تمتاز مرتفعات الجولان (جنوب غربي سوريا)، المحتلة من قبل إسرائيل منذ عام 1967، بأهمية خاصة بالنسبة للأخيرة، على المستويات الأمنية والجيوسياسية والاستراتيجية، إذ أنها المحافظة السورية الوحيدة التي لها حدود مع ثلاث دول هي، لبنان وإسرائيل (فلسطين قبل 1948) والأردن.
تلك الأهمية دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لاستغلال الاضطرابات السياسية التي تشهدها سوريا منذ 2011، ومهّدت الطريق أمامه (نتنياهو) لمطالبة المجتمع الدولي بـ”الاعتراف بإسرائيلية” المرتفعات السورية.
وقال نتنياهو خلال اجتماع عقدته حكومته في الجولان يوم 17 إبريل/ نيسان الجاري “إننا موجودون اليوم في الجولان، وهذه هي المرة الأولى التي تعقد فيها الحكومة الإسرائيلية جلسة رسمية في تلك المرتفعات، منذ أن دخلت المنطقة تحت الحكم الإسرائيلي قبل 49 عامًا، كان الجولان جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل في العصر القديم، والدليل على ذلك هو عشرات الكنس اليهودية العتيقة التي عثر عليها في المنطقة، إضافة إلى أن الجولان هو جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل في العصر الحديث”، بحسب نص تصريح أرسله مكتب نتنياهو للأناضول.
قوبلت تصريحات نتنياهو، بجملة من الرفض وردود الأفعال العربية والدولية، إلا أنها في الوقت ذاته، سلطت الضوء على الأهمية الجيوستراتيجية للمرتفعات السورية، بالنسبة لإسرائيل التي تحتلها منذ عام 1967.
أكدت كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، عقب تصريحات نتنياهو الأخيرة، أنَّ “الجولان جزء لا يتجزأ من سوريا”. وشدد مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء 26 أبريل/ نيسان، على أنَّ ضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية المحتلة هو “قرارٌ باطلٌ”، وأن المجلس لا يعترف به.
إلى ذلك، التقى نتنياهو، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، بعد خمسة أيام فقط من تصريحاته، وقال حينها إن إسرائيل تبذل ما بوسعها “للحيلولة دون ظهور جبهة إرهابية ضدنا في هضبة الجولان (…) ويمكن أن يتم استهداف قرانا وأطفالنا بواسطة نيران تطلق من تلك المرتفعات”.
وتابع نتنياهو “الجولان ستبقى جزء من إسرائيل، سواء أكان ذلك من خلال اتفاق أو بدونه”، مضيفًا “حان الوقت للمجتمع الدولي أن يعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان”.
أهمية هضبة الجولان بالنسبة لإسرائيل
تتمتع هضبة الجولان بأهمية جيواستراتيجية، لا يمكن لدولة مثل إسرائيل أن تتجاهلها، فالقمم التي تضمها الهضبة، تجعلها تشرف على مساحات شاسعة من السهول المحيطة بها في سوريا ولبنان وإسرائيل (فلسطين قبل 1948) والأردن. كما أن مخزون المياه الجوفية الكبير للجولان، يزيد من أهميتها بالنسبة لإسرائيل، التي تعتمد في تأمين ثلث احتياجاتها من المياه، على نهر الأردن والمياه الجوفية في الجولان.
فضلًا عمّا تمتلكه من أهمية دينية بالنسبة للداخل الإسرائيلي، فاسمها (الجولان – Golan) يرد في النصوص المقدسة اليهودية، ما يجعلها بمثابة منطقة يصعب على إسرائيل التنازل عنها.
الترتيب الزمني للتطورات المتعلقة بهضبة الجولان:
تمكنت إسرائيل عام 1967، من احتلال مرتفعات الجولان، وقطاع غزة، والضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية)، وشبه جزيرة سيناء المصرية، وجزيرتا تيران وصنافير اللتان كانتا وقتها تحت الحماية المصرية، وذلك خلال حرب “الأيام الستة”، التي تعرف أيضًا باسم “نكسة يونيو/ حزيران”.
تشكل مرتفعات الجولان، إحدى المحافظات السورية الـ 14، وتعرف باسم محافظة “القنيطرة”، التي تبعد عن العاصمة السورية دمشق، نحو 60 كيلومترًا، وتضم المحافظة مدينتين، “القنيطرة” وهي مركز المحافظة، تم تدميرها بالكامل على يد القوات الإسرائيلية قبل أن تنسحب منها في حرب أكتوبر/ تشرين عام 1973، و”فيق”، التي لا تزال مدمرة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وفي 1973 شنت سوريا (بمشاركة مصر وعدة دول عربية)، هجومًا عسكريًا ضد إسرائيل، لاسترداد كامل الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، وعرفت تلك الحرب باسم “حرب أكتوبر/ تشرين”، إلا أن تلك المحاولة تكللت بالفشل.
وفي 1974، توصلت مصر وإسرائيل برعاية أممية في جنيف (سويسرا)، لاتفاقية “فك للاشتباك” (18 يناير/ كانون الثاني 1974)، أعقبها في جنيف أيضًا، اتفاقية لـ “فك الاشتباك” على الجبهة السورية، بين سوريا وإسرائيل (31 مايو/ أيار 1974)، بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفيتي (آنذاك) والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي 1981، أعلنت إسرائيل ضم الجولان رسميًا إلى أراضيها من جانب واحد، غير أن المجتمع الدولي لم يعترف بذلك القرار.
وفي 2000، التقى رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود باراك، وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، في “شيبردز تاون” بولاية فيرجينيا الغربية، ما بين 3 و7 ديسمبر/ كانون الأول 2000، في إطار مفاوضات سلام برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، إلا أن تلك المفاوضات حول إعادة المرتفعات إلى سوريا، باءت بالفشل، بسبب رفض إسرئيل التخلي عن الأراضي السورية المحاذية لبحيرة طبريا (أكبر خزان طبيعي للمياه العذبة في المنطقة) ونهر الأردن (نهر الشريعة).
وفي 2008، بدأت مفاوضات سورية إسرائيلية غير مباشرة برعاية تركية، انتهت عقب هجمات إسرئيل على غزة، واستقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، بسبب إدانته بالفساد.
وفي 2009، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه سيتبع سياسة أكثر صرامة حيال مرتفعات الجولان، بالمقابل قال الرئيس السوري، بشار الأسد “ليس هناك طرف نفاوضه بشأن السلام”. ورغم تصريحات باراك أوباما عند توليه منصب الرئاسة، في نفس العام، حول اعتبار “بدء المفاوضات السورية الإسرئيلية مجددًا، من أولويات سياسته الخارجية”، فإن الملف لم يشهد أي تطور.
وفي 2013، امتدت الحرب التي اندلعت في سوريا عام 2012، إلى الجزء الموجود تحت السيادة السورية من هضبة الجولان، حيث ادعت إسرئيل آنذاك سقوط قذائف صاروخية على الجزء الذي تسيطر عليه من المرتفعات، وردت بالمثل على مصادر النيران، كما تبادل الجيشان السوري والإسرائيلي إطلاق النار في مايو/ أيار من العام نفسه.
وفي 17 أبريل/ نيسان الحالي، قال نتنياهو، خلال اجتماع مجلس الوزراء الاسرائيلي الذي عقده في الهضبة، إن “مرتفعات الجولان ستبقى بيد إسرائيل إلى الأبد”، على حد تعبيره.
+ There are no comments
Add yours