أثارت دعوة، أطلقتها منظمة حقوقية مصرية، وتبناها أعضاء بمجلس النواب (البرلمان)، بتشكيل “شرطة أسرية”، معنية بـ”إجهاض” الخلافات الزوجية، قبل الوصول للطلاق، جدلاً بين مؤيد ومعارض.
وأعلن مركز “عدالة ومساندة” الحقوقي، (منظمة غير حكومية)، في بيان قبل أيام، عن مقترح بمشروع قانون بفصل قضايا الخلافات الأسرية عن القضايا الجنائية، التي تنظرها الشرطة، وتشكيل “شرطة أسرية” خاصة وتخصيص مكاتب منفصلة لها، على غرار محكمة الأسرة، التي تأسست العام 2004، لسرعة النظر في قضايا الخلافات الزوجية.
المقترح ما لبث أن تبناه النائبان البرلمانيان عبدالحميد الشيخ (ائتلاف “دعم مصر” صاحب الأغلبية بالبرلمان)، وأحمد رفعت (“المصريين الأحرار” ويمتلك 60 نائباً)، وتعهدا بعرضه كمقترح بقانون علي مجلس النواب والدفاع عنه حتى إقراره.
يقول النائب عبد الحميد الشيخ، لمراسل الأناضول، إنه سيعمل على جمع 60 توقيعاً من نواب البرلمان لتقديم مشروع القانون باسمهم، معربا عن أمله في أن يقره البرلمان قريبا.
وتشترط المادة 181من اللائحة الداخلية للبرلمان المصري الحصول على توقيعات 10% من النواب، البالغ عددهم 596 نائبا، قبل طرح أي مشروع قانون للمناقشة.
ويضيف “الشيخ” أنه لم يشرع في جمع التوقيعات من النواب حتى الآن، ويفضل الترويج له إعلامياً في البداية، لكي يشارك المجتمع كله في الفكرة، لافتا إلى أنه سيعقد قريباً لقاءً لفتح نقاش حول المقترح يحضره برلمانيون وممثلون للمجتمع المدني، والمجلس القومي للمرأة (حكومي)، من دون تحديد موعد اللقاء.
وحول الاعتراضات، التي واجهت الفكرة، من جانب بعض النشطاء، باعتبارها “غير عملية”، أوضح “الشيخ”: هي مجرد تخوفات من حجم التكلفة، مؤكدا أن الشرطة الأسرية “لن تمثل أى عبئ مادي على وزارة الداخلية، ويمكن الاكتفاء بمكتب في كل مديرية للأمن بالمحافظات ويبدأ التطبيق بالقاهرة، والإسكندرية (شمال)”.
ويشير إلى أنه فيما بعد يمكن توسيعها بتخصيص مكتب للمشاكل الأسرية في كل مركز شرطة، مشددا على ضرورة أن يتمتع الضابط، الذين سيتولون تلك المهمة، ببعض السمات الخاصة وبينها دراسة علمي النفس والاجتماع حتى يستطيع حل المشكلات بين الأزواج والعمل على مناقشتهم ودياً قبل البدء في إجراءات التقاضي.
ولفت إلى أن معظم الخلافات الزوجية تحل عن طريق جلسات عرفية (تجمع أسرتي الزوجين) لإنهاء الخلاف، مشيرا إلى أن الفكرة تتماشي مع هذا النسق من الحلول.
وأعلن النائب أحمد رفعت عزمه تقديم مقترح مشروع القانون إلى الهيئة البرلمانية لحزبه، تمهيداً لطرحه بالبرلمان، باعتباره “علاجاً لمشكلات العنف الأسرى التى تعانى منها الزوجه والأم المصرية”، وفق تصريحات لصحف محلية.
الهدف من المبادرة، كما يقول القائمون عليها، هو التعامل مع القضايا الأسرية بطريقة مختلفة لحلها قبل الوصول إلى طريق مسدود، لا سيما بعد ارتفاع معدلات الطلاق في مصر، ووصول عدد المطلقات إلى 3 ملايين سيدة، حسب تقرير “مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار” (يتبع مجلس الوزراء المصري)، الصادر في 29 إبريل/ نيسان الماضي.
وارتفعت نسب الطلاق من 7% إلى 40% خلال الخمسين عاما الأخيرة، حيث أعلنت محاكم الأسرة (معنية بالنظر في القضايا الزوجية) في مصر أن 240 حالة طلاق تقع يوميا، بمعدل حالة طلاق كل 6 دقائق.
وبلغ إجمالى عدد حالات الخلع (طلاق بعد تنازل الزوجة عن كافة حقوقها المادية) والطلاق العام 2015، 250 ألف حالة بمصر بزيادة 89 ألف حالة، مقارنة بالعام 2014، كما استقبلت محاكم الأسرة خلال 2014 مليون دعوى قضائية خاصة بالخلافات الأسرية، بحسب التقرير نفسه.
لكن خبيرا أمنيا يرى أن مقترح “الشرطة الأسرية” لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع ولن يساهم في حل المشاكل الزوجية.
ويقول العميد متقاعد بالداخلية المصرية، محمود قطري، الخبير الأمني، إن “الشرطة الأسرية” ستكون تكرارا لما يسمي حاليا “شرطة مكافحة التحرش” ( تأسست يونيو/ حزيران 2014)، ورغم وجود الجهاز المتخصص في مكافحة العنف ضد النساء بالشوارع إلا أن “الحالات مازالت موجودة ولم يساهم في تقليل من حجم معاناة النساء”.
ويضيف “قطري”، لوكالة الأناضول، أن المقترح، حال تطبيقه، “يزيد من الأعباء على وزارة الداخلية، كما أنها غير مؤهلة لمثل هذه الدور”.
ويوضح أن “مراكز الشرطة تحصل على المعلومات من المُبلغ ولا تتحرك حتى للقبض على الخصم أو احضاره لسماع أقواله، وبالتالي تضيع القضايا بين أروقة المكاتب الحكومية وتقبع لسنين دون الفصل فيها لاسيما قضايا الخلافات الزوجية”.
من حانبها دافعت المحامية هالة عثمان، مديرة مركز “عدالة ومساندة”، وصاحبة المقترح، عن الفكرة، في بيان حصلت الأناضول على نسخة منه، معتبرة أن “الشرطة الأسرية باتت ضرورة، للفصل في قضايا الأسرة التي لها خصوصية ومحاولة حلها قبل الوصول للمحكمة”.
ولفتت إلى أنه توجد محاكم مختصة بالقضايا الأسرية، فلماذا لا يصبح لدينا شرطة متخصصة في الأسرة أيضاً؟، منوهة إلى أن بعض الدول العربية والأجنبية سبقتنا لتطبيق الفكرة وبينها العراق والسعودية على سبيل المثل.
وأوضحت أن وجود هذا الجهاز المتخصص “سيخدم المجتمع كله ولصالح المرأة والطفل خاصة في حالات تسليم الأبناء بالقوة إلى أحد الوالدين، والتي يمكن أن يصاحبها تأثيراً نفسياً سلبياً عليهم، وأيضاً في حالات أحكام النفقة والتي تعاني المرأة في سبيل تنفيذها، وكلها تتطلب تعاملاً أمنياً مختلفاً يراعي الأبعاد الاجتماعية والنفسية للأطفال والأمهات”.
وترحب الدكتور سميحة نصر، أستاذة علم الاجتماع ورئيس قسم بحوث الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بالقاهرة (حكومي)، بالفكرة في مجملها، قبل أن تقول: “من خلال مطالعة تفاصيل المقترح يتبين أنه لن يكون ذا جدوي، لأن من يريد أن يطلق زوجته لا ينتظر تدخل الشرطة ولا غيرها”.
وتضيف “نصر”، لوكالة الأناضول، أن القضايا الخاصة بالأسرة كلها تقام أمام محكمة الأسرة مباشرة ولا تتدخل الشرطة إلا في بلاغات النزاع التى تدور حول تبديد أثاث ومحتويات شقة الزوجية أو نفقة الأطفال وغيرها.
وتشير إلى أن وصول الخلافات الزوجية للمحاكم أو مراكز الشرطة “تعني في الغالب أن الطلاق واقع لا محالة”.
وطالبت “نصر” الجمعيات المعنية بحقوق المرأة ومنظمات المجتمع المدني بالعمل على “توعية الأسر المصرية للحد من المشاكل ومعرفة كيف يتغلبون عليها، قبل الوصول إلى القضاء”.
+ There are no comments
Add yours