مسيرة بوتفليقية في الجزائر من الميلاد إلى الاستقالة

1 min read

أبوبكر أبوالمجد

كتبت نهاية حقبة حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الثلاثاء، وأثمر تحرك الشعب عقب إعلان بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة في 10 فبراير الماضي، وبدء حراكه فعليًا عبر التظاهرات يوم 22 فبراير عن العديد من النتائج، كانت استقالة بوتفليقة أعلاها وأبرزها؛ لكن الثمار كثيرة والكل متفائل لحصد ثمار أخرى تختتم بوضع نهاية للطغمة الحاكمة في بلد المليون ونصف شهيد.

رسالة النهاية

قال الرئيس الجزائري في رسالته الأخبرة للمجلس الدستوري، ونشرت مضمونها وكالة الأنباء الرسمية، إن استقالته من منصبه قبل نهاية ولايته في 28 أبريل، جاءت لتجنب "انزلاقات وخيمة".

وأوضح بوتفليقة: "لقد أقدمت على هذا القرار، حرصًا مني على تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب، و يا للأسف، الوضع الراهن، واجتناب أن تتحول إلى انزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الأشخاص والممتلكات الذي يظل من الاختصاصات الجوهرية للدولة".

وتابع: "قصدي من اتخاذي هذا القرار إيمانًا واحتسابًا، هو الإسهام في تهدئة نفوس مواطنيّ وعقولهم لكي يتأتى لهم الانتقال جماعيًا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحًا مشروعًا".

وألمح بوتفليقة إلى وجود قرارات ستصدر لاحقًا بشأن سير المرحلة الانتقالية بالقول: "لقد اتخذت في هذا المنظور الإجراءات المواتية عملًا بصلاحياتي الدستورية وفق ما تقتضيه ديمومة الدولة وسلامة سير مؤسساتها أثناء الفترة الانتقالية التي ستفضي إلى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية".

وجاء الإعلان عن خطوة بوتفليقة مباشرة بعد بيان لقيادة الجيش، دعاه فيه رئيس الأركان إلى التنحي الفوري استجابة لرغبة الشعب.

بوتفليقة

يتفق خصومه ومؤيدوه على أنه أكثر رجال السياسة حنكة وذكاء عبر تاريخ الجزائر، وحطم عام 2012، لقب أكثر رؤساء البلاد مكوثًا في الحكم، بعد لقب أصغر وزير في الجزائر المستقلة.

وبعد تفكير طويل وتريث عميق، وقبل أن يستسلم أخيرًا لمرض جعل منه رئيسًا يدير شؤون الحكم من فوق كرسي متحرك منذ 6 أعوام، أعلن مساء الثلاثاء، الثاني من إبريل 2019، قراره الحاسم بالاستقالة.

ويقول مراقبون أن الرجل الذي رفض مزاحمة المؤسسة العسكرية له في صلاحياته، لدى وصوله الحكم بعبارة "أرفض أن أكون ثلاثة أرباع رئيس"، تمكن وهو في وضع صحي صعب من استرجاع ثلثه الضائع من النفوذ في الرئاسة.

مولده ومسيرته

ولد بوتفليقة في 2 مارس 1937 بمدينة وجدة المغربية، على الحدود مع الجزائر، والذي يعد من الساسة الجزائريين الذين عايشوا أغلب فترات الحكم منذ استقلال البلاد في 5 يوليو 1962.

ثم التحق بصفوف ثورة التحرير ضد فرنسا في 1956، وسنه لم يتجاوز 19 عامًا، وكلف بجبهة مالي في أقصى الحدود الجنوبية الغربية للجزائر من أجل حشد دعم قبائل الطوارق في الجنوب لاستقلال الجزائر، وتزويد الثورة بالسلاح، وهو ما نجح فيه، وأصبح يطلق عليه تسمية "عبد القادر المالي"، نسبة لدولة مالي المجاورة جنوبًا، والتي كان يقود منها نشاطه.

شغل بوتفليقة منصب وزير الشباب والرياضة في أول حكومة بعد الاستقلال وهو في سن 25 سنة، ثم تولى حقيبة وزارة الخارجية ولم يتجاوز سنه 26 سنة، قبل أن يصبح من أبرز نظام حكم الرئيس الراحل هواري بومدين (1965- 1978) بصفته وزيرًا للخارجية في فترة شهدت بزوغ نجم الجزائر في الساحة الدولية كمدافع عن قضايا التحرر ونظام اقتصادي عالمي جديد ينصف دول العالم الثالث.

تلقى بوتفليقة نكسة سياسية بعد وفاة بومدين في 27 ديسمبر 1978، حيث كان من أهم المرشحين لخلافته (رفقة محمد صالح يحياوي الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم)؛ لكن مؤسسة الجيش وقفت ضد طموحه، ونصبت العقيد شاذلي بن جديد، (القائد المؤقت للجيش حينها) رئيسًا للدولة في 1980.

وشكلت هذه المحطة منعرجًا في حياته السياسية، حيث غادر البلاد في 1980، وتوجه إلى الخليج العربي حيث شغل منصب مستشارًا لحاكم الإمارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وفي نهاية ثمانينات القرن الماضي، حاول بوتفليقة العودة إلى الساحة السياسية من بوابة حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، لكن دخول البلاد في أزمة سياسية وأمنية بعد صدام بين الإسلاميين والجيش جعله يغادر البلاد مطلع التسعينات.

ونقرأ في السيرة الرسمية لبوتفليقة، والمنشورة في الموقع الرسمي للرئاسة أنه رفض "منصب وزير، مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة، وهو هيئة رئاسية انتقالية تم وضعها من 1992 إلى 1994.

كما رفض منصب ممثل دائم للجزائر بالأمم المتحدة، ثم منصب رئيس الدولة في 1994، في إطار آليات المرحلة الانتقالية"، وهي فترة كانت تعيش فيها البلاد فراغا دستوريا بعد اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف، في 1992 بعد أشهر من توليه الحكم.

وأكد سياسيون جزائريون في مذكراتهم أن بوتفليقة المعروف بـ"حنكته السياسية"، رفض تولي الرئاسة التي اقترحتها عليه مؤسسة الجيش بعد "رفض شروط عرضها للحصول على صلاحيات في تسيير الأزمة السياسية".

بينما أوضح العقيد الطاهر الزبيري، قائد الأركان الجزائري السابق (1964- 1967) في مذكراته، أن أحد الأسباب الرئيسية لرفض بوتفليقة رئاسة البلاد في 1994، حسبما رواها له شخصيًا، "اشتراط تعيين وزير الدفاع خالد نزار نائبًا له، وتغول النقابة المركزية للعمال".

وفي 1998، عاد بوتفليقة، كمرشح للسلطة الحاكمة لرئاسة البلاد كخليفة للجنرال اليامين زروال، (1995- 1999) الذي قرر في 1998، تقليص فترته الرئاسية (تنتهي في 2010)، بسبب خلافاته مع قادة الجيش، حسب متابعين.

واعتلى سدة الحكم في أبريل 1999، في انتخابات انسحب منها ستة من منافسيه، واتهموا السلطة الحاكمة "بتزويرها لصالح المرشح عبد العزيز بوتفليقة".

لكن بوتفليقة، رفض تلك الاتهامات وقال إن "انسحاب منافسيه مناورة سياسية فقط لا تستند إلى دلائل ملموسة حول التزوير".وقاوم الرئيس الجزائري، طيلة سنوات حكمه العشرين، عدة هزات سياسية نجح في تخطيها في بلد خرجت لتوها من أزمة أمنية خطيرة خلفت عشرات الآلاف من الضحايا والمشردين والمفقودين.

ونجا بوتفليقة، بأعجوبة من محاولة اغتيال نفذها انتحاري من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، واستهدفت موكبه في السادس من سبتمبر 2007، في باتنة، لكن الانتحاري، الذي اكتشف أمره أحد رجال الشرطة، فجر حزامه قبل وصول الرئيس.

تعرض الرئيس المستقيل، في 27 أبريل 2013، لجلطة دماغية سميت رسميًا "نوبة إقفارية عابرة"، تم نقله على إثرها للعلاج بفرنسا، وهي الوعكة الصحية الثانية التي ألمت به في فترة حكمه، بعد تلك التي أدخلته المستشفى الباريسي في 2005، إثر إصابته بـ "قرحة معدية"، لينجو بأعجوبة من الموت، كما صرح شخصيا.

وبعد عودته للبلاد في يوليو 2013، مارَس بوتفليقة، مهامه في شكل قرارات ورسائل ولقاءات مع كبار المسؤولين في الدولة وضيوف أجانب يبثها التلفزيون الرسمي دون الظهور في نشاط ميداني يتطلب جهدًا بدنيًا بحكم أنه ما زال يتنقل على كرسي متحرك.

قاوم الرجل متاعبه الصحية، رغم أن المرض أنهكه خلال الأعوام الأخيرة، وجعل هذا "السياسي المحنك"، كما يوصف من مؤيديه ومعارضيه، قليل الظهور في الواجهة.

كما صمد الرجل ضد دعوات وحتى احتجاجات من المعارضة تدعوه لترك الحكم بسبب وضعه الصحي الصعب، وترشح في أبريل 2014، لولاية رابعة (مدتها 5 سنوات)، فاز فيها بـ82 بالمائة من أصوات الناخبين، مع طعن بعض منافسيه في الاقتراع بدعوى وجود تزوير.

ورغم الجدل الذي تشهده البلاد منذ تعرضه للوعكة الصحية في 2013، إلا أن الرجل الذي يقول معارضون إنه يعشق العيش في كرسي الحكم، بدا غير عازم على ترك قصر الرئاسة بسبب المرض.

وحتى بعد المظاهرات غير المسبوقة التي شهدتها البلاد في 22 فبراير الماضي، والرافضة لترشحه لولاية خامسة، إلا أن ذلك لم يثن بوتفليقة من المضي قدمًا نحو دخول المعترك الانتخابي.

ويختصر وزير الخارجية الجزائري الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، والذي عمل مع بوتفليقة في فترة السبعينات، سنوات حكم الرجل في جملة واحدة "لا ينكر أحد أن البلاد عرفت في عهده إنجازات في البنى التحتية والمنشآت، لكنها بالمقابل عرفت انهيارًا كبيرًا في الأخلاق والممارسة السياسية"، في إشارة إلى انتشار الفساد المالي والسياسي.

أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك (1995- 2007) فيصف بوتفليقة، في مذكراته التي صدرت في 2011، بأنه "شخص ظريف، وذكي، وواقعي أيضًا، والجزائر نادرًا ما عرفت مسيّرًا متفتحًا، ولديه كل هذه الرغبة من أجل خدمة بلاده مثله".

مشروعاته الأهم

أطلق بوتفليقة، مع وصوله الحكم، أهم مشروعين سياسيين؛ الأول المصالحة الوطنية، لحل أزمة أمنية وسياسية عاشتها البلاد خلال التسعينات، وكان وراء نزول آلاف المسلحين من الجبال، والثاني إعادة البلاد إلى الساحة الدولية، بعد أن كانت شبه محاصرة خلال فترة الأزمة (1992 – 2000).

وردّ الرئيس على انتقادات طالت فترة حكمه في تصريحات في 2012، بالقول: "التاريخ والشعب الجزائري وحدهما سيحكمان على الجهود التي بذلت لعودة السلم الاجتماعي، والنمو الاقتصادي، وعودة الجزائر إلى مكانتها الطبيعية بين الأمم".

وتنتقد المعارضة بشكل مستمر فترة حكم بوتفليقة، وتعتبر أنها "اتسمت بانتشار الفساد والتضييق على الحريات وغموض التوجه الاقتصادي للبلاد".

أما الموالاة فتصفه بـ"المنقذ"، الذي أخرج البلاد من أزمتين أمنية وسياسية بعد وصوله إلى الحكم، كما حمى البلاد من عاصفة ما يسمى "الربيع العربي"، والتي أطاحت بأنظمة حكم في المنطقة العربية ودمرت عدة بلدان حسبها، كما جعل الجزائر دولة محورية في حل أزمات المنطقة بفضل تجربته الدبلوماسية الطويلة.

حيث تمكن بوتفليقة، من وقف الحرب بين إثيوبيا وإرتيريا، خلال رئاسة الجزائر للاتحاد الإفريقي، بعد توقيع البلدين لاتفاقية الجزائر للسلام، في 12 ديسمبر 2000.

كما لعبت الجزائر في عهده، دورًا في توقيع اتفاقية السلام في مالي بين المتمردين الطوارق والحكومة المركزية في 23 مايو 2006.وخلال السنتين الأخيرتين، يقول مراقبون أن بوتفليقة الذي قال مع وصوله للرئاسة في 1999، أنه يرفض أن يكون "ثلاثة أرباع رئيس" بسبب نفوذ المؤسسة العسكرية في الحكم، تمكن من بسط سلطته الكاملة على مؤسسات الحكم بإبعاد أغلب الجنرالات النافذين في البلاد (إما أقيلوا، أو استقالوا، أو أحيلوا على التقاعد، أو وافتهم المنية).

ومنذ 2013، قام الرئيس الجزائري بحملة تغييرات طالت المؤسسة العسكرية، ومؤسسة المخابرات، الواسعة النفوذ بالدرجة الأولى انتهت في 2015، بإبعاد قائدها السابق الفريق محمد مدين، المدعو توفيق، والذي قضى 25 سنة في المنصب، وسُمى "صانع الرؤساء"، لنفوذه الكبير خلال السنوات الماضية، كما تم حل هذا السلك الأمني وإلحاق فروعه بالرئاسة.

وفي يوليو 2018، أقال بوتفليقة عددا كبيرا من قادة الجيش النافذين، بدعم من رئيس الأركان، نائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح، واستطاع تحرير "مؤسسة الرئاسة" من سطوة "الجنرالات النافذين"، كما لم يعد أي رجل قوي في المؤسسة العسكرية بإمكانه الوقوف في وجه الرئيس، حتى وهو على كرسي متحرك وبالكاد يقوى على الكلام.

الخاتمة

وفي الأخير وبعد 20 عامًا من الحكم، أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مساء الثلاثاء، استقالته من منصبه، وجاءت نص رسالته للمجلس الدستوري، كما يلي:

يشرفني أن أنهي رسميًا إلى علمكم أني قررت إنهاء عهدتي بصفتي رئيسًا للجمهورية، وذلك اعتبارًا من تاريخ اليوم، الثلاثاء 26 رجب 1440 هجري، الموافق لـ2 أبريل 2019.إن قصدي من اتخاذي هذا القرار إيمانًا واحتسابًا، هو الإسهام في تهدئة نفوس مواطنيّ وعقولهم لكي يتأتى لهم الانتقال جماعيًا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحًا مشروعًا.

لقد أقدمت على هذا القرار حرصًا مني على تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب، للأسف، الوضع الراهن، واجتنابا (تجنبا) لأن تتحول إلى انزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الأشخاص والممتلكات، والذي يظل من الاختصاصات الجوهرية للدولة.إن قراري هذا يأتي تعبيرا عن إيماني بجزائر عزيزة كريمة تتبوأ منزلتها وتضطلع بكل مسؤولياتها في حظيرة الأمم.

لقد اتخذت، في هذا المنظور، الإجراءات المواتية، عملا بصلاحياتي الدستورية، وفق ما تقتضيه ديمومة الدولة وسلامة سير مؤسساتها أثناء الفترة الانتقالية التي ستفضي إلى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.

يشهد الله جل جلاله على ما صدر مني من مبادرات وأعمال وجهود وتضحيات بذلتها لكي أكون في مستوى الثقة التي حباني بها أبناء وطني وبناته، إذ سعيت ما وسعني السعي من أجل تعزيز دعائم الوحدة الوطنية واستقلال وطننا المفدى وتنميته، وتحقيق المصالحة فيما بيننا ومع هويتنا وتاريخنا.

أتمنى الخير، كل الخير، للشعب الجزائري الأبي.

احتفالات

على الجانب الآخر شهدت العاصمة الجزائرية، مساء الثلاثاء، احتفالات شارك فيها المئات، عقب نشر وكالة الأنباء الرسمية نبأ تقدم بوتفليقة باستقالته إلى المجلس الدستوري.

وجابت مواكب من السيارات أهم شوارع العاصمة، فيما رفع آخرون علم البلاد في أحياء وشوارع مختلفة.وردد المحتفلون شعارات على شاكلة "جيش شعب خاوة خاوة" (إخوة)، فيما هتف آخرون "يا القايد صالح (رئيس الأركان) عمّر الحبّاس (املئ السجون بالمسؤولين الفاسدين)".

كما ردد بعض المشاركين شعارات مطالبة برحيل القيادة العسكرية للبلاد أيضا.ولم يتسن بعد التحقق من خروج محتفلين إلى شوارع المحافظات اخرى.

وجاء الإعلان عن خطوة بوتفليقة مباشرة بعد بيان لقيادة الجيش، دعاه فيه رئيس الأركان إلى التنحي الفوري استجابة لرغبة الشعب.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours