إيطاليا رعت اتفاق مصالحة بين قبيلتين ليبيتين متصارعتين هما "أولاد سليمان" و"التبو" ويتضمن الاتفاق جبر الضرر للمتضررين على أن تتكفل إيطاليا بدفع القيمة المالية.
قالت ميكيلا ميركوري، أستاذة التاريخ المعاصر في جامعة ماتشيراتا الإيطالية، إن رعاية روما لاتفاق المصالحة بين قبيلتين في الجنوب الليبي جاءت ضمن توجهها نحو تمكين المجتمعات المحلية، عبر تقديم مساعدات مالية وتقنية، لتشكل حائط صد أمام تدفقات الهجرة غير الشرعية من دول أفريقيا جنوب الصحراء، إضافة إلى مكافحة الإرهاب، ومن ثم ضمان أمن الحدود الجنوبية لأوروبا.
ففي نهج جديد، رعت إيطاليا اتفاقًا بين قبيلتي “أولاد سليمان” و”التبو“، بعد مفاوضات في روما، دامت 72 ساعة، ويتضمن الاتفاق 12 بندا، وينص على مراقبة 5 آلاف كم من الحدود الليبية الجنوبية، وذلك بحضور نحو 60 من شيوخ القبيلتين، وممثلين عن قبائل الطوارق وحكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، وفق وزارة الخارجية الإيطالية، في بيان، الأحد الماضي.
ومن بين ما نص عليه الاتفاق، الذي جرى توقيعة الأربعاء الماضي بين القبيلتين المتصارعتين: الصلح الشامل والدائم بين الطرفين، جبر الضرر للمتضررين من الطرفين، على أن تتكفل إيطاليا بدفع القيمة المالية، وعلاج الخلافات، إضافة إلى إخلاء الأماكن العامة في الجنوب من التشكيلات المسلحة وتسليمها إلى الجيش والشرطة، على أن يكون للجميع الحق في المشاركة في تولي الوظائف العامة.
وأد الهجرة
هذا الاتفاق القبلي الليبي، برعاية إيطالية، يمثل، وفق ميركوري، “خطوة متقدمة ضمن توجه إيطاليا (المستعمر السابق لليبيا بين عامي 1911 و1951) إلى وأد تدفقات الهجرة في منبعها، ولاسيما دول أفريقيا جنوب الصحراء.. روما تعهدت بتقديم مساعدات تقنية ومالية لتلك القبائل، ضمن جهود ضبط الحدود الليبية الجنوبية”.
ولا يقتصر هذا النهج الإيطالي على الساحة الليبية، حيث لفتت إلى أن “روما أبرمت اتفاقًا مع النيجر وآخر مع حكومة الوفاق لتدريب قوات خفر السواحل الليبية”.
وينص اتفاق إيطاليا مع النيجر، نهاية الشهر الماضي، على منح الأخيرة 50 مليون يورو، ضمن برنامج للتعاون يشمل مساعدتها تقنيًا على ضبط حدودها.
وعامة، يعتمد التوجه الإيطالي الجديد على تقديم المال والمساعدات التقنية للمناطق الحدودية، مقابل سيطرة المجتمعات المحلية على منافذ الهجرة غير الشرعية، ووضع حد لتجارة تهريب البشر نحو أوروبا.
النفط والغاز
لكن اهتمام إيطاليا بليبيا، جنوب البحر المتوسط، لا يتوقف عند ملف الهجرة، فروما، بحسب الأكاديمية الإيطالية المختصة في الشأن الليبي، “أكبر مستورد للنفط، والمتلقي الوحيد للغاز الليبي عبر أنبوب الدفق الأخضر Greenstream”.
وتابعت بقولها: “علينا أن نتذكر أن المحطة التابعة لشركة إيني الإيطالية للنفط في ميناء ملّيتة النفطي (غرب) لا تزال واحدة من المحطات القليلة العاملة حتى اليوم، فضلا عن أنشطة التعدين البحري الإيطالية قبالة ساحل (العاصمة) طرابلس (غرب)”.
وأوضحت أنه “رغم أن التدخل في ليبيا (شمالي إفريقيا) من قبل التحالف الدولي، عام 2011 (للإطاحة بالعقيد معمر القذافي)، كان بتأييد من دول عديدة، في مقدمتها فرنسا، إلا أن إيني هي الشركة الدولية الوحيدة التي لا تزال قادرة على إنتاج وتوزيع النفط والغاز في ليبيا”.
وأردفت: “إيني تعمل في ليبيا منذ 1959، ومن السهل تصور إيجاد الشركة سبل اتصال تمكنها حاليا من التعايش مع بعض الميليشيات الليبية، لكن هذا وحده لا يؤمن الاستقرار ولا بد من جهد سياسي على المدى الطويل”.
دعم للسراج
ضمن الجهد السياسي لتأمين المصالح الإيطالية في ليبيا تبدي روما دعما لحكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج.
وقالت ميركوري إن “حضور مندوب عن (الوفاق) خلال المفاوضات، وأثناء التوقيع على الاتفاق بين القبيلتين دليل على الاعتراف بدور حكومة السراج الرئيس في ليبيا”.
وزادت بقولها: “لقد أيدت الأطراف الدولية اتفاق الصخيرات (للسلام عام 2015)، وجهود الأمم المتحدة، التي أفضت إلى تشكيل حكومة الوفاق، لكن ما إن تشكلت الحكومة، حتى نأى الجميع بنفسه عنها، ماعدا إيطاليا، بل إن العديد من الأطراف واصلت تمويل وتسليح الجنرال (خليفة) حفتر”.
ومنذ الإطاحة بالقذافي، عام 2011، تتقاتل في ليبيا كيانات مسلحة متعددة، وتتصارع حاليا ثلاث حكومات على الحكم والشرعية، اثنتان منها في طرابلس، وهما الوفاق (المعترف بها دوليا)، والإنقاذ، إضافة إلى الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق)، المنبثقة عن مجلس النواب في طبرق، التابعة له قوات حفتر.
واعتبرت ميركوري أنه “لم يبق لحكومة الوفاق من حليف سوى إيطاليا، التي أعادت فتح سفارتها في طرابلس، وأقامت مستشفى ميدانيا في مصراتة (206 كم جنوب غرب طرابلس)، فضلا عن تدريبها أفراد خفر السواحل الليبي”.
وبنظرة مستقبلية، تابعت أن “إيطاليا، ومن خلال قاعدة ارتكازها في العاصمة الليبية ولكونها الجهة الغربية الوحيدة في طرابلس، ستصبح، خلال الفترة المقبلة، نقطة اتصال ووسيط سياسي بين الغرب وروسيا، أحد أبرز داعمي حفتر”، الذي يرفض البرلمان، التابعة له قواته، الاعتراف بحكومة الوفاق.
اقتصاد التهريب
محمد سندو، مستشار “سلطان” (زعيم) “التبو”، زيلاوي مينا صالح، الذي وقع على اتفاق روما، قال من جانبه إن “الحكومة الإيطالية علمت باحتياجات التنمية لدينا، لاسيما البنى التحتية الواجب تشييدها، ومصاريف الأمن، وإمكانية علاج جرحانا في المستشفيات الإيطالية، إضافة إلى إنشاء مراكز تدريب مهني وتقديم منح دراسية لبعض أبنائنا للدراسة في إيطاليا”.
وتابع سندو، في مقابلة مع صحيفة “كوريره ديلا سيرا” الإيطالية هذا الأسبوع: “العديد من شبابنا بلا أمل، ويعملون الآن في تسهيل الهجرة غير الشرعية.. لكن إذا أعطيتهم خيارات مختلفة في الحياة فسيتوقفون”.
وشدد على أن “الالتزام الرئيس في اتفاق روما هو مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب، وسنعمل على تنفيذه.. سيتم ضبط الحدود بطول خمسة آلاف كيلومتر عبر اتفاقيات تنفيذية أمنية مع إيطاليا تبرم لاحقا”.
وزاد سندو بقوله: “بعد انهيار النظام والحرب الأهلية تداعى اقتصادنا، ولم يعد هناك مال.. المصارف فارغة، ولم يعد لدى الكثير من الليبيين (البالغ عددهم قرابة 6.5 مليون نسمة) ما يأكلونه، ولهذا يعتقد الكثير من السكان المحليين أن العمل بالهجرة غير الشرعية لا بديل عنها.. 15% من البالغين في التبو يعلمون في هذا المجال”.
وبعد التوقيع على اتفاق روما، قالت الخارجية الإيطالية إن “مبادرة الوساطة الإيطالية (بين القبيلتين الليبيتين) تهدف إلى مكافحة اقتصاد مبني على التهريب، يؤدي إلى مقتل المئات في البحر المتوسط (خلال محاولة الهجرة إلى أوروبا)، وآلاف البائسين الباحثين عن حياة أفضل، والتصدي لتصاعد موجة الشعبوية (المناهضة للمهاجرين في أوروبا)، إضافة إلى الإرهاب في الصحراء”.
وبموجب هذا الاتفاق، سيتم تشكيل “قوة من حرس الحدود الليبيين، للسيطرة على 5 آلاف كيلومتر من الحدود الجنوبية، ومكافحة مهربي المهاجرين”، وفق تصريحات لوزير الداخلية الإيطالي، ماركو مينيتي، نقلها التلفزيون الحكومي عقب الاتفاق، وشدد خلالها على أن “توفير الأمن في الحدود الجنوبية الليبية يعني ضمان أمن الحدود الجنوبية لأوروبا”.
+ There are no comments
Add yours