دخلت الحرب اليمنية منعطفا مفصليا بعد تلقي جماعة "أنصار الله" (الحوثي) أولى الضربات الجوية الموجعة من التحالف العربي، ما أفقد الحوثيين الرجل الثاني في الجماعة، وواجهتها السياسية الأولى، صالح الصماد، رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، وهو بمثابة الرئاسة في مناطق سيطرة الجماعة.
وحمّل العام الرابع من الحرب تصعيدا عسكريا غير مسبوق بين القوات الحكومية، مسنودة بالتحالف بقيادة الجارة السعودية، من جهة، والحوثيين، المتهمين بتلقي دعم إيراني، من جهة أخرى، وسط تحركات جادة لمبعوث الأمم المتحدة الجديد الخاص باليمن، مارتن جريفيث، لإنعاش مشاورات السلام المتعثرة.
على مدار شهر كامل، وتحديدا منذ حلول الذكرى الثالثة للحرب، في 26 مارس/ آذار الماضي، كانت الصواريخ الباليستية الحوثية تستهدف الأراضي السعودية بوتيرة شبه يومية، فيما كانت مقاتلات التحالف ترد بالمثل، وتفسح المجال أمام القوات الحكومية لتقدمات نوعية في معاقل الحوثيين بمحافظة صعدة (شمال) والساحل الغربي وجبهات متفرقة، مثل البيضاء وميدي.
ويقلل مراقبون من تأثير مقتل الصماد على مسار الحرب، مستندين إلى طبيعة عمله كواجهة سياسية لجماعة تمتلك قيادات ظل جاهزة، بينما يعتقد آخرون أن مقتل الرجل الثاني للحوثيين بهذه الطريقة، سيُحدث إرباكا كبيرا في أوساط الجماعة، ويضع الحرب أمام سيناريوهات عديدة.
بنك أهداف التحالف
خلال أبريل/ نيسان الجاري، اصطادت مقاتلات التحالف عددا من أبرز القادة العسكريين الحوثيين، لكن الوصول إلى رأس الرجل الثاني في الجماعة، كان الصيد الأثمن، منذ اندلاع الحرب، وهو ما يفتح الشهية للوصول إلى رؤوس أكبر، وقد يرتفع الطموح إلى رأس زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي.
وخسرت جماعة الحوثي، خلال الأسابيع القليلة الماضية، قائد الجبهة الحدودية مع السعودية، اللواء ناصر القوبري، وكان مسؤولا عن وحدة الصواريخ، إضافة إلى مسؤول آخر في كتيبة الصواريخ بصعدة، هو العميد عبد الله الجبري، وقيادي بارز ثالث، هو مشرف بحرية الحوثيين بالساحل الغربي، منصور السعادي.
وجاء التحول اللافت في تحسن بنك أهداف التحالف بعد جمود كبير شهدته الأشهر الأخيرة من العام الماضي ومطلع العام الحالي فيما يخص الضربات غير المجدية، وتمادي الحوثيين في استعراض القوة العسكرية بمواقع مكشوفة، في صنعاء (شمال) والحُديدة (غرب).
ورغم محاولة جماعة الحوثي التماسك بتسمية خليفة الصماد قبل الكشف عن مقتله رسميا وذهاب تحليلات إلى أن مقتله لن يشكل فارقا كبيرا عليهم كونه كان مجرد واجهة سياسية، إلا أن مراقبين يرون أنها الضربة الموجعة الأبرز التي يتلقاها الحوثيون منذ بداية الحرب، حتى وإن حاولوا إظهار خلاف ذلك.
وفق الباحث اليمني في النزاعات الدولية، طه ياسين، فإن "مقتل الصماد لن يكون له تأثير بالغ على جماعة الحوثي كواجهة سياسية، لأن السياسة ليست من أولويات الجماعة".
وتابع ياسين، في حديث للأناضول: "عملياً، سيكون لمقتل الصماد أثر في صفوف الحوثيين كقيادي في الحركة قاتل في صفوفها منذ نشأتها، وخلال مسيرات حروبها المتعددة بصعدة، وله حضور غير عادي كمقاتل وكقيادي من الصف الأول".
