مادلين قصاب.. سورية تدعو من السويد لتخطي الحواجز

1 min read

حوار- أبوبكر أبوالمجد

رغم أنها عربية المنشأ؛ لكن سيجذبك للوهلة الأولى جمالها الأوربي الملفت؛ وبمجرد الشروع في حوار معها، ستنسى جمال المظهر لتغرق في تفاصيل الجوهر.

شابة ليست متفردة في جمالها، فالسوريات عرفن كما اللبنانيات بجمالهن الفريد؛ لكن سر تفردها في حسن اختيارها للعبارة النابع من شغفها بالموسيقى والقراءة، ومشروعها في خلق إنسان سوي، عبر وسائل إعلام مسؤولة، تنقل الحقيقة لكن دون استنفار لبهيمية الإنسان السابحة في دمائه.

تفتش “قصاب” في هذه الدنيا عن الحقيقة بأدوات بسيطة صقلتها التجربة وطريق الألم الممتد من سوريا حيث ولدت، إلى السويد حيث تقيم.

ألم صاحبته سعادات صنعت إرادة مادلين قصاب، عبر هواياتها المتعددة ونظرتها البريئة للأشياء والأحداث، والتي انطبعت على ملامحها بما لا تخطئها نظرة ناظر، ومن السويد دعت “قصاب” لتخطي حواجز الجهل والكراهية والطائفية كي يتحرر الإنسان العربي قبل أن تنهض أو تتحرر أراضيه من المحتل.

من هي مادلين قصاب؟

— هي الباحثة في جامعة لوند السويدية، بمركز دراسات الشرق الأوسط، والحاصلة على دكتوراه الإعلام و الاتصال، ونائب رئيس الشبكة العربية للإعلام، ومسؤولة العلاقات العامة في منظمة الصداقة الدولية، وممثلة أكاديمية السلام في مملكة السويد، وعضو بأكثر من هيئة وجمعية علمية عالمية، ومديرة لفرقة موسيقية وكاتبة و ملحنة، وسفيرة للسلام و الإنسانية و الإبداع.

وتضيف “قصاب”، أن هذه مجالات عملها ونشاطها وليس هي، موضحة أن النفس البشرية أعمق بكثير من أن تختزلها عناوين ومناصب ودراسات.

أفضل اللحظات في حياتك و أسوأها؟

كل لحظة هي الأفضل في وقتها فاللحظات لا تتكرر، والحالات لا تتكرر، ولو بدت متشابهة ظاهريًا. 

قيمة كل شيء مرتبطة بطريقة تذوقنا وإدراكنا له.. مثلا: نحن نأكل يوميًا و لذلك بالنسبة للكثيرين هذا أمر عادي وغير مميز؛ لكن لو تأملنا قليلًا سنرى أن الطعام سيكون نحن عندما يصبح جزءًا من أجسادنا، وبعد ذلك سيكون مؤثرًا حقيقيًا على مستوانا الجسدي والعقلي والنفسي وبهذه الحالة سنفهم أن تناول الطعام ليس أمرًا عاديًا و إنما صلاة حقيقية.. متعة عميقة.. لحظة تحول موجودات خارجة عن أجسادنا إلى ذرات في داخلنا، وأنا أتعامل مع كل لحظات حياتي بهذه الطريقة، لذا كل لحظة هي الأفضل حتى لو كانت مليئة بالمعاناة، فكل ما نمر به ليس سوى دروسًا و محطات ترتقي فيها مستويات وعينا ومحبتنا وإنسانيتنا.

لكن أستطيع القول أيضًا أن رضا أمي هو السعادة كلها بالنسبة لي،  لذا أنا حقا أتنفس جمال الحالات بكل لحظة، تخيل أن من تكون تحت قدميها الجنان راضية عنك طوال الوقت، هل من جنة أروع؟

كيف تخطت مادلين محنتها الوطنية؟ 

الجواب يتوقف على ما تعنيه بالتخطي. الأزمة في سوريا مازالت قائمة واعتبر ألم أي فرد سوري بغض النظر عن انتمائه السياسي هو ألمي ومعاناتي.

أقصد نحن لم نتخطَ  الأزمة بالمطلق وإنما نحاول أن نواجه نتائجها بما أوتينا من حب و قوة.

كوني مقيمة في أوروبا لا يعني أبدًا أني تخطيت الأزمة؛ لكني بذات الوقت أؤمن أن من واجبي ألا أجعل المفسدين في الأرض يتحكمون براحة نفسي.

صناع الحروب يستغلون نقاط ضعف الشعوب والتي منها الجهل والتعصب و ينثرون بذور الحقد التي تعطي الثمار التي يرغبون بجنيها ومنها السيطرة على مقدرات المجتمعات والدول.

