث لم يكن هناك أي تواجد للصحفيين. في حين أن الصورة الوحيدة التي قامت بتوثيق هذه اللحظة التقطها المسؤول الإعلامي شون سبايسر.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours