ينتشر قرابة ألفي مسلح سوري من تنظيمي "جبهة النصرة" و"داعش" في جرود بلدة عرسال الحدودية اللبنانية (شرق) مع سوريا، وهي منطقة تستعد لمعركة حاسمة، في ظل حديث متواتر على الساحة اللبنانية عن عملية يعتزم الجيش اللبناني تنفيذها على نطاق واسع في المنطقة ضد هذين التنظيمين.
وبموازاة الحديث المتصاعد عن هذه المعركة، تتصاعد مخاوف البعض من توريط الجيش وتدخل "حزب الله" اللبناني (شيعي)، الداعم عسكريا لقوات النظام السوري، في المعركة، ودخول الحزب (الشيعي) في مواجهة مع أهالي عرسال، وهم من الطائفة السنية.
وعلى وقع الحرب في الجارة سوريا ينقسم الشارع والقوى السياسية في لبنان، بين مؤيد للنظام السوري، بقيادة بشار الأسد، ومؤيد للمعارضة السورية، التي تطالب بتداول السلطة، التي ورثها بشار، في يوليو/ تموز 2000، عن والده الرئيس حافظ الأسد (1971-2000).
محاولة لتوريط الجيش
وفق الخبير العسكري اللبناني، العميد متقاعد "ناجي ملاعب"، فإن "حزب الله لديه أجندة مرتبطة بحلف معين، وللمعارضة السورية أجندة مرتبطة بحلف آخر.. أما الدولة اللبنانية، وتحديدا الجيش فينأى بنفسه عن هذا الحلف أو ذاك، ويقوم بمهمة تأمين استقرار لبنان والحفاظ عليه وحفظ الأمن القومي اللبناني".
"ملاعب"، وفي حديث مع الأناضول، مضى قائلا إن "كل ما قام به الجيش اللبناني في السابق كان عبارة عن عمليات استباقية ليس أكثر، سواء في المناطق الحدودية أو في الداخل اللبناني".
وأضاف أنه "في المرحلة السابقة قام الجيش بمهمات ناجحة، بفضل تعاونه مع قوى التحالف الدولي ضد الإرهاب (بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية)، وحصوله على معلومات منها، ونتيجة جهد كبير ومثمر قام به الجيش ونجح في منع وقوع عمليات إرهابية".
وبشأن المتداول في وسائل الإعلام عن معارك قد تشهدها جرود عرسال، اعتبر أن "هذه ليست من مخططات الجيش اللبناني، بل هناك جهات (لم يسمها) تحاول توريط الجيش في معارك ما.. الجيش ليس معنيا بمعارك في الداخل السوري.. الجيش معني فقط بالدفاع عن القرى اللبنانية، وهو ما يقوم به بشكل ثابت ودائم، كما أن الجيش يرد بشكل قوي على كل هجوم يحاول المسلحون شنه تجاه القرى اللبنانية".
وبعبارات أكثر وضوحا، تابع الخبير العسكري اللبناني أن "حزب الله يحاول أن يستغل انتصار التحالف الدولي والجيش العراقي في (مدينة) الموصل بالعراق، عبر تسويق أن الحشد الشعبي (شيعي عراقي)، المرتبط عقائديا بحزب الله، هو الذي انتصر في الموصل، مع العلم أن الحشد الشعبي لم ينتصر في الموصل، فالأمريكيون شنوا 1600 غارة في المعركة، والفرنسيون شنّوا 600 غارة، وبالتالي فالحزب يسوّق لانتصار الحشد الشعبي ليوظف الأمر (لتدخل الحزب) في عرسال".
وأعلن العراق، في العاشر من الشهر الجاري، رسميا، استعادة الموصل، مركز محافظة نينوى، من "داعش"، بعد معارك استمرت أكثر من ثمانية أشهر، بدعم من التحالف الدولي، وبمشاركة نحو 100 ألف من القوات العراقية وفصائل شيعية مسلحة وقوات الإقليم الكردي (البيشمركة)، فضلا عن فصائل سنية.
وشدد "ملاعب" على أن "عرسال ليست الموصل العراقية ولا (مدينة) الرقة السورية (معقل داعش بسوريا)، والجيش اللبناني ليس طرفا في هذه المعركة.. دور الجيش في هذه المرحلة دفاعي، وليس مطلوب منه معركة الجرود، التي قد تؤدي إلى تهجير أهالي عرسال".
مصلحة حزب الله
بالمقابل، رأى الباحث الاستراتيجي اللبناني، العميد متقاعد "أمين حطيط" (قريب من حزب الله)، أن "المسألة ليست مسألة توريط الجيش، وإنما توجد (في عرسال) جماعات مسلحة يتنافى وجودها مع السيادة اللبنانية، وتشكل خطرا وتهديدا للأمن اللبناني، والجيش هو الجهة المكلفة بهذه المهمة، لذا هي ليست مسألة توريط للجيش".
وأضاف "حطيط"، في حديث للأناضول، أن "الجيش اللبناني كان قد وضع خطة من ثلاث مراحل، الأولى، وتم تنفيذها، تضمنت حصار وتطويق الجماعات المسلحة وإبقائها تحت السيطرة عبر المراقبة، والمرحلة الثانية، ونفذها الجيش أيضا، قامت على توجيه ضربات استباقية لمنع المسلحين من تشكيل قدرات هجومية".
أما المرحلة الثالثة، وفق الباحث اللبناني، "فهي الباقية، ويستعد لها الجيش كليا، وهي تنظيف الجرود، حتى لا تبقى هذه المناطق خارج السيادة اللبنانية.. هذه المساحات ليست صغيرة، فهي بطول 15 كلم وعرض 18 كلم، أي أن مجمل المساحة حوالي 150 كلم مربع، وهي تحت سيطرة تنظيمات إرهابية، بينها داعش والنصرة، يبلغ عدد عناصرها 2000، وبالتأكيد من واجبات الجيش اللبناني استعادة الأرض".
ولفت "حطيط" إلى أن "حزب الله سلّم مراكزه في تلك المنطقة إلى الجيش اللبناني، لكنه موجود على الجانب الآخر من الحدود، أي في منطقة القلمون (السورية)، ووجود هؤلاء المسلحين يهدد حزب الله استراتيجيا، خصوصاً في حال تمددوا إلى الداخل اللبناني أو الداخل السوري، ومن مصلحة الحزب الانتهاء من وجود هؤلاء المسلحين في منطقة جرود عرسال".
نصر الله يريد حلا
ولبلدة عرسال اللبنانية حدودا طويلة ومتداخلة مع منطقة القلمون السورية غير مرسمة بوضوح، وعليها العديد من المعابر غير الشرعية، ما يسمح بانتقال المسلحين بسهولة بين جهتي الحدود.
وفي خطاب له الثلاثاء الماضي، قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ، إنه "آن أوان الانتهاء من تهديد المجموعات المسلحة في الجرود".
وبعبارات ربما تشي باعتزام حزب الله التدخل عسكريا أو الضغط على الجيش كي يتدخل هو، تابع نصر الله: "هذه هي المرة الأخيرة التي سأتحدث فيها عن جرود عرسال (…) الوقت قليل جدا للتوصل إلى تسويات أو مصالحات معينة.. ثبت أن هناك إرهابيين ومخططين لعمليات إرهابية في عرسال، وهذا بات يحتاج حلا".
وفي نهاية يونيو/ حزيران الماضي، نفذ الجيش اللبناني مداهمات داخل مخيمات اللاجئين السوريين قرب عرسال، في عملية وقعت خلالها أربع تفجيرات انتحارية، وتم توقيف 350 لاجئا، بينهم مسلحون، وفق بيان للجيش حذر من استخدام الإرهابيين للاجئين كدروع بشرية.
وشهدت عرسال، في أغسطس/آب 2014، معارك استمرت أياما بين الجيش اللبناني ومسلحين من "جبهة النصرة" و"داعش"، قدموا من سوريا، وانتهت بإخراج المسلحين من البلدة، لكنهم لجأوا إلى التلال الجرداء للبلدة، وهي تلال خالية من السكان ومعروفة بجرود عرسال، وانضمت إليهم، مع تقدم القوات النظامية السورية في ريف دمشق، مجموعات مسلحة أخرى.
وخلال السنتين الماضيتين، تكررت المواجهات بين هذه المجموعات والجيش اللبناني، كما حدثت مواجهات أحيانا من الجهة السورية بينهم وبين حزب الله.
وحذر رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، في العاشر من يوليو/ تموز الجاري، مما قال إنها "محاولات لزرع فتن وتوتر" بين الجيش اللبناني وقرابة مليون ونصف المليون لاجيء سوري في لبنان.
وعن احتمال حسم الأمر عسكريا في عرسال، قال الحريري، المناهض للنظام السوري، إن "القرار السياسي موجود، لكن هناك مدنيون في عرسال والإرهابيون يستعملونهم لحماية أنفسهم.. الجيش يعرف نفسه حين يصبح مرتاحا لحسم الأمر دون أذية المدنيين".
+ There are no comments
Add yours