وللأسف، إن الإعلام العربي قبل انطلاق التحركات الاحتجاجية في الدول العربية وخلالها وبعدها لعب ويلعب دورًا خطيرًا ـ سواء عن قصد أو بغير قصدـ في تأجيج الكراهية والفوضى، أي أنه سلاح حقيقي في يد أي جهة تسعى لزعزعة الأمن في بلداننا بغض النظر هل كانت الجهة داخلية أم خارجية؟

جميعنا يرغب بالإصلاح والقضاء على الفساد والتمتع بالحرية المسؤولة؛ لكن يجب أن نحرص على طرق تحقيق هذه الأهداف.

وأنا من خلال منبركم أتوجه إلى كل إعلامي عربي وإلى كل مسؤول عن قنوات الإعلام العربية بكل أشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية وأناشدهم أن يتوقفوا عن خلق و تعزيز الكراهية من خلال تركيزهم على الأطر السلبية وأطر الحرب.

ومسؤوليتنا كإعلاميين نقل الحقائق لكن في نفس الوقت علينا الارتقاء بمستوى الوعي الإنساني من خلال رسائلنا المطروحة. 

معظم ما نراه الآن على شاشاتنا ونسمعه في الإذاعات ونقرأه في الصحف يعزز الصور السلبية، وبالتالي يؤثر على طرق تعاطينا مع الواقع وينشر التشاؤم ويمتص طاقاتنا.

وأنا لا أدعو للتستر على مواضع الخطأ والخلل في مجتمعاتنا على العكس لكن يمكننا تغيير طرق معالجة وعرض المعلومات.

مثلًا، إذا ما حصل خلاف بين بعض السنة والشيعة وأراد الإعلامي أن يسلط الضوء على هذا الأمر، فليكن ذلك؛ لكن من واجبه تجاه مجتمعه تسليط الضوء بقوة على آراء قادة الرأي الذين يرفضون رفضًا تامًا وجود نزاعات على أسس مذهبية. 

أما أن يعرض الإعلام النزاع وفقط بصورة مجردة، فهنا الكارثة الحقيقية؛ لأنه يزرع صورًا ذهنية ويرسخها بطريقة تجعلها الموجه الأساسي للمجتمعات في تعاملهم مع مشاكلهم.

خلاصة القول، نحن لم نتخطَ المحنة بعد ومازلنا نعاني من نتائج الحرب ومن الفوضى والتعصب والكراهية التي منبعها الحقيقي هو الجهل.

سنبدأ بتخطي الأزمة بشكل حقيقي عندما يتوقف الوحش الإعلامي عن التهام راحتنا النفسية، وعندما يتوقف جشع صناع الحروب، وعندما نحاسب أنفسنا على أخطائنا قبل محاسبة الآخر.

بم تنصحين السوريين؟

بصراحة لست بموقع منح النصائح للسوريين، الحكمة تقتضي ألا نوجه نصائحنا إلا لمن يريدها منّا؛ لكن دعني أتمنى أن يتحمل كل سوري، خارج و داخل سوريا، مسؤوليته تجاه مجتمعه ووطنه حتى نستطيع القضاء على الفوضى الحاصلة.

كم أحزن عندما أرى السوريين ملتزمين بالقوانين في أوروبا وليسو كذلك في سوريا. 

طبعًا الخلل والفساد في الإدارة يسببان هذا الأمر؛ لكن أيضًا المسؤولية الفردية هي عماد نجاح أي مجتمع. 

تخيل، هنا في السويد تمنح الحكومة مساعدات للسوريين تغطي الكثير من الحاجات الأساسية للإنسان، ويحظى كل طفل بمساعدة جيدة جدًا، وكل شخص عاطل عن العمل يحصل على مساعدة مالية أيضًا، ومع هذا أرى الكثير من السوريين الذين لا يتوقفون عن انتقاد السويد يقولون أنهم كانوا يعيشون حياة أفضل في سوريا، والغريب أنهم أنفسهم معارضون للحكومة السورية!

ما أريد قوله إن الشعب الذي يتأفف دائمًا لا يستطيع النهوض بنفسه، خاصة إن كان يريد دائمًا المزيد والمزيد، دون بذل أي جهد يذكر، أو دون تحمل مسؤولية فردية.

أما بالنسبة للسوريين في الداخل السوري، أتألم جدًا عندما أرى الصعوبات التي يعانون منها، وعندما أرى فساد تجار الحرب عديمي الشفقة والرحمة.

السوريون المتواجدون في سوريا صابرون حقًا وأهلي منهم، ولست هنا على الإطلاق لأقدم لهم النصائح.

عندما أتواصل معهم أدرك مدى صبر وتحمل هذا الشعب.. وسائل الإعلام لم تنصفهم ولم تقدم صورة حقيقية عنهم.. قدمتهم إما كمعارضين أو مؤيدين للحكومة وحتى عندما تحدثت عن معاناتهم كان إما بدافع نقد الحكومة السورية أو المعارضة أو الجهات المنخرطة في الحرب.

أي لم يتحدث الإعلام عنهم بسياقات تنصفهم كأفراد أي بسياقات تبرز حال الفرد السوري ككيان مستقل بعيدًا عن وضعه في خانات سياسية و دينية.

مستقبل بشار الأسد.. إيران.. حزب الله.. روسيا.. تركيا في سوريا؟ 

مستقبل سوريا مرتبط حتمًا بكل ما يحدث وسيحدث إقليميًا و دوليًا.

أمام الأسد عدة تحديات منها استمرار الحرب العسكرية، وغضب الشعب بسبب فساد الحكومة ومستثمري الأزمة، والخلافات العائلية والعقوبات الجديدة المفروضة على سوريا وليس على النظام كما تدّعي بعض الجهات، فالذي يُعاقب هو الشعب السوري فهو المتأثر الأول بهذه العقوبات. 

أما روسيا فلن تتخلى عن مصالحها في سوريا في الوقت الراهن، كذلك لن تفعل إيران ببساطة، وحزب الله مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحدث السوري، لذا لن يختار الخروج من المشهد إلا في الوقت الذي يراه مناسبًا بالنسبة له ولإيران من غير شك.

تركيا كغيرها من الدول ستستمر في سياساتها التوسعية الراهنة إلا إذا تغيرت المعطيات الدولية.

هل تتحرر الجولان يومًا أم تلقى نفس مصير فلسطين؟

في الحقيقة، قبل تحرير الجولان أتمنى أن نتحرر من الجهل المرتبط بالتعصب، و أن نتحرر من الكراهية التي تغذيها سموم المذهبية، وأن نتحرر من سياسة انتقاد الآخر ونبدأ بانتقاد الذات والعمل على إصلاحها وتطوير مهاراتها بما يخدم المجتمع ككل.

أتمنى حقًا أن تصبح السلطة في مجتمعاتنا مسؤولة وألا تبقى مناصبًا لإشباع الرغبة في السيطرة وقمع الآخر. 

أنا لا أقلل من شأن تحرير الجولان فمؤكد أني أحب أن أتنفس من ترابه وأن أرى كل أهالينا وأن تعود خيرات الهضبة لنا؛ لكن عندما أرى أن إسرائيل ليست بحاجة لبذل الجهد لإضعاف الفلسطينيين فهم من يقومون بهذه المهمة عنها من خلال صراعهم الداخلي، أشعر أن تحرير العقل من كل ما ذكرت سابقًا أهم من تحرير الأرض.

عندما يستسيغ بعض السوريين انقسام سوريا الآن بين مناطق للحكومة ومناطق للمعارضة ومناطق للأكراد ومناطق لجهات أخرى، كيف لي أن أفكر أنهم قادرون على تحرير الجولان؟! 

إن كان السوري السني يعتبر أنه حرر الأرض من السوري “الكافر الشيعي” أو يعتبر الشيعي أنه حرر الأرض من “الإرهابي السني”، كيف لي أن أنتظر تحرير الجولان؟! 

وأي حياة ستكون في الجولان إذا كنا على هذا المستوى من التخلف والتعصب؟!

لست متشائمة لكني حقًا متألمة من انصياع الكثير لرسائل بعض رجال الدين أو السياسيين الذين لا يريدون سوى السيطرة مهما كان الثمن. عذرًا يا جولان فنحن منشغلون بتصنيع القنابل كي نقضي على من تبقى منا!

أحب العادات لمادلين وأسوأها؟

بالنسبة لي خير عادة ألا أعتاد على شيء؛ لكن هناك نشاطات أرغب دائما في القيام بها وهي الموسيقى، والقراءة، والكتابة، والشعر، والرياضة، والتعرف باستمرار على أصدقاء جدد، بالإضافة إلى السفر بغية اكتشاف ثقافات جديدة.

أما بالنسبة لأسوء العادات لا أستطيع تحديد واحدة.. أنا سعيدة جدًا بكل شيء أفعله.. ربما ما هو جيد جدًا بالنسبة لي سيء بالنسبة لشخص آخر؛ لكني مطمئنة في حياتي على الرغم من كل شيء.

كيف رأيت المجتمع السويدي؟

حاله كحال كل المجتمعات، ترى فيه الطيب والخبيث، الكريم و البخيل، الغبي و الذكي، النشيط و الكسول.. إلخ.

أنا سعيدة هنا بسبب الهدوء الذي قد يشعره البعض مملًا جدًا.

الانضباط والنظام أمران مهمان هنا.

الإنسان السويدي لا يعبر عن مشاعره باندفاع أو دعني أقول بحماس كما نفعل في بلداننا؛ لكن هذا لا يعني أن مشاعرهم باردة، على العكس  كثيرون لديهم إحساس إنساني جميل جدًا.. على الأقل من وجهة نظري.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours