مدبولي عتمان كاتب صحفي مصري
" يا ساتر.. الناس أصبحت تتكلم على الفاضي والمليان.. الواحد مش عارف يصدق مين أو يكذب مين".
قال هذه العبارة المعبرة جدًا عن واقعنا أحد الأصدقاء وهو يطلق زفرات الغضب ويصفق بيديه، وعندما سألته عن سبب خروجه عن وقاره وهو المعروف بيننا بهدوئه واتزانه قال: تشاهد الفضائيات أو تستمع للإذاعة أو تقرأ الصحف أو تحضر ندوة أو تجلس على مقهى وتستمع لحوار روادها، تجد نفس الكلام السطحي والفارغ من المضمون والمكرر على مدى عشرات السنين.
فالغالبية العظمي منا أصبحوا بقدرة قادر فلاسفة زمانهم يفهمون في كل شئ سواء كان موجودًا في الفضاء أو في أعماق الأرض أو على سطح المعمورة. وافقته على رأيه، وأضفت بأن الأغرب أن بعض المتحذلقين يدعى معرفته بأدق الأسرار، ويزعم بقربه من دوائر صنع القرار.
ويبدو أن غالبيتنا لا يعرف فضيلة وخلق الصمت، ولم يسمعو بحديث رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم والذي يقول فيه: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ".
ولم تصل إليهم مقولة الإمام على ابن أبي طالب رضي الله عنه: "إذا تم العقل نقص الكلام، وبكثرة الصَّمْت تكون الهيبة".
ولم يسمعوا عن وصف وهب ابن الورد لأهمية الصمت بقوله: "بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء تسع منها بالصمت".
وأدعو أهل "الثرثرة" أن يتوقفوا لو لدقائق ليتعرفوا على فوائد الصمت وهي كثيرة جدا. يقول الدكتور أحمد هارون، مستشار العلاج النفسى أن الصمت سترا للعيوب، وعبادة دون أى عناء، يكفى أنك لم تنطق بما تأثم عليه، ويعطيك الهيبة بين الناس، حتى وإن لم تكن ذا سلطان أو ذا منصب، إضافة إلى أنه يريحك من لوم الآخرين فأنت لم تتكلم حتى تخطيء، وبذلك فهو يغنى عن الاعتذار، ويعطيك قبولا بين الآخرين، وتنجى به من الوسواس".
الكثيرون يعلمون أن الصمت يعني السكوت عن الكلام، أما الوجة الآخر للصمت فيتمثل في اللجوء إلى بيئة صامتة للتأمل ولو لبضع ساعات في الأسبوع وأصبح ذلك ضروة في عصرنا الحاضر الملئ بالصراخ والضجيج على مدار الساعة.
وجاء في موقع (سايكولوجي توداي) أن الصمت يساهم في تحفيز نمو الدماغ، وأن دراسة صادرة في عام 2013 تتعلّق ببنية الدماغ ووظائفه، أظهرت أن الصمت لمدة ساعتين على الأقل يمكن أن يؤدي إلى نمو خلايا جديدة في أدمغتنا ذات الصلة بالتعلم والتذكر.
وكشف الباحث جوزيف موران في دراسة أخرى أن المخ يعمل بوضوح أثناء فترات الصمت والتأمل في الذات، فالمخ يكون حرًا لاستكشاف مكانه ضمن عالمك الداخلي والخارجي مما يساعد على التفكير في الأمور العميقة بطريقة أبداعية.
وندعو إلى الصمت المحمود بمعنى السكوت عن الكلام والتوقف عن الثرثرة واللغو، وبمعنى الخلو إلى النفس للتفكر والتأمل.
وهناك صمت مرفوض وهو السكوت عن قول الحق وإنكار المنكر؛ لأن في ذلك خطورة على الفرد والمجتمع بأسره، فقد قال رسولنا الكريم محمد ﷺ في حديث صحيح: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه".
ونرفض أيضا اعتزال المجتمع والناس نهائيا بدعوى التأمل والتفكر فلم يأت بعد "زمن وليسعك بيتك".
Aboalaa_n@yahoo.com
+ There are no comments
Add yours