أبوبكر أبوالمجد
عرَّف تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2015، العنف الجنسي المرتبط بالصراعات؛ بأنّه «أيّ فعلٍ جنسي يرتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة (موقتة، جغرافية أو سببية) في أيّ صراع».
ويتخذ العنف الجنسي المرتبط بالصراع بحق الذكور صورًا مزعجة عدّة، وغالبًا ما يختلف كثيرًا عن العنف الجنسي المتربط بالنزاع الذي تعانيه النساء والفتيات.
وفقًا لدوستين أ. لويس، قد يُجبر الرجال والفتيان على ارتكاب العنف الجنسي بحق الآخرين، بمن فيهم الموتى وأفراد العائلة، أو يُجبرون على مشاهدة الجرائم الجنسية المرتكبة ضدّ الآخرين.Dustin A. Lewis, “Unrecognised Victoms: Sexual Violence against Men in Conflict Settings Under International Law”, Wisconsin International Law Journal, vol. 27, no 1, (2009), pp. 1-49
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فيما يتعلق بضحايا اغتصاب الذكور، فإنّ الإحصائيات الرسمية تفتقر إلى حدٍّ كبير من العدد الحقيقي للناجين لأسباب مختلفة منها ما هو اجتماعي وما يتعلق بعدم الإبلاغ ونقص التحريات.World Health Organisation, World Report on Violence and Health, Geneva, 2002, p. 154
داعش والنظام السوري
عندما اجتاح تنظيم “داعش” شمال العراق وأجزاء من سوريا في عام 2014، ترنّح العالم على وقع صدمة قصص الاسترقاق الجنسي للنساء الإزيديات، وعلى الرغم من اتحاد العالم في إدانة اغتصاب الفتيات الإزيديات من قبل عناصر داعش، إلّا أنّ ضحايا العنف الجنسي، المرتبط بالنزاع الذي ارتكبه النظام السوري وحلفاؤه، قوبلوا بحماسٍ أقل.
وفي الفترة قبل إبريل 2018، سجّلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حجم العنف الجنسي المرتبط بالصراع في سوريا بتفاصيل مروعة، وأصبح من الواضح وبصورة مثيرة للقلق أنّ النظام والجماعات المسلحة المعارضة تستخدم بصورة اعتيادية الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي ضدّ الرجال والفتيان عنصرًا أساسًا في استراتيجياتهم العسكرية والاجتماعية.
أحدث تقرير
ومؤخرًا كشف تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن استخدام 6 دول عربية لـ”العنف الجنسي”، كأداة حرب في الصراعات المسلحة.
وجاء ذلك في تقرير يناقشه مجلس الأمن الدولي، في جلسة علنية، بحضور غوتيريش ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس، والمحامية الدولية أمل كلوني، ونادية مراد الفتاة اليزيدية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، فضلا عن ممثلي الدول الأعضاء بالجمعية العامة.
ويغطي التقرير الفترة من يناير 2018 إلى ديسمبر من العام نفسه.وبحسب التقرير، فإن الدول العربية المذكورة من بين 19 دولة حول العالم، هي العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان والصومال.
وأوضح التقرير أن مصطلح “العنف الجنسي المتصل بالنزاعات” يحيل إلى الاغتصاب، والاسترقاق الجنسي، والبغاء القسري، والحمل القسري، والإجهاض القسري، والتعقيم القسري، والزواج بالإكراه، وسائر أشكال العنف الجنسي ذات الخطورة المماثلة، ولها صلة مباشرة أو غير مباشرة بنزاع من النزاعات.
ففي العراق، وثق التقرير “اختفاء 4 آلاف و271 امرأه من اليزيديين، ولا يشمل هذا العدد المفقودات من النساء والفتيات من الجماعات العرقية الأخرى اللواتي استهدفهن تنظيم داعش الإرهابي، بمن فيهن النساء والفتيات من التركمان والشيعة”.
وفي سوريا، اعتبر غوتيريش أن “استخدام العنف الجنسي أثناء اعتقال النساء أو الفتيات وفي نقاط التفتيش، أصبح أمرًا اعتياديًا”.
وقال إن “الأمم المتحدة تلقت تقارير عن أعمال عنف جنسي ارتكبتها القوات الحكومية (النظام) والميليشيات المتحالفة معها ضد كل من النساء والرجال أثناء الاعتقال والاحتجاز، وعند نقاط التفتيش”.
وفي ليبيا، وثق التقرير شهادات قدمتها نساء وفتيات مهاجرات كن ضحايا أو شهودا على اعتداءات جنسية مارسها مهربون ومتاجرون وأفراد من الجماعات المسلحة، وغيرهم.
وفي اليمن، تحدث التقرير عن “تزايد حالات الإبلاغ عن حدوث عنف جنسي، وخصوصا خلال الربع الأخير من 2018″، مشيرا أن “التقارير تشمل حالات اعتداء بدني أو جنسي واغتصاب واسترقاق جنسي ارتكبها في بعض الحالات أطراف النزاع”.
ورصد التقرير “472 حالة عنف جنسي في عام 2018، منها 341 حالة انطوت على ممارسة عنف جنسي ضد لاجئين وطالبي لجوء، و131 حالة، شملت 131طفلا (80 فتى و51 فتاة).
وفي السودان، ذكر التقرير أن العملية المختلطة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد)، وثقت 122 حادثة عنف جنسي شملت 199 ضحية، منهن 85 امرأة و105 فتيات و9 فتيان، في وسط وجنوب وشمال وغرب دارفور.
وفي الصومال، قال غوتيريش إن “أنماط العنف الجنسي السائدة تشمل حوادث اختطاف النساء والفتيات لأغراض الزواج القسري والاغتصاب من قبل الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة”.
كما تشمل أيضا “حوادث الاغتصاب الجماعي التي يرتكبها موظفو الدولة والمليشيات المرتبطة بالعشائر، ورجال مسلحون مجهولو الهوية”.
ووثق التقرير “اختطاف 34 فتاة لأغراض الزواج القسري والاغتصاب، فضلا عن اغتصاب 20 امرأة و250 فتاة وصبي واحد”. ونسبت هذه الحالات إلى عناصر مسلحة مجهولة (83)، وإلى حركة “الشباب” (34)/ وميليشيات عشائرية (33)، فضلا عن قوات إقليمية تابعة للدولة (52).
ولم يصدر أي تعقيب فوري حيال ما ورد بتقرير غوتيريش من قبل البلدان المذكورة.
مجلس الأمن
واعتمد مجلس الأمن الدولي، أمس الإثنين، القرار 2467 بتأييد 13 عضوا وامتناع روسيا والصين عن التصويت.
وكرر المجلس، في قراره، مطالبة جميع الأطراف في النزاعات المسلحة بالوقف التام الفوري لكافة أعمال العنف الجنسي، والدعوة لتعهد تلك الأطراف بالتزامات محددة وموقوتة لمكافحة العنف الجنسي وتنفيذها.
وتحدث أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن التقدم المحرز للتصدي لتلك الجرائم، ومنها تلقي قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام تدريبات متواصلة لمنع العنف الجنسي أثناء الصراع والاستجابة له، وتعزيز القدرة على التحقيق في العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس.ولكنه قال إن الواقع على الأرض لم يتغير على الرغم من كل تلك الجهود، إذ ما زال العنف الجنسي سمة مروعة للصراعات بأنحاء العالم.
+ There are no comments
Add yours