إرباك لمسار السلام
يتزامن تساقط قادة الجماعة مع ضغوط عسكرية غير مسبوقة، عبر لجوء التحالف والحكومة الشرعية إلى استحداث جبهات حرب متفرقة في معقل الحوثيين بصعدة، وكذلك دعم قوات ضخمة، تحت قيادة طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، في الساحل الغربي لليمن.
وكان الصماد توعد، الخميس الماضي، وهو اليوم الذي قالت جماعته إنه قتل فيه، بالتصدي لقوات طارق صالح، في الساحل الغربي، والتي تسعى إلى تحرير الحُديدة، وذلك بالدعوة إلى "مسيرة البنادق" (الكلاشينكوفات)، والتي من المقرر أن تنطلق، اليوم الأربعاء، في المدينة الساحلية.
وقال مصدر عسكري في الجيش الوطني، طلب عدم الكشف عن هويته، للأناضول، إن لدى القوات الحكومية والتحالف مخططات لإنهاك الحوثيين وإرباكهم على أكثر من جبهة، وخاصة معاقلهم في صعدة، وهو ما سيستدعي منهم إخراج المزيد من قادة الصف الأول إلى العلن، ما يسهل اصطيادهم من جانب التحالف.
ومن شأن التصعيد العسكري الجديد على الأرض أن يربك جهود الأمم المتحدة، بقيادة مبعوثها جريفيث، الذي بدأ جولة ثانية لإحياء المشاورات بين أطراف النزاع، بعد أسبوع من تعهده، أمام مجلس الأمن الدولي، بتقديم خارطة سلام خلال شهرين.
مؤامرة داخلية
أحدث مقتل الصماد ضجة واسعة حول الكيفية التي سقط بها.
ورغم نشر وسائل إعلام في السعودية ودول خليجية أخرى لقطات جوية تُظهر عملية رصد واستهداف سيارته، إلا أن سياسيين، وخاصة موالين لحزب المؤتمر، تحدثوا عن مؤامرة حوثية من الداخل، سواء بتصفيته أو تقديم معلومات للتحالف من أجل تسهيل عملية استهدافه.
ويراهن خصوم الحوثيين على تصدع داخلي، لاسيما بعد أحاديث لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، أعلن فيها أن التحالف يسعى خلال الفترة القادمة إلى تفكيك الحوثيين من الداخل وخلق صراعات فيما بينهم.
واستدل أصحاب تلك النظريات بالارتباك الحوثي، حيث تم الإعلان، الأحد الماضي، عن حضور الصماد، في اليوم نفسه، فعاليات عسكرية بالحُديدة، ثم الإعلان في اليوم ذاته عن مقتله بغارات جوية، الخميس الماضي.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي اليمني، جمال حسن، أن الحديث عن تسهيل الحوثيين لعملية قتل الصماد هو "نوع من التأويل المفبرك غير المبني على الحقائق".
ومستبعدا، تساءل حسن، في حديث للأناضول: "لماذا سيقومون بهذا الأمر وهو يشكل ضربة معنوية قاسية لهم (؟!) إذا كانت هناك مشاكل داخل الجماعة، أعتقد أنه سيتم التعامل معها من الداخل، ومن الممكن استبعاد الصماد من منصبه بقرار تنظيمي وتعيين قيادي آخر بدلا عنه".
وفيما استبعد الكاتب اليمني قيام الحوثيين بما وصفه بـ"الآمر الأخرق" في الوشاية بقياداتهم، يرى مراقبون أن المبالغ الضخمة التي رصدتها السعودية للوصول إلى قائمة من 40 قياديا في الجماعة، كان الصماد المطلوب الثاني فيها بعشرين مليون دولار، قد يُسيل لها لعاب بعض المنتفعين.
وبعيدا عن نظرية المؤامرة والتفكك من الداخل، يتوقع مراقبون، أن يكون انضمام طارق صالح إلى جبهة التحالف العربي قد ساهم في تحسين بنك الأهداف، كونه أكثر دراية بتفاصيل دقيقة عن مكون جماعة الحوثي وقيادات الصف الأول، التي لا تظهر في الصورة إعلاميا، فضلا عن مناطق تحركها.
+ There are no comments
Add yours