أبوبكر أبوالمجد
كلما كبر حجم الفيلة كانت المعركة بينهم أكثر حمية، ومن الصعب توقع حجم هلاك العشب.
هذا هو حال الصراع المحتدم اليوم بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وهو صراع ظاهره صحي وباطنه سياسي واقتصادي، ربما يفوق خلال الأشهر المقبلة حدة الصراع الاقتصادي المحتدم منذ سنوات في ظل احتلال دونالد ترامب، رأس الهرم الإداري للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل التحديات الكبيرة والخسائر الاقتصادية الهائلة التي طالت الولايات المتحدة مؤخرًا بات تصعيد الصراع مع الصين خاصة بشأن مسؤوليتها عن فيروس كورونا طريقًا ربما وحيدًا لاستعادة ترامب توازنه الشعبي، وزيادة فرص فوزه بولاية ثانية.
اتهامات وتهديدات
بعد ظهور وانتشار فيروس كورونا المستجد، تصاعدت الاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين حول المسؤولية عن انتشار الفيروس.
في البدء.. هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين مكررًا مصطلح “الفيروس الصيني”، ثم عاد للثناء على أدائها في مكافحة الوباء، ثم عاد ثانية للهجوم مهدّدًا إياها بعواقب، وطالب بإرسال محققين إليها، ووزير الخارجية مايك بومبيو دعا لمقاطعة هواتف هواوي الصينية، والصين من جانبها طالبت واشنطن على نحو متكرر بعدم تسييس الوباء.
وأصرّ ترامب على أن بكين أخفت معلومات مهمّة بشأن تفشي الفيروس وطالب بمحاسبتها.
وذكرت تقارير إخبارية أن الرئيس الأمريكي أوكل جواسيس تابعين للولايات المتحدة مهمة التوصل إلى مصدر الفيروس، الذي تم تحميل مسؤولية تفشيه لسوق في ووهان تبيع حيوانات غريبة كالخفافيش للأكل. ويُعتقد الآن أن كورونا المستجد قد يكون تسرّب من مختبر قريب يجري أبحاثاً مرتبطة بالفيروسات.
وأمس الأحد، أكد بومبيو، وجود “أدلة هائلة” تشير إلى أن مصدر فيروس كورونا المستجد مختبر في ووهان بوسط الصين، وهي المدينة التي ظهر فيها الفيروس لأول مرة في ديسمبر الأول الماضي.
عقاب الصين
وقبل أيام نقلت قناة “روسيا اليوم” عن المحللة السياسية الروسية أولغا ساموفالوفا، تساؤلها إن كانت تهديدات ترامب تمهد الطريق لمعاقبة حقيقية للصين، فيما قال الأستاذ المساعد بقسم الأمن الدولي في كلية السياسة العالمية بجامعة موسكو الحكومية، أليكسي فينينكو: “يمكن أن تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل إجراءات ضد بكين، كفرض عقوبات اقتصادية وجر الاتحاد الأوروبي إلى جانبها”. وفي رأيه، تحتاج واشنطن إلى الاتحاد الأوروبي لدفن المشروع الصيني الكبير المسمى بـ”الحزام والطريق”.
وبحسب فينينكو، فإنه إذا حمل الأمريكيون مسؤولية الوباء للصين، يمكن لترامب شطب جزء من ديون الولايات المتحدة بسهولة، كأن يقرر أن الأمريكيين غير مدينين بأي شيء لبلد مثل الصين.
وأضاف فينينكو أن إمكانيات الرد لدى الصينيين ليست كبيرة كما هو الحال لدى خصمهم، فــ”الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفعله الصين هو طرح جميع أوراق الدين الأمريكية في السوق وتوجيه ضربة شديدة للاقتصاد الأمريكي”.
أدلة بومبيو
أمس الأحد، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في حديث مع شبكة “ايه بي سي” إن “هناك أدلة هائلة تشير إلى أن هذا هو مصدره”، لكنه رفض التعليق على مسألة إن كان يعتقد بأن نشر الفيروس كان متعمدًا.
وأضاف بومبيو: “يمكننا التأكيد أن الحزب الشيوعي الصيني فعل كل ما بوسعه لضمان عدم معرفة العالم ما كان يحدث في الوقت المناسب. هناك الكثير من الأدلة على ذلك، وبعضها علنية ويمكن رؤيتها”.
وأضاف: “رأينا تصريحاتهم.. رأينا أنهم طردوا الصحفيين.. شاهدنا إسكات هؤلاء الذين حاولوا أن يذكروا ما كان يحدث.. الأساتذة الطبيين داخل الصين، كما تم منع إصدار التقارير حول ذلك.. هذا هو أسلوب تعمل وفقه الأحزاب الشيوعية”.
واتهم بومبيو السلطات الصينية بأنها “أثارت مخاطر هائلة” ما أسفر عن إصابة ووفاة مئات الآلاف في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة، كما اتهمها بأنها رفضت دخول فريق من الصحة العالمية إلى مختبر ووهان.
وتابع وزير الخارجية الأمريكي، تعليقًا على مسألة ارتباط الفيروس بمختبر معهد الفيروسات في ووهان: “هناك أدلة ضخمة على أن كل شيء بدأ في هذا المكان. قلنا منذ البداية إن هذا فيروس ينحدر من مدينة ووهان الصينية.. لدى الصين سجل من إصابة العالم بفيروسات، وسجل لاستخدام مختبرات لا تستجيب للمقاييس المطلوبة، هذه المرة ليست الأولى عندما يواجه العالم فيروسا نتيجة أخطاء في مختبرات صينية”.
وأوضح الوزير الأمريكي، الذي كان يشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، لشبكة “أيه. بي. سي” أنه يتفق مع تصريح مجتمع الاستخبارات الأمريكية الذي ينسجم مع “التوافق العلمي الواسع بشأن مسألة أن الفيروس المسبب لكوفيد-19 ليس من صنع البشر ولا معدلاً جينياً”.
لكنه ذهب أبعد من ترامب، حيث أشار إلى “عدد هائل من الأدلة المهمة” على أن مختبر ووهان هو مصدر الفيروس.
ويرى بومبيو، أن المحاولات الصينية للتقليل من أهمية الفيروس ترقى إلى “محاولة شيوعية كلاسيكية للتضليل، وتسبب ذلك بخطر هائل”.
الولاية الثانية
بعد تراجع شعبيته لمستوى صار يهدد فرصة حصده لمقعد الرئيس مرة ثانية، يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للتصعيد ضد الصين.
فقبل شهر تقريبًا، شهدت حملة بايدن الانتخابية هجومًا ضد ترامب عبر مقطعي فيديو، معتبرة أنه تساهل مع الصين خلال الأزمة، وجاء ذلك في صورة مقطعي فيديو استخدمتهما حملة بايدن في تصوير كيف أن ترامب أضعف موقف أمريكا في الاستعداد للوباء، وكيف أنه لم يكن حاسماً بشكل كافٍ مع السلطات الصينية.
وجاءت لهجة ترامب الحادة تجاه الصين في اليوم التالي لإطلاق حملة بايدن هذين المقطعين، ما يؤكد أن الرئيس الطامع في ولاية ثانية سيزيد من حدة لهجته ومستوى التصعيد قي قابل الأيام لأغراض انتخابية.
+ There are no comments
Add yours