بعد الاحتجاجات الشعبية التي عكرت أجواء المملكة الأردنية الهاشمية عامي 2011 و 2012، والتي طالبت بإجراء تعديلات على دستور البلاد، وقوانين الانتخابات البرلمانية، سعت الحكومة من حينها لامتصاص هذا الغضب الشعبي ورفعت شعار ما يعرف بالإصلاح عبر خارطة طريق.
وقبل ثلاثة أشهر تم إجراء انتخابات برلمانية بعد تغييرات قانونية تسمح للبرلمان بآداء دور أكثر فاعلية في مسيرة العمل السياسي والرقابي داخل المملكة، وسمح للمرشحين بالإعلان عن أنفسهم عبر صور ملأت الشوارع، ووصف مسؤولون بالمملكة الذين لم يشاركوا في هذه الانتخابات بأعداء الديمقراطية.
ولكن وبعد مرور شهر على النداء لحياة ديمقراطية بالأردن، مازال الجو العام للشعب الأردني يعمّه الإحباط بسبب سياسات الحكومة؛ حيث يعتقد العديد من المحللين الغربيين أن الشعب الأردني لا يشعر بالرضا التام عن العملية الانتخابية؛ لاعتقادهم بأنها مازالت انتخابات انحيازية، ولم تخضع للشعب حتى الآن، وبالطبع أكد المراقبون الدوليون الذين أشرفوا على العملة الانتخابية، على نزاهة أصوات 1.5 مليون مواطن أدلوا بأصواتهم في 20 من شهر سبتمبر، متخطية بذلك نسبة المشاركة في الانتخابات لعام 2003، بينما شاركت أعداد مهولة من النشطاء والشباب في الإشراف على العملية الانتخابية بأنفسهم.
ولكن، انتقد العديد من المحللين السياسيين العملية الانتخابية التي مازالت تعاني من العديد من المحاولات التخربيبية؛ للإضرار بالمسيرة الانتخابية، فمثلاً لا يحتكم البرلمان الأردني سوى على صلاحيات قليلة للغاية، حيث تعمل قوانين العملية الانتخابية على التمييز بين المشاحنات بين الأفراد والأحزاب السياسية، بينما ماتزال الدوائر الممثلة في البرلمان تستغل المناطق الريفية، معتقدًا بأنها معاقل الولاء للحكومة الحصينة.
يستطيع العلماء السياسيين كتابة آلاف الكتب عن كيفية إصلاح الانتخابات الأردنية، ولكنهم دائمًا ما سيفتقدون التماس المشكلة الأساسية الواقعية؛ فعادة ما تقام الانتخابات العامة كل بضعة أعوام، ولكن تكمن المشكلة الحقيقية في تحديد نظام سياسي محدد يمثل اعتبار عملية التصويت كدليل قاطع على المشاركة الديمقراطية، ولكن ما يحدث في الواقع هو عكس ذلك؛ فدائمًا ما تجد أن هناك أيادٍ خفية – لم تُنتخب من الشعب – تفرض سياسيات مثيرة للجدل دون استشارة الشعب أو الرجوع إليه، كما لو أن الانتخابات لم تحدث من الأساس، وهو ما يخلق الانقسام بين المواطنين وزعمائهم.
غرفة قدامى المحاربين
شهد الشهر الماضي، حدوث ثلاث قضايا عامة شائكة تم الاتفاق عليها خلف الكواليس السياسية؛ بدأ من الخلط السياسي، واتفاقية الغاز مع إسرائيل، وتغييرات في المناهج التعليمية.
وبعد انتهاء الانتخابات البرلمانية في شهر سبتمبر، أعاد “الملك عبد الله” تعيين “هاني الملقي” رئيس وزراء الحكومة الأردنية، ثم تبعها تأجيل أولى جلسات البرلمان حتى شهر نوفمبر، وعادةً ما يعين رئيس الوزراء من قبل القصر الملكي، ولكن اندهش الجميع من هذه الخطوة التي اتخذها الملك عبد الله، خاصةً بعد أن عين “المولقي” في شهر مايو الماضي، كرئيس وزراء مؤقت، فتوقع الجميع أن لا يُعاد اختياره هذه المرة كرئيسًا للوزراء.
ولم يكتفِ بذلك فقط، وإنما تنافى عودة العديد من الوجوه القديمة في الحكومة مع وعود المسئولين بالتغيير، مثل فيصل الفايز رئيس مجلس الشيوخ، والذي تنبأ باختيار أعضاء الحكومة الجديدة من داخل الأحزاب السياسية وتحالفاتها إحقاقًا لاستكمال خارطة الطريق الديمقراطية، بينما زادت حصانة القصر الملكي وفقًا للتعديلات الدستورية الجديدة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد أيضًا، وإنما عين قائدًا جديدًا للقوات المسلحة، وتم تنفيذ تعليمات بإعادة هيكلة الشرطة الأردنية وعملياتها الاستخباراتية في جميع أنحاء البلاد.
وبالطبع كان الشعب الأردني آخر مَن يعلم بكل هذه الاختراقات الأمنية والقانونية، والتي تسببت في العديد من الهجمات الإرهابية وتهريب الأسلحة داخل بلادهم.
اتفاقية الغاز
تحقق الشعب الأردني من صحة مخاوفه، من عدم سيطرته على القرارات المؤثرة في حياته، بعدما وقعت الحكومة الأردنية على اتفاقية الغاز مع إسرائيل، بعد الانتخابات مباشرة؛ فانتقد الشعب الأردني هذه الاتفاقية التي تمت في طيات الظلام حتى بعيدًا عن أعين الإعلام، وإذا ما تخطينا مبدأ رفض الشعب لها، وفقًا لكراهية الشعب لإسرائيل، فقد تعجب العديد من النقاد الأردنيين من عدم احتواء هذه الاتفاقية على أي موارد طاقة أخرى مثل الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة.
ولكن بالطبع يرجع هذا القرار إلى استيراد الطاقة من إسرائيل أرخص بكثير من أي اختيار آخر، أو لربما تنطوي هذه الاتفاقية على مكاسب سياسية كبيرة أو فوائد استراتيجية أخرى، فالحكومة عادةً ما تطبق سياسة عدم مشاركة الشعب في فرض السياسات أو بعدها، فقد قارن العديد من الكتّاب هذه الأزمة بأزمة اتفاقية السلام في العام 1994 مع إسرائيل، فكانت مبادرة أخرى لم تقابل أي تأييد شعبي واسع، وبالطبع طبقت مثل غيرها دون اللجوء لاستشارة الشعب.
المعلمون يحرقون الكتب
شعر معظم الأردنيين بكونهم في مقعد المشاهدين أثناء النزاعات العاصفة الدائرة حول محاولات إصلاح الحكومة للتعليم؛ ففي شهر سبتمبر الماضي، طبقت العديد من التغيرات التعليمية عن طريق كتب دراسية ومناهج علمية جديدة كجزء من سياساتها المعادية للتطرف بجميع أنواعه، والتي قوبلت بعد ارتياح شديد سواء من قبل المعلمين أو أولياء الأمور الذين اعترضوا على الرسومات والكتابات، التي احتوت عليها الكتب الدراسية الجديدة لإساءتها لمكانة التراث الإسلامي الأردني، حيث بدت كمحاولات للتمثل بالتراث الغربي.
وفي مظاهرات لرفض هذه التغيرات، حرقت هذه الكتب لإجبار المسئولين على إحداث تغييرات لا تخترق تراثهم الإسلامي وعاداتهم وتقاليدهم، وعدم الرضوخ للتأثرات الخارجية، بينما أضرب العديد من المعلمين في الوزارة للتعبير عن استيائهم من هذه التغيرات.
من المحتمل أن تكون الإصلاحات التعليمية سليمة لدرجة ما؛ فهي محاولات لتغيير فشل المناهج التي عفا عليها الزمن، والتي فشلت في تعليم طلابها التفكير السليم ورضوخها للمحاولات المتطرفة من قبل الدولة الإسلامية ضد الغرب، فقد أثبتت عملية الاغتيال المفجعة للصحفي “ناهض حتر” حاجة الأردن لتعلم المزيد من التسامح ونشر التعددية بين الشعب الأردن.
وكانت الملكة رانيا أحد أكبر الداعين لتحديث نظم التعليم المتآكلة، ولكن تكمن المشكلة هنا – مثلها مثل السياسات الحكومية الأخرى – في افتقار الحكومة للآليات المناسبة وتعاون المشاركين في عمليات التغيير، وهم في هذه الحالة المعلمين والآباء والطلاب.
فها قد انفجرت الخلافات المتراكمة بعد الانتخابات، والتي كان من المفترض أن تثبت بداية تحقيق خارطة الطريق الديمقراطية؛ بسبب تصرفات الحكومة وتطبيقها لسياسات دون الرجوع لشعبها واستشارته في أمور حياته من مكائد سياسية مبهمة، وتوريد الغاز لإسرائيل، وتغيير مناهج المدارس.
فليس من العجيب أن يظل الشعب الأردني ساخرًا ومحبطًا عن أي وقت مضى فيما يخص موقفهم السياسي، حتى انعقاد أولى جلسات البرلمان الجديد؛ فالكرة الآن تقع في ملعب الحكومة والبرلمان لتغيير الموقف الراهن سواء للأفضل أم للأسوأ.
+ There are no comments
Add yours