محمد تورشين يكشف أسباب التعنت الإثيوبي مع مصر والسودان

1 min read


— سد النهضة أداة سياسية يلعب بها “أحمد” للتغطية على أزمات إثيوبيا


— سيظل إقليما تيغراي وبني شنقول صداعًا في رأس القيادة السياسية الإثيوبية


— يحق للسودان وفق اتفاق 1902 ضم إقليم بني شنقول


— لم يعد لحكومة إثيوبيا سيطرة على إقليم تيغراي وإريتريا تخشى تمدد النزعات الانفصالية


حوار: أبوبكر أبوالمجد

لا يزال سد النهضة البعبع المخيف الذي يؤرق منام المصريين والسودانيين على حد سواء. ورغم كل التطمينات التي يطلقها قادة البلدين إلا أنه ليس من اليسير أن تستقر قلوب المصريين والسودانيين ولا تخفق فزعًا من هذه الممارسات الإثيوبية الأحادية التي لا تكترث بمطالب البلدين.

وبعد تخلي الصينيون والروس والفرنسيون عن البلدين وحقوقهما المشروعة في إجبار إثيوبيا على الدخول في إطار اتفاق قانوني ملزم يحفظ حقوق مصر والسودان المائية ويضمن على التوازي تحقيق إثيوبيا لنهضتها المنشودة فإن المخاوف ستستمر.

وللمزيد من التفاصيل حول ما يجري في إثيوبيا، ولما يصر آبي أحمد، على التعنت مع بلدين جارين وثقا في بلده ومنحوا إثيوبيا اتفاقًا يؤكد حرص البلدين على حق إثيوبيا في التنمية لكن دون الجور على حق دولتا المصب في الحياة سيكون معنا في حوار مطول، د. محمد تورشين.. وهو سوداني.. مواليد مدينة نيالا.. وباحث متخصص في الشؤون الإفريقية بشكل عام والسودانية بشكل خاص، ومدير مركز سودان المستقبل للدراسات الدولية، وباحث متخصص في الشأن الإفريقي بمركز رصد صراعات الساحل الإفريقي بباريس.

وله العديد من الكتابات والمشاركات المصورة في العديد من القنوات والمواقع.

كيف ترى قرار إثيوبيا الأحادي بالملء الثاني دون التنسيق مع دولتي المصب مصر والسودان؟

التطور الذي حدث في قضية سد النهضة وشروع إثيوبيا في الملء الثاني، يعني أن إثيوبيا ضربت بكل المبادرات وجولات التفاوض وحتى الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه في 2015، ضربت بكل ذلك إضافة لجهود ووساطات الاتحاد الافريقي والولايات المتحدة، وصندوق النقد والبنك الدولي، عرض الحائظ.

وتحركت بشكل أحادي دون اتباع لأي قيم أو قواعد أو أعراف دولية متبعة لمثل هذه الحالات المتعلقة بالأنهار العابرة للحدود، ونهر النيل من أهم الأنهار العابرة للحدود، والذي يعبر السودان، وهي دولة كبيرة جدًا إضافة لمصر.

وهذا التصرف الإثيوبي يرقى لمستوى الاستفزاز لكلا البلدين، وهذا ما جعل مصر والسودان يلجآن إلى مجلس الأمن.

وفي رأيي إن قضية سد النهضة هي أداة سياسية للتغطية على العديد من الأزمات في الداخل الإثيوبي.

هل لحرب إقليم تيغراي دور في الإصرار الإثيوبي على الملء الثاني؟

الحكومة الإثيوبية الحالية بقيادة آبي أحمد، رئيس حزب الازدهار، تعاني العديد من الأزمات والمشكلات، من خلال حرب التيغراي، وجبهة تحرير تيغراي، ونجاحها في استعادة عاصمة الاقليم، وأسر الجبهة للآلاف من الجنود الإثيوبيين، على عكس التصريحات التي كان يطلقها أحمد، وأن الانتصار على الجبهة يلزم فقط ثلاثة أسابيع!

هذا بالإضافة إلى إقليم بني شنقول، وهناك جبهة قوية رافضة لبناء سد النهضة، وهناك جبهة تحرير بني شنقول التي تتبنى المطالب التاريخية لأبناء بني شنقول.

وهناك اتفاقية 1902 التي تعترف بأن أراضي بني شنقول أراض سودانية، وآبي أحمد والعديد من قادة إثيوبيا يرفضون الاعتراف بهذه الاتفاقية!

إثيوبيا تعلم تمامًا أن اتفاقية 1902 تمنح السودان الحق في ضم إقليم بني شنقول حال قامت إثيوبيا بتصرف أحادي على النيل الازرق يهدد أمن السودان المائي أو القومي.

ونتيجة للفيدرالية الإثنية التي تم الاتفاق عليها 1994، وسوء الإدارة في إثيوبيا، ثمة أزمات في العديد من الأقاليم الإثيوبية الأخرى، ومنها إقليم أوجادين.

ولذا فإن آبي أحمد، وجد في تعنته في المفاوضات على الأمور الفنية المتعلقة بملء سد النهضة وسيلة سحرية لتجاوز هذه الأزمات ولو مؤقتًا، وتوحيد الجماهير الإثيوبية حوله، باعتبار أن سد النهضة هو منقذ اثيوبيا مما تعانيه من فقر وسوء الأحوال المعيشية والخدمية.

ما حقيقة ما جرى في تيغراي وما قصته؟

فيما يتعلق بأزمة تيغراي.. فهو إقليم مجاور لإريتريا والسودان. وقومية التيغراي هي من القوميات الكبيرة في إثيوبيا، وعدد سكانها يتجاوز السبع ملايين نسمة، ومعظمهم يتواجدون في الإقليم والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ولديهم امتدادات في إريتريا.

حقيقة الأزمة تنبع من التنافس الشرس بين التيغراي وحزب الازدهار على السلطة، والذي استطاع آبي أحمد، من خلاله إثناء التيغراي عن السلطة، والتي كان التيغراويين وبعض حلفائهم السياسيين يستولون عليها منذ العام 1991، وحتى وفاة زعيم جبهة التيغراي، ميلس زيناوي، 2013، وبعد ذلك تولى مقاليد الأمور، هايلي مريام ديسالين، وهو من الأقليات الجنوبية لكنه استطاع الوصول للسلطة عبر تحالف لم يدم طويلًا مع التيغرايين، وانهار مطلع 2018، بعد اتهامات للحكومة بالفساد وتراجع المشروعات التنموية، ومن ثم تم إسقاط ديسالين، وجاء آبي أحمد.

وهذه النتيجة التي جاءت بآبي أحمد، صدمت قومية التيغراي، والتي اتهمت “الأمهرا” (القومية الثانية من ناحية عدد السكان في إثيوبيا؛ لكنها الأكثر سيطرة في كل قطاعات الدولة الاقتصادية والسياسية والجيش وغيرها) بالوقوف خلف هذا الإسقاط للحكومة، والمجئ بأحمد كي لا يكون للتيغراويين أي دور في قيادة الدولة أو على الأقل تقليص دورها إلى أدنى حد ممكن.

من ثم استعد التيغراويون إلى الانتخابات النيابية والتي كان موعدها في أغسطس 2020؛ لكن الحكومة أجلتها بدعوى عدم القدرة على توفير الاستعدادات اللوجوستية، بسبب جائحة كورونا.

لكن جبهة تحرير التيغراي أدت انتخابات بشكل منفرد، وتم رفض نتائج هذه الانتخابات رفضًا قاطعًا، واعتبر أحمد أن التيغراي تمردوا على سيادة الدولة والقانون، والشرعية الدستورية، ووفقًا لهذه المجريات تم شحن الجهات الداخلية لمواجهة إقليم تيغراي، وكل هذا يأتي في ظل صراع شرس على السلطة للسيطرة على إثيوبيا.

وقبل مواجهة جبهة تحرير تيغراي، استطاع آبي أحمد أن يتخلص من أشد منافسيه وهو جوهر محمد، من قومية الأورومو، وهي القومية الأكبر من ناحية عدد السكان وهم مسلمون، حتى أن العاصمة الإثيوبية أديس أبابا تقع في إقليم الأورومو، لكن دستوريًا بحكم أنها العاصمة تعتبر إقليم قائم بذاته.

بعد التخلص من جوهر، بات الطريق مفتوحًا للانقضاض على التيغراويين، واستمرت الحرب التي قال آبي أحمد، أنه سينهيها في أيام أو أسابيع إلى شهور حتى انسحبت قوات الحكومة وأوقفت إطلاق النار من جانبها بعد أسر الآلاف من قوات الجيش الإثيوبي، وثمة اتهامات للقوات الحكومية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في الإقليم، وفي المقابل اتهامات أخرى لجبهة تحرير التيغراي باستخدام المدنيين كدروع بشرية!

وفي ظل عدم وجود إعلام حر ومستقل يصعب تحديد من المنتصر ومن الخاسر في هذه الحرب، ومن الذي ارتكب الجرائم ومن لم يرتكب؛ لكن كل المؤشرات تؤكد أن الطرفين قاما بارتكاب جرائم، فالحكومة استخدمت سياسة التجويع وقطع الكهرباء، والانترنت، وغيرها من الأشياء، والتيغراي ثمة اتهامات لها بارتكاب جرائم أيضًا ضد مدنيين.

لكن يجب التأكيد أن وقف إطلاق النار الذي أعلنه آبي أحمد، وأسماه بالهدنة، ليس إلا ضحك على الذقون، لأن الهدنة تطلق من أرض المعركة ويعلنها الجانب المنتصر؛ لكن الحكومة في تيغراي هزمت هزيمة نكراء ما يجعل هذا التصريح لأحمد هو لحفظ ماء الوجه فقط وليس له أي قيمة على الأرض.

فالجبهة سيطرت وعرضت بعض الأسرى، ويقال أن الجبهة تلقت شحنة من السلاح من الولايات المتحدة الأمريكية.

لماذا دعمت إريتريا آبي أحمد في حربه ضد جبهة تحرير تيغراي؟

التدخل الإريتري جاء خوفًا من تمدد قوة جبهة تحرير تيغراي، ما يزيد من نزعات الانفصال لدى التيغرايين، الأمر الذي سيؤثر على استقرار إريتريا باعتبارها تضم عدد كبير من التيغراويين على أراضيها.

ما هي الأسباب التي جعلت إثيوبيا تتعنت في مفاوضاتها مع مصر والسودان؟

إثيوبيا ظلت تتحدى الإرادة المصرية والإثيوبية لعدة اعتبارات، أولها أنه لا يوجد نصوص واضحة لمشكلات الأنهر العابرة للحدود، وحل حاسم لها، فجميعها تعتمد في المجمل على اتفاق دول المنبع والمصب بما لا يضر أي منهم للآخر.

ثانيا انشغال المجتمع الدولي بقضايا أخرى تشكل أهمية أكبر للأسرة الدولية.

ثالثا إثيوبيا تدرك أن الملء الثاني سيجعل من سد النهضة قنبلة مائية وسيجبر كلا البلدين على حماية السد أكثر من إثيوبيا، وباعتبار السودان سيكون المتضرر الأكبر، فهذا يجعل السودان أكثر حرصًا على بقاء السد.

هل جل ما تريده إثيوبيا من سد النهضة هو تخزين المياه وإنتاج الكهرباء أم لها نوايا أخرى؟

على المستوى الفني وبحسب دراسات منشورة ومعلنة فإن ثمة أخطار فنية معتبرة تهدد بقاء السد، وإثيوبيا تصر على تخزين أكثر من 74 مليار متر مكعب لإنتاج 6 آلاف ميجاوات، يمكن أن تنتج بأقل من كل هذه المليارات المخزنة؛ لكن إثيوبيا واضح أنها لا تريد فقط إنتاج طاقة كهربية أو التنمية فقط، وإنما سلعنة المياه واستخدامها كسلاح لتحقيق انتصارات سياسية ودبلوماسية وتوفير مورد اقتصادي جديد للاقتصاد الإثيوبي المتهالك.

ما تقييمك للموقف الصيني في هذا الملف؟

الموقف الصيني ملتبس، ومثلها كالفرنسي التي هي صديقة لمصر، فالصين لديها استثمارات ضخمة في إثيوبيا، فهي تريد أن تستفيد من 130 مليون نسمة، ولذا فالصين ترى إثيوبيا شريك هام وقوي وإستراتيجي، ومصالحها في إثيوبيا أكثر وأكبر منها في مصر.

وبالرغم من مصالح الصين في السودان أيضًا وهي كبيرة جدًا؛ لكنها لم تكترث لا بمصر ولا السودان ولا بمطالبهما.

وبعد الملء الثاني فإن الأمر صار أكثر تعقيدًا، فكل أصدقاء العرب من الروس والفرنسيين والصينيين تخلوا أو لم يهتموا كثيرًا بمخاوف مصر والسودان، وبعد الملء الثاني فإن سد النهضة بات يحمي نفسه، وسيظل بعبعًا مخيفًا، ولن تتوقف إثيوبيا عند سد النهضة بل ستبني العشرات من السدود لتحول المياه إلى سلعة وتتحصل منها على أكبر فائدة ممكنة.

تقييمك لإدارة مصر والسودان لهذا الملف؟

أعيب على الدبلوماسية المصرية والسودانية الفشل الذريع في إدارة هذا الملف؛ على الرغم من خبراتهما العريضة في مواجهة مثل هذه الملفات وغيرها من الملفات الشائكة.

وأنا استغرب من الاتفاق الإطاري وتوقيع البلدين عليه والذي أعطى إثيوبيا شيكًا على بياض لتفعل ما تشاء، فالاتفاق الإطاري به العديد من الثغرات التي تقبل التأويل والقسمة على أكثر من اثنين، ولم يحدد الاتفاق الإطاري ما هو الإجراء القانوني الذي يمكن أن تنتهجه مصر والسودان حال مارست إثيوبيا أي إجراء فردي.

حتى بعد تصعيد البلدين وانعقاد مجلس الأمن لمناقشة القضية جاء في إطار الفصل السادس، وهو لن يقدم شيئًا للبلدين سوى حث الأطراف على استمرار التفاوض، وهذه المفاوضات لم تأت بجديد على مدى عقد من الزمان.

لكن الآن كل الخيارات الدبلوماسية استنفذت أو في طريقها للنفاذ وربما يكون هناك خيارات أخرى في قابل الأيام.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours